ضمن سلسلة ندواته للموسم الثقافي الخامس عشر، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف أمسية حضرها جمع نخبوي من المثقفين والإعلاميين تحت عنوان “دور الحرية في التقدم والإستقرار” ألقاها الدكتور ابراهيم بن سليمان المطرودي وذلك مساء الثلاثاء 20 ذو الحجة 1435هـ الموافق 14 اكتوبر 2014م.
بدأت الفعاليات بتداول أبرز الأخبار الثقافية والإجتماعية، ومن ثم تحدث المؤرخ سلمان الرامس عن فعاليات مهرجان النخلة الذي أقيم مؤخرا في المحافظة مشيرا إلى أهميته في نشر الوعي حول الاهتمام بالزراعة بشكل عام وبالنخلة بشكل خاص حيث أن محافظة القطيف تتميز بكثافة النخيل فيها. كما استعرض الفنان التشكيلي يوسف عبد الله تجربته الفنية في الفن الرقمي والسينوغرافيا، حيث أقام معرضا فنيا في المنتدى يشمل العديد من لوحاته وأعماله الفنية.
أدار الندوة رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ عيسى العيد الذي طرح العديد من التساؤلات حول الحرية وهل هي مطلب ديني؟ ولماذا تتعثر في المجتمعات المسلمة؟ والمعوقات التي تقف أمام تحققها وتأثيرها على العدل والتقدم والإستقرار. وعرف بالمحاضر أنه من مواليد بريدة بالسعوية عام 1389هـ، ويعمل أستاذا مساعدا بكلية اللغة العربية بجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وحاصل على درجة الدكتوراة في اللغة العربية، كما أنه كاتب في صحيفة الرياض، وشارك في العديد من المؤتمرات الفكرية والتعليمية.
بدأ المحاضر حديثه بالتأكيد على حاجة أمة المسلمين إلى بلغاء الفكرة من مثقفين ومفكرين أكثر من حاجتها إلى بلغاء القول كالشعراء والنثار وذلك بسبب ما تمر به من أزمات ومعوقات في هذه المرحلة الإنتقالية كي تتمكن الأمة من معايشة عصرها. وأشار إلأى أن تحديات الواقع التي تواجه المسلمين عظيمة جدا، ويتطلب ذلك فتح آفاق التفكير كي يتمكن أفرادها من الاستجابة لما يتناسب مع السياق العالمي الذي تعيش فيه، موضحا أن المتحدثين يتبارون في نقل المعني المكرورة والأفكار المتقادمة، بينما ينظر إلى من يحدث الناس بصوت العصر وبفكر التجديد على أنه بعيد عن البلاغة وخارجها.
وأوضح الشيخ المطرودي أن الحضارة الحديثة قامت على جهود أفراد خرجوا عن سائد أمتهم ومألوفها، واستطاعوا أن يبدعوا نهجا جديدا في البحث والنظر والتحليل، فديكارت انتقد منهج ارسطو في عصر كان فيه رجال الدين يحرمون على العلماء والمفكرين التصريح بأي نظرية علمية تختلف مع ما تركه لهم أرسطو. ويؤكد المحاضر أن الحرية ضرورة حياتية، وهي مفهوم تطرحع علينا بإلحاح حياتنا المعاصرة، وتدعونا إلى معرفته، والنظر فيه. وبين المطرودي في محاضرته أن الدين بشكل عام يؤيد الحرية ويدعو لها، وعلى رأسها الحرية الفردية مستشهدا بقصة ابليس في القرآن الكريم التي يعتبرها من أبين حجج الحرية، إذ تركه الله – عز وجل – وأمهله مع إصراره على باطله وتفانيه فيه وسعيه في نشره ما استطاع، مشيرا إلى أن الله تعالى أذن لإبليس أن يتخذ القرآن منبرا لخطابه ومنصة لحديثه.
وحول موضوع الحرية بين الدين والعقل، رأى المحاضر أن ميل المسلمين للتقليد والدفاع عنه يجعلهم بعيدين عن الدين والعقل اللذين يجمعان على محاربة التقليد ومناهضة أنصاره باعتباره بلاءا بشريا. فالله سبحانه وتعالى لم يرتض التقليد حجة لأهله، ولم يقبله منهم في الدفاع عن أنفسهم، حيث زودهم بالعقل وأمرهم باستخدامه، واللجوء إليه. ويؤكد المطرودي على أن الحرية تعد البوابة الموصلة إلى الدين، وحين تفتقد الحرية في مجتمع ما يبرز مشهد مزعج من الفوضى وفقدان الدين، حيث تسهل الحرية إعادة قراءة التراث وتجديده، فالحرية الفكرية للناس تعود على صورة دينهم، كما أنها – أي الحرية – والعقل أخوان متلازمان.
وحول معوقات الحرية، تحدث المحاضر عن معوقات عامة دينية وسياسية واجتماعية وثقافية، إلا أنه شدد على أن الحرية قرار للإنسان وحده، مؤكدا على أن المعوق الأساسي للحرية في نظره هو عدم قابلية الإنسان لفكرة الحرية، وعدم شعوره باحتياجه إليها، لأنه يعيش في بيئة مقنعة له، وغير مستثيرة لعقله، فهناك رضى بالحال والقناعة بالواقع. وأشار إلى أن الحرية يبحث عنها المختلف عن محيطه، وهو قليل في مجتمعاتنا المسلمة، ونتج عن ذلك نشوء وتعمق الاستبداد السياسي والديني والإجتماعي والثقافي، حيث أن الاختلاف في الرأي ضرورة من ضرورات التقدم.
وعن ثمار الحرية، أكد الشيخ ابراهيم المطرودي أن الحرية دواء لكل داء في مجتمعنا وأمتنا، فالحرية الفكرية تعني تمكين الجماهير العريضة من انضاج المفاهيم التي تمسها مثل العدل والتقدم والاستقرار، وهي تقوم على إبداء وجهات النظر والبعد عن النكاية بالخصوم والمخالفين. وشرح مفصلا الترابط بين المفاهيم الثلاثة (العدل، والتقدم، والإستقرار) باعتبارها مؤشرات لتقدم الأمة ورضا الناس فيها وتعزيز الولاء مقابل الظلم وبخس الحقوق الذي يهدم الطاقات ويبعث في النفوس التكاسل والكسل ويربيها على عدم المبالاة. وختم المطرودي محاضرته بالتأكيد على أهمية الحرية وقناعته بأنه تشكل الحل الأنجع لمشاكل المجتمعات المسلمة، وأكد على أنها أيضا الدواء الأمثل للصراع الطائفي العابر للأزمان والأوطان والقارات.
في بداية المداخلات، أشار الدكتور توفيق السيف إلى أن المحاضر لم يحدد مفهوم الحرية فهو في ثقافتنا السائدة مفهوم مرتبك جدا، فمع أن هناك اتفاق على أهمية الحرية إلا أنهه تحدد في أطر بحيث لا تتعارض مع مرغبات ومصالح البعض الذين يضعون لها حدودا تناسبهم مما يجعلها حبيسة فهمهم الضيق لها، كما أكد على ضرورة اعتماد العقل في مقابل النقل في مختلف المجالات المعرفية، وأن أجيا لالمسلمين لهم كامل الحق في إعادة تشكيل نمطهم الديني المتناسب مع فهمهم وعصرهم.
وأكدت الكاتبة إيمان الصفار إلى أننا بحاجة إلى وجود تأكيد متواصل على حق الحرية التي كفلته الإنسانية والأديان، وأن ما نفتقر إايه هو غياب هذا الحق من أصغر وحدة وهي البيت إلى الدولة وبقية مؤسساتها، وأن غياب الحرية هو تغييب لكرامة الانسان. كما أشار الأديب بدر الشبيب إلى التطور الحاصل في لدى فئة المتدينين بهذا الموضوع وهو أمر مهم وضروري، موضحا أن الفوضى الفكرية أضعفت الضوابط، وأن ضعف اهتمام المؤسسة الدينية بتحرير مفاهيم مهمة كالحرية هو جزء من المشكلة إضافة إلى غياب النموذج الاسلامي للتزاوج بين الحرية والدين، وأن الآيات القرانية قد تفسر بأكثر من معنى ويتم توجيهها باي معنى يريده المتحدث.
وتساءل الأستاذ صالح العمير عن وضع القنوات الفضائية الطائفية وهل يمكن اعتبارها امتدادا لانتشار الحرية والقبول بها. كما تساءل الأستاذ عبد الباري الدخيل عن دور الدين كمنظم للحريات وحول القول بأن الحرية تدعو للإنفلات. كما طرح الأستاذ عبد المجيد الاسماعيل سبل التخلص من الوصاية الدينية والسياسية التي تشكل عائقا أمام الحرية.
وطرح راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب تساؤلا عن مدى تأثير الحرية في معالجة المشكلة الطائفية والمذهبية في المنطقة، كما تساءل الإعلامي حسين السنونة حول مدى رغبة المجتمع السعودي في الحرية. وعلق سماحة الشيخ حسن الصفار بقوله أن هناك الكثير ممن يشعر بالحاجة للحرية ولكن عدم المطالبة بها لأسباب تمنعهم، وأن الفوضى الفكرية هي مرحلة طبيعية في تحول المجتمعات وينبغي ان لا ننزعج من تعارض بعض الاّراء، كما أن الفضائيات الطائفية لا تمارس طرح آراء بل تأتي ضمن سياق التحريض على الكراهية والبغضاء والإعتداء على حقوق الآخرين.
وأخيرا أشار الدكتور نور الدين كعواش على أن الجتمعات المتحضرة ما استطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه إلا من خلال القبول بالحرية وممارستها على أفضل وجه، مع كل ما فيها من اشكاليات إلا أنهم كانوا قادرين على معالجتها، مؤكدا أن نهضة الأمة وتقدمها لا بد أن تمر من خلال الإقرار بمبادئ الحرية.
المحاضرة الكاملة: