احتفاءا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان ، وفي أمسية حوارية حقوقية شبابية ثرية لإستطلاع ومعرفة آراء الشباب ووجهات نظرهم حول قضايا حقوق الإنسان ، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي لقاءا مفتوحا تحت عنوان “الشباب وحقوق الإنسان” ، وذلك في 14 صفر 1435هـ الموافق 17 ديسمبر 2013م .
في بداية الأمسية ، تم عرض فلم حقوقي حول السلم الأهلي تناول الوضع المأساوي في سوريا وأهمية معالجة النزاعات بين مختلف الأطراف وحماية الضحايا المدنيين من خلال تعزيز مفاهيم السلم الأهلي المجتمعي . واستضاف المنتدى كعادته الأسبوعية لجنة تراحم التي تهدف إلى زرع وتعزيز قيم التراحم والتواصل في المجتمع ، والمساندة في حال حدوث الكوارث ، كما تهدف إلى توعية أبناء المجتمع وحثهم على العمل التطوعي ، والتواصل مع المؤسسات الاجتماعية والاهتمام بكبار السن ورعايتهم . وقد ألقى كل من الأستاذ علي الزريع والفنانة كريمة المسيري كلمات تحدثا فيها عن اللجنة وأنشطتها .
أدار الندوة الأستاذ حسن آل جميعان، مشيراً في تقديمه إلى نبل حركة الدفاع عن حقوق الإنسان التي تمتد إلى أعماق التاريخ الإنساني ، وأن هذه الحركة جاءت لتعيد للإنسان إنسانيته ، وتصون له كرامته وتحمي حقوقه . وتقدم راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بكلمة أكد فيها على أهمية المساهمة مع مختلف النشطاء والحقوقين والمدافعين عن حقوق الإنسان حول العالم في الإحتفال بالمناسبات الحقوقية ، وشدد على أن نظرة الشباب في المجتمع ورؤيتهم لحقوق الإنسان تعد مؤشرا مهما لفهم مدى تطور الوعي الحقوقي ومقدار تفاعل الشباب مع مفاهيم حقوق الإنسان الحديثة ، ودورهم في تعزيزها على الصعيد المحلي .
شارك في الندوة كل من الأستاذ سالم الأصيل كاتب ومهتم بحقوق الإنسان وله العديد من المقالات المنشورة على المواقع الالكترونية في الشأن الحقوقي، والأستاذ علي عبد الله الصفار مدون وخريج من جامعة بنسلفانيا في المحاسبة والإقتصاد، و الأستاذة إنعام آل عدنان مصورة فوتوغرافية ومهتمة بمجال حقوق الانسان، بالإضافة الى الأستاذة رجاء البوعلي وهي خريجة من جامعة الملك فيصل وعضو في مركز رفاه للدراسات والتنمية الأسرية ، والأستاذة صديقة المهدي وهي فنانة تشكيلية وكاتبة وعضو مؤسس لنادي غراس توستماسترز، والأستاذة زهراء الناصر، إحدى طالبات جامعة الأمير محمد بن فهد.
اللقاء الذي تعددت محاوره بدأ بطرح إستفهامات واسعة على الشباب تتعلق بمفاهيم حقوق الانسان لديهم ، ومن ثم إستقراء نظرتهم حول واقعها في مجتمعهم، بالإضافة إلى تحديد مسؤولياتهم تجاه حقوق الإنسان وتوقعاتهم لمستقبلها .
أشار الشاب علي الصفار في بداية الحوار إلى أن الربيع العربي كان له دور في تعزيز تناول وتداول العديد من مفاهيم حقوق الانسان ، وأن ذلك أفسح المجال بشكل أكبر للتعاطي مع القضايا الحقوقية و العمل على مواجهة التجاوزات والانتهاكات. ويرى الصفار ان التوجه نحو تحصيل الحقوق ينبغي أن يكون شاملا ، مبيناً أن المجتمع الآن أصبح مفتوحا على مختلف الاتجاهات ولا ينبغي تصويره على أنه جزء منفصل . وأوضح أنه خلال الفترة الماضية برزت نشاطات حقوقية مهمة ، لكن وجود الضغوط يحد من فاعلية دورها، خاصة في ظل غياب مشاركة فاعلة في صياغة القوانين المحلية ، كما شدد على أهمية استقطاب الشباب للانخراط في العمل الحقوقي ، وأن مسيرة المطالبة بحقوق الإنسان إن لم توضع ضمن إطار شامل ومتكامل فإنها لن تؤتي أكلها .
أما الشاب سالم الأصيل ، فقد ذكر أن الوضع الحالي الذي يعيشه المجتمع أفضى إلى المزيد من الصعوبات التي شملت قضايا حقوق الانسان ، مبررا ذلك بتزايد الضغوط خصوصا على الفئة الشابة التي تقع على عاتقها مسئولية التغيير في الكثير من المجالات . وأكد على ضرورة تأهيل الأفراد للمشاركة في تحمل مسئولياتهم تجاه قضايا حقوق الإنسان ، مضيفا أن التربية على حقوق الإنسان بمفهومها الشامل أولى من التدريب فقط . كما بين بأن هناك تحد كبير امام الشباب فيما يتعلق بتجسيد وترجمة مبادئ حقوق الإنسان ، حيث أن الكثير منهم ينساق مع التحولات القائمة دون وعي ، ودون ترجمة هذا المفاهيم بصورة يكون لها تأثير حقيقي ينعكس على الواقع .
وفيما يتعلق بالوضع المجتمعي المحلي ، تحدث الأصيل عن أفكار مستمدة من سيكولوجية الانسان المقهور الذي يبرر إنصياعه للواقع الإستبدادي بتشدده وتبعيته للأعراف الإجتماعية والأنماط السياسية والممارسات الدينية الصارمة . وأشار إلى اهمية دراسة التجربة المدنية في العالم الغربي لأخذ الفائدة منها وللخروج بحقوق الإنسان من حالتها المدجنة وللدفع بتعزيز مؤسسات المجتمع المدني و تأسيسها لتشكيل جماعات متخصصة في مختلف المجالات . وأوضح أن البيئة القانونية لا يتوفر بها ما يسمح بتشكيل مؤسسات مجتمع مدني ، وأن القانون قد يستخدم كوسيلة لانتهاك حقوق الانسان ، مستشهدا بالأحكام الطويلة التي تصدر بحق النشطاء الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان .
في جانب آخر، تحدثت الأستاذة إنعام آل عدنان عن الحقوق وإرتباطاتها بالثقافة العامة ، حيث أكدت على أن حقوق الإنسان ليست دخيلة على المجتمعات الإسلامية ، لكن حالة العبودية في المجتمع وإطاعة كل من له سلطة في الأسرة والمجتمع أسس لهرمية الاستبداد كما يعرفها ابن خلدون وأسهم في تغييب هذه المبادئ والمفاهيم . وأكدت على ضرورة الإهتمام بالتربية على حقوق الانسان وحث الشباب على المطالعة والتقصي في مفاهيمها ، رغم صعوبة ذلك في الظروف الراهنة حيث لا تدرس الحقوق ضمن مناهج التعليم ، و لا ينشأ عليها الأجيال ، وتصعب اقامة ورش عمل حقوقية عامة .
كما أشارت في نهاية حديثها الى الدور الذي يلعبه الوعي بمبادئ ومفاهيم حقوق الانسان في تقليص النزعات الإنتقامية والحالة العدوانية التي تنتشر بين الشباب .وذكرت الأستاذة رجاء البوعلي أن مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان هي المعايير الأساسية التي تضمن للإنسان العيش بكرامة ، مبينةً أن هناك فارق في النظرة لحقوق الإنسان بين الفرد والمجتمع والدولة ، كلٌ من زاويته ، وذلك ينعكس بطريقة أو بأخرى على الجوانب التطبيقية . وأوضحت بأن هناك وسائل عديدة يمكن استثمارها في التطبيق اليومي كالتربية على المساواة والعدالة واحترام المختلف ، وأردفت بأنه لا ينبغي التركيز على الحقوق التي لا يمكن الحصول عليها في وقتنا الحاضر ، بل العمل على ايجاد السبل الملائمة والممكنة لتعزيز المبادئ والمفاهيم الحقوقية وضرورة العودة لما ورد في التعليمات الاسلامية حول هذا المجال. ورغم تعبيرها عن أسفها الشديد لواقع حقوق الانسان في المجتمع المحلي ، أكدت البوعلي على أن المستقبل يدعو للتفاؤل رغم كل الإرهاصات التي تواجه النشطاء والعاملين في هذا المجال .
وفي مطلع حديثها ، أشارت الأستاذة صديقة المهدي بأن مفاهيم ومبادئ حقوق الانسان بصبغتها الحالية وطابعها الحديث لم تتجاوز حتى الان البعد النظري العام ، اذ لا زالت تفتقر إلى آليات حقيقية يمكن تطبيقها على الواقع ، معبرة عن ضبابية الرؤية التي تكتنف هذا المجال. وأكدت على أن مثل هذه المفاهيم والمبادئ بحاجة الى تأصيل لإيجاد امتدادات ثقافية واجتماعية يُمكن من تكريسها وممارستها على نطاقات حياتية أوسع لا تقتصر على النخب او النشطاء الحقوقيين . وأشارت إلى ان الانتهاكات تكون على مختلف المستويات دون وعي والتفات وذلك لحدوثها ضمن السياق الطبيعي الذي تفرضه البيئة الاجتماعية والثقافية التي لا تثمن قيمة الفرد كإنسان . وشددت على أهمية وجود مركز للدراسات يساهم في تشخيص الحالة الحقوقية في المجتمع لصياغة مبادرات ملائمة ، وانه لا يمكن النظر للمسئولية الملقاة على عاتق الشباب دون الأخذ بعين الإعتبار حاجته لمؤسسات حاضنة تدعم وتتبنى المبادرات وتقيم ورش عمل عامة .
واشارت في ختام حديثها الى ان العلاقة بين الإستقرار والمطالبة بالحقوق موضوع شائك لكن بينهما علاقة طردية ، فتحصيل الفرد لحقوقه ينعكس على شعوره بالأمن النفسي الذي ينعكس على الأسرة والمجتمع . واعتبرت الشابة الجامعية زهراء الناصر أن مفاهيم حقوق الانسان لاتزال غامضة في المجتمع وذلك لأنه لا يمتلك تجارب سياسية وديمقراطية ، ولا يمكن أن تتبلور مفاهيم حقوق الانسان في ظل إنعدام الحريات العامة . كما بينت بأن أحد الأسباب في ذلك هو الممانعة الثقافية بسبب غلبة المفاهيم الدينية المتشددة وهو مغاير لما هو قائم في المجتمعات الإسلامية الأخرى . وأكدت الناصر على أهمية تأهيل الشباب لمواجهة مفهوم الطاعة المطلقة التي تبدأ من البيت والمدرسة والواقع الإجتماعي مما يولد ازدواجية في التعاطي دون فهم حقوقي واضح ، فالشاب يستطيع أن يثبت قدرته على التغيير فيما لو توفر له المناخ المناسب لإثبات وجوده . كما طالبت بوجود منظمات أهلية مستقلة وحرة تتمكن من التعبير الحقيقي عن قضايا حقوق الإنسان ، وكذلك على ضرورة إدماج الشباب في المجتمع بصورة تفاعلية عبر آليات ووسائل متجددة .
بدأت مداخلات الحضور بتأكيد الدكتور عبد العزيز الحميدي على ضرورة كسر حاجز الخوف الذي تورثه التربية الأسرية في أبنائها واتباع اسلوب مناسب لتقديم المطالب من خلال تكاملية التربية والتعليم لان ذلك يساهم في انشاء جيل قادر على المشاركة المجتمعية . وطالبت روان الحماد بضرورة بلورة رؤية مستقبلية لبرامج حقوق الانسان في ظل الأوضاع الحالية التي تمر بها المنطقة ، كما أكد الأستاذ صالح العمير على فكرة أن تبدأ المطالبة بالحريات من الذات كالقبول بالتعددية قبل المطالبة بالحقوق من الاخرين .
وتناول الأستاذ علي الزريع عرضا للتغيرات التي حصلت في المجتمع طوال السنوات الماضية حيث أصبحت الحالة الحقوقية أفضل من ذي قبل على مختلف الأصعدة ، أما الدكتور حسين الناصر فتساءل عن فحوى الإنتقال في الخطاب الحقوقي من المطالب المذهبية إلى المفاهيم الكونية وتفسيراتها . وطرح الناشط الحقوقي وليد سليس تساؤلا حول تبرير التعاطي الحقوقي الفاعل بسبب كونه يتعارض مع الأمن والإستقرار وأن التغيير والتحول ينبغي أن يكون مرحليا ومتدرجا ، مطالبا ضيوف الندوة من الشباب في التفكير في مثل هذه التبريرات والإجابة عليها .
وعلق الكاتب حسين العلق بأن هناك اعتراف رسمي بضرورة وجود عمل حقوقي وهو أمر لم يكن موجود سابقا ، كما أن الحديث المفتوح حول حقوق الانسان يعتبر مؤشرا مهما لتحول إجتماعي رغم مختلف المصاعب وهو ما يدفع للتفاؤل . وشكر عضو اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ زكي البحارنة الحضور والمشاركين وأشاد باقامة المنتدى لهذه الندوة ، متطرقا لرحيل الحقوقي العالمي نلسون مانديلا مؤكدا على أهمية المسئولية الفردية في مجال حقوق الانسان حيث أنه من الضروري أن يجمع بين النظرية والتطبيق .
كما أقامت الفنانة التشكيلية غادة العلوي معرضها الفني في المنتدى هذا الأسبوع حيث تحدثت عن تجربتها الفنية والمراحل التي مرت بها طوال عملها في هذا المجال ، وهي عضو في جماعة الفن التشكيلي وأسست عدة مراسم فنية وحاصلة على عدة جوائز وشهادات تقدير .