ألقى أستاذ الأدب العربي بجامعة الملك سعود الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء يوم الثلاثاء 29 محرم 1427هـ الموافق 28 فبراير 2006م بعنوان “الموقف من إنجاب البنات في التراث” استعرض فيها موقف المجتمعات من إنجاب البنات في العصور المختلفة مرورا على العصر الجاهلي إلى العصر الحديث. وأدار الندوة الكاتب والاعلامي الأستاذ عبد الباري الدخيل الذي عرف المحاضر بأنه من الافراد القلائل الذين جاهدوا كي يحصلوا على ارقى الدرجات العلمية بجهودهم الذاتية وفي ظل ظروف صعبة للغاية منذ ان كان موظفا بسيطا في الحرس الوطني الى ان بلغ درجة الاستاذية في اللغة العربية متخرجا من جامعات بريطانيا، وشارك في مؤتمرات علمية عديدة وله عديد من المؤلفات منها: الفصحى ونظرية الفكر العامي، والوأد عند العرب بين الوهم والحقيقة.
عرض المحاضر في البداية الموقف من إنجاب البنات في المجتمعات البشرية المختلفة مؤكدا على ان ناموس الحياة وطبيعتها يجعل الابن مفضلا عند الناس على الأنثى، مستشهدا على ذلك من الآيات القرآنية التي تشير الى البشارة بقدوم الابن بينما ذكرت حالة الأسى مصاحبة بقدوم المولود الانثى. وأشار المحاضر الى ما زخرت به حضارات الامم القديمة ومغالاتهم في تقدر الذكور حيث يعدونهم ثروة اقتصادية لآبائهم وعدة حربية لملوكهم. واستعرض الدكتور بن تنباك النصوص التي وردت على لسان رسول الله (ص) للأجر العظيم في تربية الإناث والإحسان إليهن، منبهاً إلى أن واقع الأنثى في التراث هو واقع المغلوب امتدادا للحالة السائدة في تاريخ المجتمعات الانسانية، وحتى في تقريرات الشريعة – كما هو الحال في الارث والعقيقة والدية – جاءت متطابقة مع هذه الميول الانسانية.
وأوضح المحاضر بعد ذلك مكانة المرأة العربية في الجاهلية وانها نالت حظا اوفر من التقدير والمكانة كما هو مسجل في الشعر والنثر، حيث برز عدد من النساء في مجالات كثيرة من شئون الحياة العامة، مشددا على ان الذي ميز العرب عن غيرهم من الامم في هذا المجال الرحمة البادية في شعورهم التي عبرت عنها اشعارهم التي حددت ضعف المرأة وحاجتها الى الرعاية والرحمة والرفق وعبروا عن عواطف انسانية عالية تجاهها. وقد استمر هذاالحال في الادب العربي الى المرحلة الحاضرة حيث توجد التعبيرات الكثيرة عن الخوف على البنت من الفقر والضياع والتشرد، مؤكدا أنه على الرغم مما وصلت إليه المرأة في العصر الحديث من مراتب عالية، فإن المجتمعات لازالت تفضل الذكر على الأنثى في ممارساتها الحياتية مع وجود قوانين ودساتير واتفاقيات تمنع التمييز.
وانتقل المحاضر بعد ذلك للحديث عن التفريق بين هذا الموقف من انجاب البنات وبين اسطورة الوأد التي وردت في التراث العربي دون أي تحقيق علمي يذكر، مؤكدا على أنه – أي وأد البنات – وهم أدخلته الثقافة الاجتماعية في التراث الديني. واعتبر ان ذلك من نتج عن فهم محدود لدى بعض الوعاظ والمفسرين ولاتوجد حوله أية روايات موثقة، مؤكدا على أن آيات القرآن الكريم ونصوصه تدل في مجملها على احتمال القتل للاولاد وتنهى عنه قبل حدوثه وتحذر من تسول له نفسه فعل شيئ من ذلك، ولكنها لا تثبت أن العرب تئد البنات من الذرية، مستعرضا مختلف التفاسير التي وقفت على آيات قتل الولد التي ذهبت الى تحديد لفظ “الاولاد” بالبنت بينما هي اشمل من ذلك وأعم. كما ناقش المحاضر أيضا الحديث الوحيد الوارد في هذا المجال والمنسوب الى وراد ذاكرا التناقضات في الرواية حيث تكرر نص الحديث عند المحدثين جميعا تسعا وعشرين مرة ذكر الوأد في احدى عشرة مرة فقط منها.
وأكد الدكتور بن تنباك في نهاية محاضرته الى جهده العلمي والتحقيقي حول هذا الموضوع مؤكدا على مفهوم “النفس” في القرآن الكريم التي وردت في آية الوأد وليس جنس المولود حيث أنها وردت في سورة التكوير التي هي من اوائل السور المكية عندما كانت السور والآيات تتحدث عن الاخطاء الظاهرة والممقوتة في المجتمع المكي خاصة والعربي عامة، معللا أن “الموؤدة” التي وصف القرآن الكريم جزاء قاتلها هي النفس، والطريقة التي وصف بها كيف يتم قتلها والتخلص منها هي الدفن لها حية، كل ذلك يتم لمن يولد من علاقة غير شرعية، وهي الطريقة المعروفة في المجتمعات القديمة.
اتجهت الأمسية بعد ذلك إلى الحوار حول هذا الموضوع ومناقشة الافكار التي أثارها المحاضر، والمتعلقة بأصل موضوع الوأد في الجاهلية وطريقة البحث والتحقيق التي اتبعها المحاضر، وتحدث الشيخ حسن الصفار في مداخلته حول جرأة المحاضر في طرحه لأفكاره التي توصل اليها مع انها قد تكون مخالفة لما هو سائد في المجتمع وخاصة وان جهوده البحثية تعزز ما توصل اليه من نتائج، منبهاً إلى أن مسألة الوأد ليست مسألة دينية غير قابلة للتأويل، وإن مثل هذه القضايا تعالج معالجة تاريخية.
المحاضرة الكاملة: