أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف ضمن برنامجه للموسم الثقافي الخامس عشر ندوة بعنوان “الفكر الديني وتحديات التجديد”، وذلك بتاريخ 1 ربيع الأول 1436هـ، الموافق 23 ديسمبر 2014م، استضاف فيها الباحث السعودي الشيخ محمد عمير. وضمن برنامجه الأسبوعي لإقامة معارض فنية مصاحبة للندوة، فقد تم تنظيم معرض فني ”مأخوذ بالألم“ للمصور بدر المحروس والشاعر مالك فتيل، كما ألقت الطالبة زهراء جعفر الشعلة قصيدة شعرية وذلك ضمن سعي المنتدى للتعريف بالكفاءات الشابة.
أدار الندوة التي حضرها حشد كبير ومميز من المثقفين الأستاذ محمد الشافعي الذي أكد في البداية على أن هناك ارتباط كبير بين النهضة والإصلاح الديني، ولا يمكن القيام بأي إصلاح في المنظومة الفكرية دون مراجعة وتجديد. ونوه أن تجارب التجديد في الفكر الديني لا تزال محدودة وغير فعالة وبحاجة إلى مراجعة وتقييم من أجل الإنطلاق السليم فيها. وعرف بعدها بضيف الأمسية الشيخ محمد مدن عمير من مواليد 1399هـ ببلدة التوبي في محافظة القطيف شرقي السعودية، حاصل على الدكتوراة في فقه الأسرة، وهو أستاذ في الحوزة العلمية، ومدير مؤسسة “مرفأ الكلمة للحوار والتأصيل الإسلامي” في مدينة قم المقدسة. الشيخ عمير حاصل على شهادة مدرب دولي محترف من المعهد العالمي الكندي، وله عدة مؤلفات وبحوث متنوعة منها: “إثبات الهلال فلكيا: محاولة في البحث الفقهي”، “بحوث فقهية في بعض مسائل الحج”، “شرطية الكفاءة بين الزوجين: بحث مقارن”، “القواعد الفقهية العامة في فقه ذوي الاحتياجات الخاصة: بحث مقارن – أطروحة دكتوراة”.
في بداية المحاضرة تناول الشيخ محمد عمير أهمية التجديد باعتباره ضرورة أساسية، وهو عملية مستمرة ودائمة، مضيفا أن التجديد قد يفهم لدى العموم على أنه كل نظرة غير مألوفة، مؤكدا على أن التجديد يتكئ على جهود سابقة ومتراكمة ولا يأتي دفعة واحدة ويتطلب توفر بيئة وأجواء مناسبة لتفعيل دوره.وأشار الشيخ عمير إلى ان التجديد في الفكر الديني هو بحث في الظاهرة الإنسانية ودور الدين وموقعيته في الحياة العامة بما يتناسب مع المتغيرات الزمنية والظروف المستجدة، موضحا أن الإعتراض على مشاريع التجديد ينبع من القلق والخوف على الموروث الذي قد تحول الى ثوابت مع مرور الزمن.
وأضاف أن المجدد من طبيعة دوره الإنفتاح على الآخر المختلف، والتفكير الجاد والعميق، والنظرة إلى الأفكار بصورة عمودية مترابطة، مشيرا إلى أن ذلك يتطلب اطلاعا ودراسة معمقة وفهما شاملا للأفكار المثارة بهدف الوصول إلى أفكار تجديدية وإبداعية وخلق تراكم تاريخي في تجديد الفكر. ولفت الإنتباه إلى مشكلة بعض العاملين في مجال التجديد الإندفاع والاستعجال في مشاريع التجديد دون استكمال شروطه وبناء المنظومة الفكرية الأساسية المطلوبة التي تشكل قاعدة للإنطلاق في هذا المجال.
وأبرز الشيخ محمد عمير أن هناك تحد يبرز أمام التجديديين، وهو تحد البيئة التي يعيشون فيها، والتي تمثل التيار السائد وعادة ما يكون متناسقا مع موروثات وأفهام قائمة لا تقبل التغيير، لهذا فليس من المتوقع أن يواجه المجددون في المجال الفكري باستجابة واسعة وتأييد كبير في أطروحاتهم بداية. وأكد أن التجديد في الفكر الديني ينشأ نتيجة القلق الذي يحتفظ به المجددون في داخلهم وخاصة عند تقييمهم لواقع الدين وأثره في الحياة العامة ودوره كعامل اساس في تقدم أو تخلف المجتمع، وهذا القلق ذاته هو مادفع شخص مثل السيد محمد باقر الصدر أن يدرسه من خلال أبحاثه كاقتصادنا وفلسفتنا.
واضاف المحاضر أن أكثر التجارب التي اشتغلت على تجديد الفكر الديني حاولت أن تربط بين الإنسان والنص الديني، من خلال إعمال النص الديني ليكون عاملا فاعلا خارج دائرة النصوص بحيث يطوع لخدمة حاجة الإنسان لإعمار الكون وهو الهدف الأساس من الخلق. وأشار إلى أن التجديد في الفكر الديني يتصل بفهم الدين واستيعابه، موضحا أن التجديد في الفكر الديني يعني تحديدا إعادة فهم معاني الدين ومقاصده ودوره، ولهذا فإن دعوى الخوف على الدين التي يحذر منها البعض لا موقع لها هنا، فالدين كثابت لا يمسه التجديد.
وأوضح الشيخ محمد عمير أن الحل الأمثل لتعزيز وتفعيل تجديد الفكر الديني يتمثل في ايجاد منظومة مؤسسية فكرية تهتم بقضايا التجديد الديني وتضم المهتمين بهذا المجال من علماء وباحثين، لافتا إلى أن طبيعة المجتمعات تنمو كما الأفراد، وتتطور فيها الأفكار تدريجيا. وبين أن غياب برامج التفكير المعمقة والمتواصلة، وانعدام وجود الحواضن المؤسسية تخلق فجوة في القدرة على الاستجابة على القضايا الفكرية والتحديات المستجدة أمام المجتمع والأمة بشكلل عام لكون هذه التحديات تتجدد بصورة مضطردة وتخلق أسئلة كبيرة قد تنتج عنها أزمات.
واستعرض المحاضر نماذج من تجارب في تجديد الفكر الديني على الساحة المحلية مشيرا إلى انموذج العلامة الراحل الشيخ عبد الهادي الفضلي الذي يمثل قامة كبيرة في مجال التجديد وخاصة إعادة عرض المناهج الحوزوية. كما تحدث عن تجارب مماثلة في هذا المجال منها دور المحقق الشيخ حسين الراضي والشيخ حسن الصفار والأستاذ محمد المحفوظ. وخلص إلى القول أن طبيعة الكثير من مسائل التجديد هي نظرية في الغالب، وليس مطلوب من المجدد ان يقدمها على أرض الواقع، مبديا تفاؤله في مجال تجديد الفكر الديني.
تخلل الأمسية العديد من الأسئلة والمداخلات، حيث أشار في البدء الدكتور محمد الهويدي إلى أن غياب حالة التجديد في الفكر الديني نتج عنها آثارا سلبية على نمو وتطور المجتمع وأنتج تشوهات فكرية كثيرة منها أحادية الفكر التي تسود الحالة الدينية. وعقب الأستاذ وليد سليس على ضرورة إبراز دور المفكرين الشيعة السعوديين في الإصلاح، وعدم الاقتصار على عرض نماذج من خارج الوطن.
وطرح الأستاذ عبد الله أبو خمسين ضرورة العمل على أنسنة الفكر الديني للخروج من مأزق الأحادية الدينية، مشيرا إلى سيادة حالة الإقصاء تجاه المجددين مثل السيد فضل الله، وعقبت الأستاذة نسيمة السادة إلى أهمية التوجه إلى الفعل الحقيقي لدى علماء الدين في إعمال الإجتهاد والتجديد الفكري بدلا من الإقتصار على ردات الأفعال وخاصة لدى علماء المنطقة. وطرحت الأستاذة عالية فريد عدة قضايا جدلية مطروحة في الساحة الفكرية ولم يتم تناولها بصورة تجديدية واضحة مثل قضية الحجاب للمرأة وعملها، وهي الفكرة التي تناولها أيضا الدكتور علي الحمد حول بعض الأحكام مثل الردة والموقف تجاه المخالف، وكذلك طريقة تعاطي علماء الدين مع مثل هذه القضايا وغيرها التي تتطلب استقلالية في الموقف والمصدر المالي.
وأشار الأستاذ محمد التاروتي إلى غياب الاتجاه المقاصدي لدى مفكري الشيعة محليا في مقابل تجاوز المجددين والمفكرين في إيران هذا الوضع بمراحل كبيرة، واشار الأستاذ عبد الباقي البصارة إلى ضرورة تنمية حالة التجديد كي تساهم في الحد من انتشار بعض الممارسات والطقوس المستجدة والتي لا نجد من يتصدى لها الا القليل، والأغلب لا يعطى اي رأي في ذلك. وأشار عضو إدارة منتدى الثلاثاء الأستاذ زكي البحارنه إلى أن هناك معوقات لا تساعد على التجديد مثل محدودية مساحة حرية الإختلاف وغياب القبول بالتعددية، وتساءل الأستاذ أحمد الخرمدي حول حدود مجال المجدد في دائرة الفكر.
وناقش الأستاذ علي المطرود الفكرة التي طرحها المحاضر حول الإقتصار في التجديد على الجوانب النظرية وليس العملية، والتي لا تطبق على أرض الواقع، وضرورة توسيعها لتكون مشاريع عملية. الكاتب بدر الشبيب أكد ان المشكلة لدينا هي عدم مواصلة التجديد، مشيرا إلى نموذج الشيخ النائيني التي بقيت نظريته فترة طويلة، وكذلك نموذج السيد الصدر التي ظلت تجربته خارج السياق، مشيرا إلى أن هناك تجديد في المسائل الفردية وليس في المسائل الكبرى مثل الحرية والمساواة والأنظمة الوضعية.
وتساءل الأستاذ حسين حماد حول مدى توفر فرص لوجود مرجعية شيعية في الخليج، أما الأستاذ علي اليوسف فطرح اشكاليات كيفية التعامل مع المجدد بشكل عام، وعن دور المرجعية في علاقتها بالمجددين. أما الناشطة فوزية الهاني فطرحت نقاشا حول مستقبل التجديد في المنطقة، وكيف نسد الفجوة بين الشباب المثقف وعلماء الدين.
المحاضرة الكاملة: