منتدى الثلاثاء يناقش مراجعة التراث

4٬104

ضمن إهتمامه بطرح رؤى وآراء فكرية ونقدية متنوعة وضمن موسمه الثقفي الرابع عشر ، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوته الأسبوعية تحت عنوان “مراجعة التراث بين التقليد والتجديد” ، وذلك مساء الثلاثاء 22 جمادى الآخر 1435هـ الموافق 22 أبريل 2014 م ، بمشاركة كل من الباحثين خالد النزر وعلي الحمد .

وضمن برنامج المنتدى في استضافة مؤسسات إجتماعية والتعريف بها ، عرف الطالب علي بزرون بمشروع “ديرتك تستاهل” الذي يهدف إلى دعم الأنشطة والمبادرات الشبابية وتحفيزها . كما شارك الخطاط حيدر العلوي بإقامة معرض حول الخط العربي في أروقة المنتدى .

أدار الندوة الأستاذ محمد التاروتي ، الذي عرف بالمحاضرين؛ فالأستاذ خالد النزر يعد من الكتاب والباحثين المهتمين بتاريخ الأحساء والمنطقة الشرقية بشكل عام ، وهو من مواليد الخبر ، كما انتسب للدراسة في قسم التاريخ بجامعة بيروت ثم تحول عنها لإكمال دراسته بالتعليم عن بعد في قسم التاريخ ، ويدرس حالياً عن بعد في قسم الإدارة الصحية والمستشفيات بجامعة الملك عبدالعزيز ، وشارك في تأسيس مجلة الساحل الفصلية وعمل فيها سكرتيراً للتحرير ، له إصدار ومجموعة من الدراسات والبحوث والمواضيع المنشورة في الصحف المحلية والخارجية ومواقع الانترنت . أما الدكتور علي محمد الحمد فهو من مواليد مدينة الدمام ، وحاصل على شهادة البكالوريوس في طب وجراحة الفم والأسنان وحاصل على البورد الأمريكي في طب الأسنان المتقدم ، كما أنه باحث في فلسفة العلوم حيث نُشر له بحثان بعنوان أزمة العلوم الشرعية في مقابل المنهجية العلمية الحديثة حول موضوع التواتر والخمس والمرجعية والتقليد.

تحدث الأستاذ خالد النزر بداية بتعريف كلمة التراث واصفا إياها بأنها “مفردة متعددة المعاني وتعني مجموعة من التجارب الإنسانية المتراكمة التي مر بها مجتمع ما خلال فترات زمنية ، وتشمل القيم الفكرية كالدين والأخلاق والعادات والتقاليد والأمور المادية والملموسة”. وأضاف بأن الدعوة للتجديد في قراءة التراث ليست بالجديدة ، فقد إستشعرها العديد من علماء المسلمين وعملوا على طرحها بعدما شعروا بأنهم يتوجهون إلى مؤخرة الركب الحضاري العالمي . وأصبح التجديد والمراجعة في الوقت الحاضر مطلبا ملحا ينادي به العديد من المفكرين موضحا أن الدافع الأكبر لذلك هو العمل على إعادة التموضع الحضاري للأمة .

واستعرض الباحث النزر نصوصا في هذا المجال لكاتبين معاصرين هما الشيخ حيدرحب الله والكاتب عبدالرحمن شهبي ، حيث يقول حب الله “إن تطور العلوم الخارج-دينية يفرض تلقائيا تجديدا في الفكر الديني ، وأنه من الطبيعي أن نقرأ الإسلام وفقا لآخر إنجازات المجال المعرفي كما فعل ابن سينا والفارابي والكندي وابن رشد الذين رأوا الاسلام وفقا لمقتضيات عصرهم بعقل يوناني”. ويؤكد حب الله – كما ينقل النزر – على حق المسلمين في ممارسة النقد كخيار أولي يليه مطالعة النص كخيار ثان لتتحقق بذلك مصالحة مع العلم الطبيعي والإنساني ، تحكمه موقعية الضعف والقوة . ويؤكد أن التجديد هو محاولة جادة لإضفاء عناصر لم تكن موجودة من قبل . أما الكاتب عبدالرحيم شهبي – كما يشير النزر – فقد حاول تفكيك واقع الركود وما أدى إليه من حالة الغلو والتطرف التي يعيشها العالم الاسلامي اليوم قائلا “بأن ذلك يتجلى في الفهم المبتسر للولاء والبراء والتكفير والتبديع ، كما يتجلى ذلك حسب تعبير شهبي في تعطيل فقه الواقع وتعطيل مشروعية المعقولات” ، وناقلا لمقولة الإمام الغزالي “العقائد في يد الغلاة كالسيوف في يد المجانين” .

ويستطرد الأستاذ خالد النزر للحديث حول عوامل التخلف والتراجع في الأمة الذاتية والخارجية ، مؤكدا بأن العامل الديني من حيث أصالة النص المقدس وفهمه يلعب دورا محوريا في هذا المجال، حيث أن المسلمين يكفرون بعضهم بعضا ويقتلون بعضهم بعضا استناداً إلى نصوص دينية قد لاتكون أصيلة أو ترافقها قصور في الفهم. وبين النزر أن المجتمعات الإسلامية تعيش الحداثة بظواهرها الخارجية فيما عجزت العقول عن مواكبة عمق هذه الحداثة . وبين النزر أن هناك انقسامات فئوية حول مراجعة التراث كوجود فئة تعارض التغيير بماهو تغيير في كل شيء وإتكاءا على ذلك فهذه الفئة لا ترى مطلقا أي داع للتجديد، فيما هنالك فئة أخرى لا تعارض عملية التجديد بحد ذاتها ولكنها قاصرة عن رؤية مبررات كافية لذلك معتبرة ضرر البحث في التجديد أكبر من نفعه وخوفا من إهتزاز ثقة الناس بموروثهم الديني ، أما الفئة الثالثة فيأخذها سوء الظن بنوايا الداعين إلى التجديد بإعتبارهم حاملي أفكار سربها المستشرقون وتبناها المضلون واللادينيين حسب تصنيفهم .

وأشار إلى وجود فئة وصفها بالإحيائيين الذين يقرون بأن تخلف المسلمين يعود إلى عدم التمسك بالدين وتعاليمه كما هي، وأن السبيل إلى نهضة المسلمين تأتي من خلال إحياء السنن والفرائض . واختتم النزر حديثه عن أحد معوقات التجديد وهو الجهل بالمنهج العلمي الذي يتجلى عند ملامسة النصوص الدينية المتشكلة على هيئة روايات وأحاديث وأخبار، مؤكدا على ضرورة أن تخضع هذه الروايات وتحقيقها لعلم التاريخ ومنهجية البحث العلمي التي تأخذ البعد الزمني بعين الاعتبار، منتهيا بذكر تجارب لمجموعة من العلماء والمفكرين الذين ساهموا في تجديد ومعالجة التراث .

أما الدكتور علي الحمد فانتقل بزاوية الحديث للتساؤل عن العقل البشري وإشكالية قصوره، معتبرا أنه آلة فريدة من نوعها وهو الوسيلة النهائية للحكم على مجمل القضايا مشيرا له بأنه – أي العقل- مرجع لنفسه بسبب خضوعه للبرهان حيث أن البرهان العقلي يقهر العقل للتصديق فلا يلام على ما ثبت له صدقه .

وذكر أنه يمكن للإنسان ان يتبع عقول الآخرين ، لكن هذا الاتباع بلا قيمة مادام لا يبنى على إثبات عقلي بصحة الإتباع وأفضليته على الوسائل الأخرى . وذكر أن تقليد الآباء والأجداد أو ما يسمى بالإيمان الوراثي ليس معيارا مقبولا للحكم بالصواب والخطأ ، حيث يطرح موقعية التقليد في الفقه بالنسبة للعقل . وذكر الدكتور الحمد أنه للإجابة على مثل هذه الأسئلة ينبغي الرجوع إلى مسألة تقييم العلم الذي يحتوي على ثلاث مصطلحات مهمة هي العلوم البحتة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات والأحياء وتفرعاتها ، والعلوم الإنسانية التي تشمل التاريخ وعلم النفس وعلم الاجتماع واللغة والأدب والفنون ، والثالثة العلوم الكاذبة او أشباه العلوم التي تعتمد الماورائيات كالأبراج وتفسير الأحلام حيث لا تسير على منهج علمي واضح .

وبين الحمد أنه في كل عصر يثق الناس بعلوم عصرهم بناءاً على ثلاث جوانب هي موضوع العلم ومنهجيه ونتائجه ، مستشهدا بالعديد من الأمثلة على كل جانب. وبين أن هناك اتجاهان لاستخراج نتائج العلوم الاول يشمل العلوم ذات المصادر الحاضرة والتي تتميز باستمرار الوجود الزمني لمصادرها ، أما الاتجاه الثاني فيشمل العلوم ذات المصادر التاريخية والتي تتسم بثبات محدود لمصادره التي تتآكل وتتناقص بمرور الزمن.

وأوضح بأن هناك منهجية علمية حديثة تقلل احتمال الخطأ ، وتحيد النوازع العاطفية ، كما أن العلم الحديث متجاوز للحدود والثقافات بمنهجيته ، فيما العلوم الغير منهجية مسببة للعزلة والخصومة بين البشر ، مشيرا إلى أن الكثير من العلوم الشرعية لا تزال تقوم على الطريقة التقليدية التي لا تستند على منهج البحث العلمي القائم على التجريب ، والذي قد يؤدي أحيانا إلى سحب المعتقد الديني على العلوم بحيث توجب الوصول إلى القناعة بنتائج هذه العلوم والأخذ بها . وذكر الحمد أن تبرير أخطاء الاجتهادات الظنية وعدم الحذر من النتائج وإلزام الناس بنتائجها ، يضع العلوم الشرعية الحالية ضمن المعلوم من الدين بالضرورة .

واختتم الحمد حديثه بإشارته إلى أن العلوم الشرعية نشأت في عصور كانت الغلبة فيها للعلوم النظرية ، ولم تكن هناك مطالبات للعلماء لإثبات اجتهاداتهم بالمنهج العلمي التجريبي ، أما في العصر الحالي فهناك كثير من الادعاءات النظرية تثبت فشلها الذريع ما أن تخضع للتجربة .

وبدأت المداخلات بمشاركة من الناشطة الحقوقية نسيمة السادة التي ذكرت أن تجديد التراث قضية لا خلاف عليها ولكن الخلاف في عدم وضوح المنهجية ، وتدخل غير المتخصصين في قراءة النص الديني وبعد الفقيه عن المجتمع . فيما أشار الأستاذ أحمد الخميس إلى أن التراث يمثل ذاكرة الأمة ، ويشكل أساسا في فكرها ولكنه تحول إلى أداة مهيمنة ، وعائقا أمام تقدمها ، وخطرا على وحدتها . وعبر الشاب مجتبى آل عمير عن اختلافه مع الدكتور علي الحمد في مفهوم المعذرية لاعتقاده بأن الفقيه مطلع على الواقع ، وأن اكتشاف أخطاء التراث من قبل الآخرين لا ينبغي أن يكون مدعاة للخوف والتوجس لأنه يكشف الواقع الحالي .

وقال الشاعر عدنان العوامي في مداخلته أن العقدة الأساسية تكمن في ذات الإنسان ومصالحه لأنه مجبول على حب التسلط ، وأن القرآن الكريم يدعو للتفكر في كل القضايا بينما خارجه يأتي التصنيف بين المسموح والممنوع ، وأن للتاريخ دور في تراكم القداسة ، فمن نستمد منهم ديننا كانوا يتناقشون بانفتاح وحرية أكبر ، ولم تكن هناك قداسة مطلقة كالتي نراها الآن . وأكد الأستاذ عبد الباري الدخيل على ضرورة العلمية في الطرح وخاصة في المفاهيم الفقهية كموضوع الاحتياط والثقة في الرواة ، وذكرت الأستاذة فوزية الهاني بأن الحراك التنويري ليس حديثا بل هو ممتد وأن المقدس أصبح مداه واسعا مشيرة إلى تضييق المباحات لتتحول عملية النقد محدودة جدا .

وطرح الأستاذ طارق النزر أن مناهج مراجعة التراث وطريقتها قد تكون مختلفة بناء على اختلاف البيئة والزمن ، وذكر الدكتور هاشم الصالح بأنه يتفق مع الحاجة إلى قراءة التراث وتنقيته لكونها ملحة ، متحدثا عن مسألة القداسة التي تتعارض مع العلم ، فكلما زاد الجهل زادت القداسة والعكس صحيح ، مؤكدا على ضرورة الأخذ بعلم التاريخ ومنهجيته ، فالموروث هو من يشكل الحاضر .

واختتم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الندوة بشكره للمشاركين فيها ، ومؤكدا على ضرورة استمرار نهج المنتدى في طرح نختلف الآراء والأفكار والرؤى بهدف الحوار الموضوعي وتنمية الفكر وتوعية المجتمع .

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد