ضمن سعيه لإشراك المؤسسات الرسمية للتعريف بأعمالها وبرامجها وأنشطتها، أقام منتدى الثلاثاء في برنامجه للموسم الخامس العشر ندوة بعنوان (الفساد واستراتيجيات مكافحته)، استضاف فيها معالي الدكتور عبد الله عبد العزيز العبد القادر، نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وذلك بتاريخ 24 صفر 1436هـ الموافق 16 ديسمبر 2014م. الدكتور عبد الله العبد القادر من مواليد الأحساء عام 1964م وحاصل على الدكتوراة في ادارة الاعمال من جامعة ولاية فلوريدا، وعلى الماجستير في المحاسبة من جامعة جنوب كاليفورنيا، بينما أتم دراسته للبكالوريوس في التجارة بجامعة الملك سعود بالرياض. عين الدكتور العبد القادر عضواً لمجلس الشورى منذ العام 2009م وشغل العديد من المناصب المهمة منها المدير العام المؤسس للشركة السعودية للصناعات، رئيس مجلس إدارة الشركة العربية لصناعة المنتجات الطبية، رئيس مجلس إدارة الشركـة العربيـة للأليـاف الصناعيــة، ووكيل كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود ومستشار غير متفرغ لدى وزارة التجارة السعودية، كما أن له العديد من العضويات في المجالس و اللجان من أهمها مجلس إدارة شركة الاحساء للتنمية والفريق الاستشاري لانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.
أدار الندوة الأستاذ محمد الخباز الذي عرف بالمحاضر وعرض سيرته الذاتية. بعد ذلك افتتح المحاضر الندوة بمدخل شبه فيه الفساد بكائن أسطوري ذي رؤوس عديدة كلما قطع إحداها نما عوضا عنه ألف رأس جديد، كناية عن كون الفساد داءاً عضالاً ينخر في نسيج المجتمعات على اختلافها، وهو ظاهرة قديمة وعالمية لها صور واساليب متعددة عايشتها الأمم منذ الأزل واجتهدت في سبيل تطوير منهجية لمكافحتها.
وذكر المحاضر بأن مفردة الفساد وردت خمسين مرة في القرآن الكريم، موزعة على سبع وأربعين آية في واحد وعشرين سورة، وبين بأن الفساد ظاهرة عالمية تسعى الدول جاهدة في سبيل القضاء عليها بسن التشريعات والأنظمة المتعلقة بتوصيف أفعال الفساد والعقوبات على من يدان به وإيجاد الأجهزة القضائية والرقابية والأمنية التي تقوم على مكافحته بالمتابعة والرقابة وضبط المخالف وإدانته، وإيقاع العقوبة عليه. وحذر من أن الفساد أصبح عامل قلق رئيسي لجميع البلدان على اختلاف مستوياتها وأن له أسباباً ترتبط بظروف عدة أبرزها الظروف الاقتصادية، والسياسية، والإجتماعية لكل بلد، وهو من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمعات، إذ أن آثاره وعواقبه وخيمة إذا استشرى وتفشى في مجتمع من المجتمعات مسببا أضرار يصعب تداركها والقضاء عليها.
وأوضح المحاضر أن جرائم الفساد متعددة وتشمل الرشوة، واستغلال النفوذ، وإساءة استخدام السلطة، واختلاس وتبديد المال العام، وغسل الأموال، والتزوير، وتزييف العملة، والغش التجاري. وبين أن الفساد له أنواع عديدة، منها الفساد الإداري الذي يتعلق بسلطات العاملين في الأجهزة العامة للدولة خاصة الجهاز الحكومي، والفساد المالي الذي يتمثل بمجمل الانحرافات المالية ومخالفات القواعد والأحكام المالية التي تنظم سير العمل الإداري والمالي في الدولة ومؤسساتها، والفساد الاقتصادي الذي ينجم عن تركّز السلطة الاقتصادية في كيانات احتكارية تعمل على المستوى الكلي أو القطاعي وامتلاكها هامشاً تقديرياً واسعاً في القرارات التي تتخذها مع ضعف الرقابة والمساءلة عليها سواءً كانت هذه الكيانات مملوكة للدولة أو مملوكة للقطاع الخاص، وكذلك الفساد الذي يصيب المعاملات الاقتصادية في البيع والشراء ومبادلة في الأسواق، حيث يسود الغش والتلاعب وعدم الوفاء بالعقود والإخلال بالاتفاقيات والعقود.
وشدد المحاضر على أن الفساد يعيق حركة التنمية ويبدد الموارد، فلا استقرار ولا نهوض بانتشاره، وهو مرض فتاك يؤثر على المصلحة العامة للشعوب حيث التغاضي و التساهل في مزاولة بعض الأعمال الخارجة على مقتضيات النظام، والفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، كما يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية. ويؤدي الفساد كذلك إلى ضعف عام في توفير فرص العمل، ويوسع ظاهرة البطالة والفقر، وهدر الموارد، وهجر الكفاءات الاقتصادية، وبروز المحسوبية والمحاباة في المناصب العامة.
وأشار المحاضر إلى أن المملكة أولت مكافحة الفساد أهمية قصوى، حيث بدأت في سن الأنظمة والتشريعات منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز ووقعت الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تحمي النزاهة وتكافح الفساد، منها ما صدر عن الديوان العالي بتاريخ 29/12/1347هـ حول تنظيم الشكايات، وصدر عام 1377هـ نظام للحد من استغلال الوظيفة العامة، وصدر عام 1379هـ النظام الجزائي الخاص بتزييف وتقليد النقود، وفي عام1380هـ صدر نظام محاكمة الوزراء و نظام مكافحة التزوير، كما صدر عام 1386هـ نظام مراقبة البنوك، وغيرها الكثير من الأنظمة كنظام تأديب الموظفين ونظام مكافحة الرشوة ومكافحة التستر ومكافحة الجرائم المعلوماتية.
وذكر بأن المملكة وقعت على العديد من الاتفاقيات الدولية لمكافحة الفساد منها اتفاقية الامم المتحدة عام 2004م ، وصادقت على اتفاقية عمل الجريمة المنظمة العابرة للحدود الإقليمية والبروتوكولات المكملة لها عام 2005م. وتحدث العبد القادر عن مدى تطبيق هذه الأنظمة معتبرا إياها المشكلة الأكبر، متحدثا عن المساعي لتوحيد هيئات مكافحة الفساد والرقابة عليها. وتناول في حديثه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد التي أصدرها مجلس الوزراء عام 1428هـ، والتي تهدف إلى مكافحة الفساد بشتى صوره ومظاهره، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، وبين أن الاستراتيجية تؤكد على مبدأ مساءلة كل مسؤول مهما كان موقعه ومركزه عن المخالفات وأوجه القصور.
وأوضح الدكتور العبد القادر بأن الاستراتيجية تنطلق من مفاهيم الدين الإسلامي الحنيف، مشيرا إلى أن الفساد يعوق التطوير والتنمية والاستثمارات، وأن حماية النزاهة ومكافحة الفساد تتحقق بشكل أفضل بتعزيز التعاون بين الأجهزة المختصة، وتحصين المجتمع السعودي ضد الفساد بالقيم الدينية والأخلاقية والتربوية، وتوجيه المواطنين والمقيمين نحو التحلي بالسلوك السليم واحترام النصوص الشرعية والنظامية، وتوفير المناخ الملائم لنجاح خطط التنمية ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية منها، كذلك الإسهام في الجهود المبذولة لتعزيز وتطوير وتوثيق التعاون الإقليمي والعربي والدولي في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد.
واشار المحاضر إلى أن الفساد مرتبط في بعض الصور بالنشاطات الإجرامية والجريمة المنظمة العابرة الحدود، كما أن ظهور مفاهيم وصور ووسائل حديثه للفساد وانتشارها يستلزم مراجعة وتقويماً مستمراً للسياسات والخطط والأنظمة والإجراءات والبرامج لمكافحة هذا الوباء، وأن تحقيق حماية النزاهة ومكافحة الفساد يتطلب أيضّا تعزيز التعاون بين الدول انطلاقاً من مبادئ القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية. ونوه ضيف الأمسية إلى أنه يمكن تشخيص مشكلة الفساد من خلال عدة وسائل منها قيام الأجهزة الحكومية المعينة بحماية النزاهة ومكافحة الفساد بممارسة اختصاصاتها، وتطبيق الأنظمة المتعلقة بذلك، وإقرار مبدأ الوضوح (الشفافية) وتعزيزه داخل مؤسسات الدولة، مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في حماية النزاهة ومكافحة الفساد عن طريق توعية الجمهور وتعزيز السلوك الأخلاقي، وتحسين أوضاع المواطنين الأسرية والوظيفية والمعيشية، وتعزيز التعاون العربي والإقليمي والدولي.
وحيث أن الدكتور عبد الله العبد القادر يشغل منصب نائب رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، فقد تطرق الى تاريخ انشاء هيئة (نزاهة) بصدور الامر الملكي رقم (أ/65) بتاريخ 13/4/1432هـ والذي قضى بانشاء الهيئة، مشدداً بأن أهداف الهيئة مستقاة من الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ومنها متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات المختصة بالشان العام، والتحري عن أوجه الفساد الاداري والمالي في العقود، واحالة المخالفات للجهات الرقابية، وتحقيق الأهداف الواردة في الاستراتيجية الوطنية، ونشر الوعي وبيان أخطار الفساد، وتمثيل المملكة في المؤتمرات والمحافل الدولية، بالاضافة الى تنظيم المؤتمرات والدورات لمختلف الجهات والادارات، وجمع المعلومات والبيانات والإحصاءات.
وذكر المحاضر بأن عملية تلقي البلاغات في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد تمر عبر ست مراحل: التحري، كشف التجاوزات والمخالفات، الإعلام دون التشهير باعتباره عقوبة متعدية حيث لا يمكن ذلك إلا بعد صدور الحكم ويتم نشر المخالفة حول إدارة أو جهة معينة، ومنح مكافات للمبلغين، مشدداً على أن هناك سرية في البلاغات وحماية المبلغين. وبين بأن مقياس مؤشرات الفساد يعتمد أساسا على المدركات، حيث يجري العمل على وضع مؤشر وطني خاص بالفساد، موضحا أن الهيئة جهة رقابية تهتم بتحسين الخدمات وليست أداة لتحسين الصورة، وهي تتمع بالاستقلالية، ودورها ينصب في حماية النزاهة أيضا. وأوضح المحاضر أن هناك عدة جهات رقابية في المملكة تقوم بأدوار مكملة منها مجلس الشورى، هيئة الرقابة والتحقيق، هيئة التحقيق والادعاء العام، المباحث الادارية، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة)، وديوان المراقبة العامة. وأنه تم تأسيس خمسين نادٍ للنزاهة في مدارس مختلفة.
أفتتحت المدخلات الأستاذة رائدة السبع بسؤال عن سبل معالجة الفساد في المرحلة الحالية ومدى نزاهة الهيئة في الإجراءات التي تتخذها حيال الفساد، وتساءل الأستاذ فاضل العُماني عن مدى استقلالية الهيئة في عملها وهل هو دو طبيعة استشارية أم رقابية، وهل هدفه تحسين صورة المملكة. فيما أشار الأستاذ علي الشعبان إلى أن نتائج عمل الهيئة لا يصل للإعلام بشكل كبير، مؤكداً على أن التشهير بالأشخاص أمر مشروع ومهم. وعلق الأستاذ حسن الزايرعلى المحاضرة مشيرا إلى تكرار الحديث عن مظاهر الفساد ومفرداته دون الإشارة لمراجعة الأداء والامانة في استخدام الانظمة، مبيناً أن النزاهة مصدرها اجتماعي واقتصادي ومالي ومصنعي.
وتساءلت الناشطة الحقوقية نسيمة السادة عن مجالات عمل الهيئة وعن القطاعات التي تشملها، فيما نوه العضو المؤسس في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتور عبد الخالق العبد الحي بأن الجهات الرقابية تتعامل مع إرث تاريخي كبير جدا من المشكلات والمجتمع بحاجة لأن يرى إنجازات تمت معالجتها وخاصة للجهات المتنفذة. وشدد الأستاذ محمد الدعلوج على أهمية الوقاية من الفساد من خلال التعليم والتوعية للطلبة والطالبات، وهو نفس الرأي الذي تداخلت به الأستاذة نجاة أو حليقة، كما بينت الأستاذة فوزية الهاني مدى الفجوة الواضحة الناتجة عن الفساد بين الاعتمادات المالية والصرف مؤكدة على أن المجالات العملية كما النظرية مهمة جدا.
في الختام، تقدم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بشكره للمحاضر والحضور، مشددا على ضرورة وجود المؤسسات الأهلية الداعمة للهيئة كما هو الحال في بقية الدول مؤكدا على أهمية إصدار قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية، ومشيراا إلى المشاكل المترتبة على محجوزات شركة ارامكو في المنطقة. الجدير بالذكر أن المنتدى أقام على هامش الندوة معرضا فنيا حقوقيا لمجموعة من الفنانين كان قد بدأ الاسبوع الماضي بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وألقت الفنانة حواء المغيزل كلمة تحدثت فيها عن علاقة الفن بحقوق الإنسان والمؤسسات الفنية التي تعمل في هذا المجال عالميا.
المحاضرة الكاملة: