استضاف منتدى الثلاثاء الصحفي والقاص الأستاذ خليل إبراهيم الفزيع, في مساء الثلاثاء 12 ربيع أول 1432هـ والموافق 15 فبراير 2011م, في أمسية حملت “لمحات من تاريخ الصحافة في المنطقة الشرقية” عنواناً لها. أدار الأمسية الأستاذ موسى الهاشم الذي قدم الضيف وهو من مواليد الأحساء بالمملكة العربية السعودية, تخرج من المعهد العلمي بالإحساء عام 1380هـ, وعمل بمديرية التعليم بالدمام ثم أُعيرت خدماته إلى وزارة الإعلام عام 1386هـ, حيث تدرج في جريدة اليوم إلى رئاسة التحرير, وله العديد من المؤلفات منها: أحاديث في الأدب, سوق الخميس, قصص, الساعة والنخلة, وقد ترجمت بعض قصصه إلى اللغة الإنجليزية وبعضها حولت إلى أعمال درامية.
بدأ الأستاذ خليل الفزيع حديثه بتبيان الدور الذي تسهم به الصحافة الخليجية في إبراز جوانب التنمية في دولها, وفي حركة الإصلاح والتنوير, وتقويم أساليب الأداء في القطاعين الأهلي والحكومي, والتي كانت بذلك مرآة المجتمع بسلبياته وإيجابياته, بحقوقه وواجباته, والذي لم يمنعها ارتباطها بالدولة وخضوعها للأنظمة والقوانين الحكومية من التفوق في أدائها لرسالتها الإعلامية والتثقيفية. ثم أشار إلى التطور الذي شهدته الصحافة السعودية من خلال صدور نظام المطبوعات والنشر, ونظام المؤسسات الصحفية الصادر بقرار مجلس الوزراء, فحققت بذلك نقلة نوعية ملحوظة تجاوزت بها حالة الملكية الفردية للصحف.
ثم تناول تطور الصحافة السعودية مقسما إياها إلى مراحل ثلاث وهي: مرحلة البدايات التي تم فيها وضع الحجر الأساس لصناعة صحفية, كان لها شأنها فيما بعد عندما صدرت جريدة “أم القرى” عام 1343هـ. تلتها بعد ذلك مرحلة صحافة الأفراد التي كانت بدايتها عام 1350هـ, عندما صدرت في مكة المكرمة صحيفة “صوت الحجاز”, والتي كانت أول جريدة أهلية تحولت فيما بعد إلى “البلاد السعودية” ثم إلى جريدة “البلاد” التي تصدر في جدة حالياً. شهدت صحافة الأفراد عملية دمج بهدف إيجاد صحافة قوية قادرة على أداء رسالتها الإعلامية في كل منطقة, مشيراً إلى جريدة “البلاد السعودية” كنموذج, والتي تم دمجها مع جريدة “عرفات” وصدرتا تحت اسم جريدة “البلاد”.
وأشار إلى صدور نظام المؤسسات الصحفية عام 1383هـ, كبداية للمرحلة الثالثة من مراحل تطور الصحافة السعودية, وذكر أن صحافة الأفراد لم تكن أقل شأناً من المؤسسات في تلك المرحلة, مثنياً على جهود أولئك الأفراد وعلى تضحياتهم وتصديهم للظروف القاسية خاصة في سنوات الحرب العالمية الثانية, عندما شح الورق وأدوات الطباعة. وأوضح أن الهدف من صدور نظام المؤسسات الصحفية, هو إنتاج صحف قوية قادرة على المنافسة مقارنة بصحف الأفراد.
وذكر الأستاذ خليل الفزيع بعض النماذج لمؤسسات صحفية, كمؤسسة البلاد, مؤسسة الجزيرة, ومؤسسة عكاظ التي تصدر عنها صحيفة يومية بالعربية والانجليزية أيضاً، كما أشار إلى بعض المجلات والدوريات الثقافية التي صدرت بعد صدور نظام المؤسسات الصحفية, والتي كان لها الدور البارز في إنعاش الحركة الثقافية في البلاد مثل: مجلة العرب, مجلة الفيصل, ومجلة أطلال التي تصدرها إدارة الآثار والمتاحف في وزارة المعارف، وكذلك بعض الدوريات التي تصدرها الأندية الأدبية مثل: دارين الثقافية, بيادر, رؤى, والمنتدى.
واختتم حديثه مشيراً إلى التطور الذي أحدثه قيام المؤسسات الصحفية, في مفهوم الخدمة الصحفية من حيث الاهتمام بالخبر والصورة, و الاستعانة بمراكز المعلومات ووكالات الأنباء, و التغطيات الميدانية للمناسبات الوطنية والقومية, والوصول إلى قلب الأحداث ومتابعتها, واتساع أفق فهم حرية الصحافة.
وقبل المداخلات ألقى عضو إدارة النادي الأدبي بالأحساء الشاعر والأديب محمد الجلواح كلمته, معرباً فيها عن اعتزازه بالأستاذ خليل الفزيع, سارداً جزءاً من تاريخيه الصحفي ودوره كأديباً وإعلامياً في تفعيل النشاط الثقافي في المنطقة. ثم استفتح الأستاذ محمد السنان المداخلات, بقوله أن الصحافة السعودية بعد تحولها من صحافة الأفراد إلى النظام المؤسسي فقدت وهجها, وأصبحت تتبنى توجهات رسمية صرفة بعدما كانت تحوي على مساحة تثقيفية وحاضنة للهموم والقضايا الوطنية. وقد وافقه الأستاذ خليل الفزيع في رأيه وذكر أن الصحافة الفردية كانت عرضة للتوقف, فكان النظام المؤسسي ضماناً لاستمراريتها, كما أشار إلى أن حرية الصحافة مرتبطة إلى حد كبير بنظرة المسؤول, وأن رئيس التحرير مهما كان جريئاً في تناوله للقضايا فهو محكوم بسقف محدد للحرية, كما أن الفتور الذي رافق صدور نظام المؤسسات الصحفية يعزى إلى كون رؤساء هذه المؤسسات من أولي المناصب الرسمية في الدولة, فكانوا يحرصون على عدم نشر ما يمس دوائرهم, ولكن ومع تغير مفهوم الصحافة وخوفاً من الخسائر المادية توسع سقف الحرية.
واستفسر الأستاذ عبد الله العبد الباقي عن محتوى الصحف في تلك الفترة, وعن هامش الحرية الصحفية في الخمسينات وبداية الستينات مقارنة بالمتاح في الوقت الراهن، وأوضح الأستاذ خليل الفزيع أن الصحف قبل صدور نظام المؤسسات الصحفية كانت صحافة رأي, لحاجة الناس ذلك الوقت إلى تعديل مسارات التنمية من خلال ما يطرح من الآراء, ثم تأثرتبالتطور الحاصل في الصحافة من توفر وكالات الأنباء ودخول الإنترنت, فتحولت إلى صحافة خبر وصورة.
أما الأستاذ أحمد المشيخص فناقش سبب توقف الصحف والمجلات في ذلك الوقت, وعدم إعطاء التراخيص في الوقت الحالي، فأفاد الأستاذ خليل الفزيع أن أسباب توقف الصحف متعددة وبعضها يعود إلى الإفلاس, للموقف السياسي, أو لأسباب أخرى، أما سبب الحجر على بعض المطبوعات فيعزى إلى عدم وجود قرار تعدد المطبوعات في هذه المرحلة.
وأقر الأستاذ عدنان السادة أن الشبكة العنكبوتية أقدر وأجرأ في تناولها لهموم المواطن مقارنة بالصحف, متسائلا عما يمكن أن تقدمه الصحافة من أجل جذب هؤلاء القراء والإبقاء عليهم. فأشار الأستاذ خليل الفزيع إلى أن التفاوت في جرأة الصحف يرجع إلى التباين بين رؤساء التحرير بالرغم من الخضوع لنفس النظام. وعلق راعي المنتدى المهندس جعفر الشايب حول تأخر الصحافة اليوم في المنطقة الشرقية عن بقية المناطق, من حيث عدد الصحف وكتابها واتساع انتشارها, بالرغم من بدايتاها المبكرة التي سبقت بقية المناطق في المملكة، فأشار المحاضر إلى أن تصادم الصلاحيات بين مدير عام المؤسسات ورئيس التحرير وخصوصاً فيما يرتبط بالشؤون المالية, وتولي أشخاص ليس لهم علاقة بالصحافة سبباً في تأخر الصحافة.
وخالف الأستاذ جعفر النصر ما طرحه المحاضر حول هدف تحويل صحافة الأفراد إلى نظام مؤسسات وضمان استمرارية الصحف, حيث يرى أن الهدف كان للسيطرة على وسائل الإعلام والتحكم فيها.
واستفسر الأستاذ عبد الرسول الغريافي عن دور الصورة في الصحافة في ذاك الوقت, فأوضح الأستاذ الفزيع أن الأسباب الفنية كانت تعرقل ظهور الصورة. وعن تنوع الأجواء الثقافية في تلك الفترة تساءل الأستاذ زكي البحارنة, فذكر المحاضر أن معظم الكتاب كانوا من الأدباء لسيطرة الرأي على الصورة آنذاك, بعكس التنوع الثقافي الحاصل اليوم.
وفي الختام قدم مدير الندوة باسم أسرة منتدى الثلاثاء الثقافي شكره الجزيل للأستاذ خليل الفزيع والشاعر محمد الجلواح على كلمته الطيبة, وللحضور من السيدات والسادة.
المحاضرة الكاملة: