استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف مساء الثلاثاء 5/جمادى الآخر/1428هـ الموافق 19/يونيو/2007م مجموعة من المبتعثين للدراسة السابقين والحاليين لمناقشة هموم الطلبة المبتعثين. وقد أدار الندوة الأستاذ محمد الخباز الذي تحدث في بدايتها عن الغربة وتأثيرها على المغترب مشيرا الى أهداف الندوة في طرح هذا الموضوع المهم والحساس ومباحثة هموم المغتربين وتطلعاتهم متيحا المجال للضيوف للحديث عن تجاربهم في هذا المجال.
وقد بدأ الأستاذ علي الداوود وهو مبتعث سابق في أمريكا، ويعمل مسئولا حاليا في مستشفى الحرس الوطني بالمنطقة الشرقية وسبق وأن شارك في أنشطة وجمعيات عديدة خلال فترة ابتعاثه، فبدأ حديثه عن الغربة ومجالات الاستفادة منها في صقل تجربة الإنسان الحياتية لا سيما إن كانت طلبا للعلم. وتحدث عن تجربته الشخصية بتسليط الضوء على الفرق بين وضعه قبل وبعد الابتعاث، مشيرا لروتين حياته الذي يكاد يكون الطابع العام لحياة الكثيرين من شباب المجتمع الذين يعيشون متكلين على غيرهم وليس لهم دور رئيسي، حتى أتيحت له فرصة السفر للولايات المتحدة وكانت المنعطف الذي وجه دفة تفكيره لزاوية ما كانت لتتأتى له لو لم يغترب، مشيرا إلى أن الاغتراب أثر في شخصه فأصبح أكثر اعتمادا على نفسه وأكثر استقلالية في أفكاره وقادرا على الحوار مع مختلف العقليات.
وأشار الداوود إلى أهم مرحلة يجب على المبتعثين تجاوزها وإلا واجهوا مشكلة قد تنحرف بهم بعيدا عن أهدافهم التي رسموها وهي مشكلة الصدمة الثقافية المتمثلة في اختلاف جميع معطيات الحياة الجديدة التي يحيوها من حيث التقدم التكنولوجي والعلمي والتنوع الثقافي والانفتاح الاعلامي والاجتماعي في الوقت الذي يعيش فيه ابناء الوطن العربي حالة انغلاق في وجه التحولات الحضارية في العالم، الأمر الذي يحدو ببعض الطلبة لتجاهل ثقافتهم أو إنكارها، لينصح الطلبة بالانضمام لنوادي الطلبة الثقافية التي تشرف عليها السفارة السعودية هناك كونها المكان الأنسب لتعزيز العلاقات الاجتماعية بما يقوي دورهم وفاعليتهم. وفيما يخص العنصر النسائي تكلم الداوود عن مناسبة المناخ في الخارج للطالبة والمبتعثة السعودية لتفجير طاقاتها بما يتناسب ووضعها دون أن يؤثر على التزامها الديني.
بعد ذلك تكلم المبتعث قاسم المختار، عن تجربته التي وصفها بالثمينة أدت به لترأس النادي السعودي في مدينة إمبوريا في ولاية كانسس بالولايات المتحدة، وقد تعرض للظروف التي عاشها قبل ابتعاثه حيث ترعرع في بيئة تتبنى العمل الاجتماعي، ما انعكس على شخصيته فانخرط في الكثير من الأنشطة التطوعية في مدينة سيهات حتى كانت مرحلة ابتعاثه، والتي انشغل بجزء بسيط فيها من وقته للتحصيل الدراسي مخلفا فراغا كبيرا جدد لديه الرغبة في العمل الاجتماعي، فتباحثها مع زملائه الطلبة بهدف استثمار وقت الفراغ فكانت فكرة تأسيس نادي للطلبة عن طريق السفارة السعودية للم شمل الطلبة وتنمية مواهبهم والارتقاء بأصحابها في جو ثقافي مقنن، وكان من نتائج النادي التي حققها الانفتاح على المجتمع الأمريكي، وعكس صورة طيبة عن المجتمع السعودية له بعد أن كانت مؤطرة بفكرة الإرهاب؛ ثم ختم حديثه بدعوة الطلبة السعوديين بالانخراط في الأندية السعودية مشيدا باحتواء معالي السفير عادل الجبير لها ودعمه لأنشطتها.
أما طالب الدراسات العليا محمد آل سيف فقد أكد على أهمية تجاوز آثار الانفتاح الاجتماعي مشيرا إلى أنه واقع لا ينكر، بيد أن نسبته تتفاوت بين الأشخاص على كل على حسب ثقافته ووعيه، مؤكدا على الشباب المبتعث أهمية التمسك بمبادئ الدين كونهم يمثلونه في مجتمع تتحسس أغلبيته منه لتصحيح التصورات الخاطئة التي يعتنقها ولخلق تصورات أخرى لا تمت له بصلة، مشيرا إلى أن الإعداد للسفر لا يقتصر على حزم الحقائب بمنأى عن حزم الفكر والروح بالثقافة والدين.
الحضور من جانبه تطارح إشكاليات الابتعاث مع الضيوف من خلال تجاربهم مثيرين قضية توفر طرق الانحراف للشاب الذي لا يزال يعيش مرحلة المراهقة كسهولة الحصول على المسكر وإقامة العلاقات الجنسية في ظل غياب الرقابة الأسرية والاجتماعية مؤكدين على أهمية تحصين الشباب بالثقافة المناسبة قبل ابتعاثهم كيلا يكونوا فريسة سائغة يسهل عليها السقوط في مغبات الرذيلة.
من جانبه أشار الأستاذ جعفر الشايب إلى أهمية التفكير بطريقة مختلفة لا تقتصر على تحصين الشباب من واقع جديد متخيل، مشيرا إلى أن الأوضاع في مجتمعاتنا لم تعد منغلقة وأن مشاكل شريحة الشباب لا تقل عما هي عليه الحال في الخارج، مؤكدا أن الواجب على المجتمع هو تحميلهم مسئولية الاستفادة من الواقع الجديد الذي سيعيشونه بكل مناحيه وجهاته. وأكد على أهمية تجاوز حالة الانغلاق الاجتماعي والانفتاح على مختلف أطياف المبتعثين من أبناء الوطن وتوثيق العلاقات معهم، وكذلك السعي إلى منافسة الطلبة الآخرين في المجالات العلمية المختلفة.
وتحدث الأستاذ جمال شعبان الذي عاش فترة طويلة في أمريكا عن تجربته الشخصية مع زواجه من فتاة أمريكية لمدة أربعة عشر عاما انتهت بالانفصال بسبب اختلاف الثقافة، مشيرا لإحصائيات قامت بها بعض الجهات المختصة والتي تشير لفشل أغلب زيجات المبتعثين من أجنبيات مع ذكر النتائج المترتبة عليها، مؤكدا على الشباب التركيز على الهدف الأساسي لوجودهم في الخارج والعمل على تحقيقه متحملين ما يواجههم من ظروف تعيق وتحقيق هذا الهدف في ظل الوعي الكامل بقوانين وأنظمة البلد التي يدرس فيها لتحاشي الوقوع في مشاكل قد تتسبب في حرمانهم من إكمال دراستهم، وحتى يحققوا المتعة والفائدة خارج نطاق الدراسة.
وعن معوقات الدراسة أتت بعض المداخلات مشيرة للأوضاع السياسية التي يعيشها العالم بعد أحداث سبتمبر والتي أثرت على تحصيل الكثير من الطلاب الدراسي بسبب التأزم النفسي الذي يعيشونه كنتيجة طبيعية لما يقابلونه من نبذ بعض العقليات التي تحمله تداعيات الأحداث، كذلك قضية التعايش المذهبي بين الطلبة السعوديين والذي وصفه أحد الطلبة المبتعثين بالمشكلة الاكبر في ظل تنامي عقلية التحريض والتكفير في الوقت الذي يحتاج المجتمع الامريكي فيه الى من يعرفهم بمثل وقيم التسامح الديني والوحدة الوطنية بدلا من نقل مشاكلنا الخاصة الى هناك.
وأشار الكاتب منير النمر إلى ضرورة الانفتاح المتبادل مع المجتمع وعدم الاعتداد بالرأي والشعور الفوقي في العلاقة مع الآخرين، كذلك عدم التركيز على التبشير بالدين كهدف كونه يعقد من وضع الطالب ذاته. ووافقه الرأي الأستاذ ذاكر آل حبيل الذي أشاد بتجربة انفتاح الجامعات على المجتمع واحترام الرأي الآخر والقدرة على التعاطي مع الجميع.
وحول الحالة المذهبية، ذهبت آراء معظم المتاخلين إلى أهمية تجاوز هذه الخلافات وإلى الدور السلبي الذي يمارسه بعض الدعاة في نشر الفرقة بين الطلبة معتبرين ان إبراز صورة الوطن المتعدد والمتنوع بأطيافه امتدادا لمشروع الحوار الوطني داخل المملكة هو افضل رد على هذه الاثارات.
وفي نهاية الأمسية وجه الأستاذ الشايب شكره للضيوف الذين تحملوا هذه مسئولية ابتعاثهم بما يبشر بتحقيق أهداف طيبة، شادا على أيدي جميع الطلبة المبتعثين لإكمال دراستهم وعدم الاكتفاء بإنهاء مرحلة دراسية واحدة ليساهموا في رفع رأس الوطن الذي يثمن حتما جهادهم وينتظر عودتهم مكللين بالنجاح.
المحاضرة الكاملة: