ضمن برنامجه الأسبوعي، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 16/11/1425هـ الموافق 28/12/2004م الناقد والكاتب السعودي الأستاذ محمد العباس في محاضرة جاءت بعنوان “إعادة إنتاج المثقف”، وقد أدار الندوة عضو اللجنة المنظمة للمنتدى الكاتب الأستاذ ذاكر آل حبيل، الذي قدم الأستاذ العباس معرفاً به كاتباً وناقداً في شتى الأجناس الأدبية والفنون التشكيلية، وهو من مواليد سيهات عام 1380هـ، له أربعة كتب نقدية، يكتب في مختلف الملاحق الثقافية الصادرة في الصحف والمجلات السعودية. شارك في العديد من النشاطات الأدبية والثقافية في داخل الملكة و خارجها.
بدأ الناقد محمد العباس ورقته بنقد من وصفهم بالمثقفين المدجنين من قبل السلطة والمؤسسة في الوطن العربي، ونعتهم بمجرمي سلم وأدوات تضليل ثقافي يعاد إنتاجها لصالح تأميم الصوت الثقافي المغاير، ثم دخل في معالجة موضوعة “المثقف والسلطة” من خلال قراءة تحولات النخبة المثقفة، والتي بدت من وجهة نظر العباس أكثر قابلية للاستدماج في خطاب الاستبداد الثقافي، وأقل قدرة على مجاراة دهاء “المؤسسة العربية”.
التواطؤ على الذاكرة بحسب العباس هو أخطر ما أبان عنه الخطاب الثقافي العربي في حقبة ما بعد الحرب الباردة، حيث استشرت ظاهرة “ازدراء المثقف” عبر تلقف أصوات من النخبة الثقافية لنظرية النهايات التي راجت في الغرب، وانشغالها بالترويج لها، الأمر الذي كان يصب في مصلحة مؤسسة السلطة، والتي تبدي استعداء دائما للمثقف الحقيقي، مفضلة إعادة إنتاج نموذجها الخاص للمثقف المستدمج.
واستطرد في القول بأن ما نراه من حراك ثقافي، ليس أكثر من أخاديع ثقافية وشعارات مضللة تلك التي يتزين بها المثقف المدجن في سياق تعاطيه مع الواقع والحياة العامة، مبينا أنه على ذلك يتم دائما تأهيل طابور من المثقفين المزورين للوعي الثقافي، ممن يراد لهم أن يوفروا المشروعية للمؤسسة، وأن يعاودوا إنتاج “الأسئلة الاستهلاكية لتبديد طاقة المشهد الثقافي”، واستصناع أخطار وهمية لأجل تسويغ أشكال التصاقهم بمشاريع السلطة، وترويجهم لأجندتها التي تسعى إلى تهميش سؤال الديمقراطية والاشتغال على اليومي والهامشي من القضايا.
هذا الطراز من المثقفين المدجنين يجد له العباس أمثلة في الطابور الذي مارس التهليل لمشروع التطبيع في مصر، وبشر بسلام الشجعان في فلسطين، وطبل للاحتلال في العراق، وتوهم الإصلاح في دول الخليج، وهذا كله يأتي في سياق تآمر المؤسسة على الثقافة، وتعطيلها للصوت المغاير من المثقفين الذين يبدون على الدوام عرضة للتهميش والاحتقار، حتى تأمن الدولة من تشكل منظومة ثقافية خارج خطابها.
ويؤكد العباس على أن تلك النخب الثقافية أو المصعّدة كظواهر إعلامية، تتحول إلى حجة تضغط بها السلطة على الناشز من المثقفين لتأكيد حتمية مفهومها السلطوي، المؤسس على الولاء التام للسلطة وتمثل مرئياتها التنموية بكل متوالياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وشكك العباس في الدعوات التي تدعو إلى تفعيل البعد الوطني للثقافة عربيا، ويرى فيها “التفافا على استحقاقات التغيير، واستكمالا صريحا لتأميم الصوت الثقافي”، مؤكدا على وجود مساع واضحة للفصل بين الثقافة والتحديات.
يذكر أن اللقاء قد حظي بنقاشات ساخنة، شارك فيها عدد من الإعلاميين والمثقفين بالمنطقة، وتركزت معظمها في جانب مراجعة ادوار المثقف، ومفهوم المثقف العضوي، ومقولة “التحليق الحر” التي أطلقها محمد العباس كمنهجية للهروب من سطوة النسق والمؤسسة والسلطة.