بمناسبة اليوم الوطني للمملكة وبحضور جماهيري ونخبوي كبير، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف بالتعاون مع دارة الملك عبد العزيز أمسية ثقافية تحت عنوان “خالد الفرج: الشاعر والوطن”، وذلك في قصر الغانم للمناسبات بمدينة القطيف مساء يوم الثلاثاء 28 ذو القعدة 1435هـ الموافق 23 سبتمبر 2014م وحاضر فيها كل من الدكتور عبد الرحمن الشبيلي والأديب عدنان العوامي.
أدار الامسية الثقافية الأستاذ خالد النزر مرحبا بالحضور القادمين من مختلف مناطق المملكة، بمن فيهم أعضاء من مجلس الشورى ومن هيئة التدريس بجامعة الملك سعود ومركز حمد الجاسر الثقافي، حيث أشار إلى أهمية الدور الذي لعبه المحتفى به الشاعر خالد الفرج في مجال الأدب والشعر المتعدد الأغراض، ومؤكدا على كونه نموذجا للإندماج الوطني. وعرف مدير الندوة الضيوف، فالدكتور عبدالرحمن بن صالح الشبيلي حاصل على درجة الدكتوراة في الإعلام من جامعة اوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية وهو من مؤسسي إذاعة وتلفزيون الرياض، كما عمل في عدة مناصب في الدولة، وعين عضوا في مجلس الشورى. أما الأديب عدنان السيد محمد العوامي، فهو مدير تحرير “مجلة الواحة” كاتب وشاعر، لديه الكثير من المشاركات الشعرية في داخل المنطقة وخارجها، كما له العديد من المؤلفات من ضمنها (شاطئ اليباب) و(أبو البحر الخطي: حياته وشعره).
في بداية الأمسية ألقى الشاعر والإعلامي محمد مهدي الحمادي ثلاث مقاطع من قصائد وطنية، عبر فيها عن عمق المشاعر تجاه الوطن رابطا بسمفونية جميلة التمازج بين الثقافات والمناطق المختلفة في المملكة، ونالت قصيدته استحسان الحضور الذي قابلها بالتصفيق الحاد. ورحب راعي منتدى الثلاثاء الثقافي في كلمته الإفتتاحية بالحضور، وشكر دارة الملك عبد العزيز لمشاركتها في تنظيم هذه الإحتفالية الوطنية ودعم وتأييد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود الذي يرأس مجلس إدارة الدارة، واستعرض أهداف منتدى الثلاثاء الثقافي وهي تعزيز التواصل بين النخب الثقافية في مناطق المملكة، وطرح قضايا فكرية واجتماعية متعددة في حوارات شفافة، والمساهمة في التعريف بالعديد من المؤسسات والأنشطة المحلية، إضافة إلى دعم تجربة الحوار المشترك وإثرائها.
وتحدث الدكتور عبد الرحمن الشبيلي في ورقته التي حملت عنوان “خالد الفرج رائد الملاحم الوطنية في سيرة الملك عبد العزيز” عن مسيرة الفرج الشعرية والتي من أبرزها ملاحمه الثلاث التي نظمها في سيرة الملك عبد العزيز وتوحيد المملكة. وقد أشار إلى أنه على الرغم من تنقل خالد الفرج المكاني عبر كل دول الخليج تقريبا، إلا أن إقامته في المنطقة الشرقية كانت الأكثر خصوبة من ناحية الفكر والإبداع، فقد تنافست الساحتين الثقافيتين السعودية والكويتية بالإحتفاء بسيرته وتراثه عبر العديد من المؤلفات والدراسات النقدية والمقالات التي تليق بمكانته.
وأضاف الشبيلي بأن تراث خالد الفرج الفكري تضمن مجموعة من الكتب المطبوعة والمقالات التي نشرها في حياته، وبعض المخطوطات التي لم يتمكن من استكمالها أو طباعتها قبل وفاته، مشيرا إلى أن العلامة حمد الجاسر كان من أقدم من تناول سيرة ومؤلفات وشعر الفرج بالتفصيل، اذ رثاه بمقال مطول في مجلة اليمامة مستعرضا فيه أبرز محطات حياته وإنتاجه الفكري. ومن جهة اخرى ذكر الدكتور الشبيلي بأن الباحث الكويتي خالد سعود الزيد كان من أوفى من استقصى تراث الفرج وخدم سيرته، حيث ألف عنه كتابا بعنوان “خالد الفرج: كتابه وشعره” الذي صدر في طبعتين الاول سنة 1389هـ والثاني سنة 1400هـ، كما أنه عمل على تحقيق دواوينه وحفظ معظم تراثه الشعري.
ثم انتقل الشبيلي للتحدث عن مسيرة الفرج بالإذاعة والتلفزيون مشيرا إلى دوره وعلاقته بهما، حيث عمل في الإذاعة السعودية بجدة عام 1370هـ، مؤكدا أنه ليس هناك ما يثبت أن الفرج قد عمل بالإشراف عليهما كما ذكروا، وربما قد يكون أسهم في إعداد بعض البرامج وتقديمها فقط. وذكر الشبيلي أن خالد الفرج عاش بدايات المخاض السياسي في الوطن العربي وتفاعل مع التحولات السياسية التي مرت بتلك الحقبة، كالاحتلال البريطاني للخليج وقيام الشيوعية واغتصاب فلسطين وغيرها، وقد غلب على شعره نبرة التندر أحيانا تجاه بعض التيارات، لكنه لم ينتهج في تفكيره منهجا متطرفا. وختم الشيبيلي حديثة قائلا بأن الفرج لم يكن مجرد شاعر ومؤرخ، بل كان مفكرا، يحمل رؤية ويحشد طاقاته لتحقيقها، مؤمنا أن قوة الأمة العربية تكمن في وحدتها وأن العلم والفهم المستنير هما السبيل للخروج من أسر التخلف والضعف.
أما الأديب عدنان السيد محمد العوامي فقد تحدث في ورقته التي جاءت بعنوان “الاندماج الوطني: خالد الفرج نموذجا” عن الجدل بين الأدباء والمثقفين بشأن نسبة الأديب أو الشاعر الى البلد الذي ينبغي أن ينسب إليه، مؤكدا أن هذا التحيز الشوفيني المقيت لم يكن موجودا في زمن الأجداد حيث اتبعوا منهجا يرضي البلدان ذات الصلة بنسبة الأديب إليها جميعها.
وتحدث أيضا عن الحركة الثقافية في المنطقة الشرقية قبل ظهور النفط، مشيرا إلى أن الظروف في تلك الفترة لم تكن مهيأة لنشوء حركة ثقافية أو صحفية، وان كان هناك بعض الأدباء والشعراء المتابعون للحركة الثقافية ممن تصلهم الصحف والكتب من الخارج، مضيفا بأن البعض كانوا يضطرون للسفر للهند أو العراق من أجل طباعة مؤلفاتهم.
تناول العوامي تعلق الفرج وشدة ارتباطه بالقطيف، حيث انه أمضى معظم حياته فيها على الرغم من كل الظروف الإقتصادية التي مرت بها القطيف في تلك الفترة، مما يؤكد إيثاره للبيئة الثقافية على الإقتصادية، وقد ظهر ذلك جليا في شعره وتفاعله مع الحياة الإجتماعية والأدبية فيها بالإضافة إلى الكثير من الشواهد التي تدل على اندماج الفرج مع الحياة الأدبية في القطيف. وتطرق الأديب العوامي بعد ذلك إلى أبرز ملامح اندماج الفرج في المجتمع القطيفي من خلال مطارحاته الشعرية التي جرت بينه وبين بعض من شعراء القطيف، كقصيدته (الشعر) التي كان لها وقع طيب لدى المثقفين والأدباء في القطيف وبالأخص الشيخ فرج بن حسن العمران. وقد ألقي العوامي الكثير من القصائد التي تدل على اندماج الفرج في البيئة الأدبية والإجتماعية في القطيف وانسجامه وتفاعله معها.
في بداية المداخلات، ألقى الشيخ محمد عبد الله الفرج كلمة أسرة المحتفى به حيث قدم شكره لمنتدى الثلاثاء الثقافي ودارة الملك عبد العزيز لتنظيمهما هذه الأمسية، ذاكرا بعض مشاهداته الشخصية وذكرياته مع المحتفى به، ومؤكدا على أن حيانه التي قضاها في القطيف أثرت في توثيق علاقاته مع رجالاتها وأدبائها حيث شكرهم على إبقاء ذكره قائما.
تحدث الشاعر محمد رضي الشماسي عن نمط المدرسة الشعرية التي اتبعها الفرج متسائلا عن تنوع أساليبه في تناول القصائد وكونه سار على أنماط تقليدية فيها، وتساءل الدكتور أحمد الهدلق عن أسباب تطور التوجهات القومية والوطنية في شعر خالد الفرج.
وأشار الأستاذ زكي ابو السعود إلى تأثير تعدد السفر ومعيشة المجتمعات المختلفة على سعة فكر الفرج وانعكاسها على توجهاته، وأشارت الأستاذة عالية فريد إلى أهمية تكرار مثل هذه اللقاءات الوطنية للحديث عن رموز وطنية بارزة وتعريفها للجيل الشاب. وأثنى عضو مجلس الشورى محمد رضا نصر الله على تنظيم هذه الأمسية في القطيف حيث أقام الشاعر المحتفى به أطول فترة من حياته.
وفي نهاية القاء قدم الدكتور جميل الجشي العضو السابق في مجلس الشورى وجعفر الشايب راعي المنتدى الدروع التذكارية للمحاضرين ولدارة الملك عبد العزيز، وانتهى اللقاء بحوارات جانبية متعددة بين الحضور.
المحاضرة الكاملة: