وسط حضور نوعي من المثقفين والناشطين المهتمين بقضايا حقوق الإنسان, استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 14 صفر 1432هـ الموافق 18 يناير 2011م, الأخصائي النفسي الأستاذ أحمد السعيد والحقوقية عالية الفريد في حلقة حوارية حول “العنف ضد المرأة”. وأدار الندوة الأستاذ عبد العظيم الضامن الذي قدم تعريفاً بضيوف المنتدى, فالأستاذة عالية علي الفريد من مواليد صفوى في شرق السعودية, حاصلة على بكالوريوس إعلام وعلاقات عامة, ماجستير نظم سياسية وقانون. تدير مركز إيلاف لرعاية وتأهيل الأطفال المعوقين. وهي عضوة في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان. أما الأستاذ أحمد السعيد, فهو حاصل على بكالوريوس تربية وعلم نفس من جامعة الملك سعود, ويعمل أخصائياً نفسياً بوزارة الصحة. وهو عضو في عدد من اللجان والمراكز. كما رافق الندوة معرض للفنانتين التشكيليتين الأستاذة أمل ابو جعيد والأستاذة أنوار الفارس.
استهل مدير الندوة الحلقة بعرض فيلم بعنوان “لطيفة وأخريات”, الذي يحكي قصة حقيقية لمعاناة امرأة معنفة في لبنان, حيث تعرضت للعديد من الانتهاكات من ضرب وشتم وتهديد, إضافة إلى صعوبة واجهتها في الطلاق من زوجها, وقد انتهت القصة بخنق الزوج للزوجة حتى الموت وسجن الزوج وتشتت الأبناء بعد ذلك.
أوضحت الأستاذة عالية الفريد في مقدمة كلمتها حقيقة استمرارية وتزايد العنف ضد المرأة في الدول النامية, على الرغم من تنامي حركة الوعي الثقافي والحقوقي. وقدمت تعريفاً للعنف حيث أنه “أي سلوك يتسم بالعدوانية, يصدر من طرف يهدف إلى إخضاع الطرف الأخر في إطار علاقة قوى غير متكافئة, مما يتسبب من إحداث أضرار مادية ومعنوية ونفسية”. وعرضت الأستاذة عالية الفريد نماذج من التقارير والإحصائيات والدراسات التي يتضح من خلالها مدى العنف الذي تتعرض له المرأة في مختلف الدول وأهمه العنف الأسري, حيث كشفت إحصائيات أصدرتها الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في السعودية, أن عدد قضايا العنف الأسري التي وصلتها منذ تأسيسها عام 1425هـ وحتى شهر أكتوبر الماضي قد بلغت 1835 قضية.
كما كشفت دراسة أكاديمية سعودية ميدانية, شملت مختلف المناطق بالمملكة, تحت عنوان “العنف الأسري المظاهر والأسباب والنتائج”, أن (87%) من الزوجات السعوديات اللاتي يمارس عليهن العنف من قبل أزواجهن لا يلجأن إلى طلب المساعدة. وذكرت في حديثها أسباب العنف والتي من أهمها قبول المرأة واستسلامها للعنف وجهلها بحقوقها, والاختلاف الثقافي الكبير بين الزوجين, وضغوط الحياة اليومية. و أشارت إلى البرنامج الوطني للأمان الأسري الذي أعدته الحكومة عام 2005م, والذي يوفر بعض الخدمات لضحايا العنف الأسري في المستشفيات.
وأشار الأستاذ أحمد السعيد إلى أشكال العنف التي تؤدي إلى تقويض كيان الأسرة والمجتمع وعدد منها: العنف الجسدي كالضرب والحرق والكي والتشويه, والعنف النفسي أو العاطفي كالسخرية والاستهزاء والشتم والتقليل من قيمة الطرف الآخر, والعنف الجنسي كالتحرش والاغتصاب واستخدام الطرف الآخر كأداة لإشباع الحاجات الجنسية فقط, كذلك إهمال الزوجة لزوجها أو العكس يعتبر عنفاً أيضاً.
وذكر أيضاً أثار العنف الصحية التي تتجلى صورها كاضطرابات نفسية وعضوية. وأشار إلى ما يخلفه العنف من اختلال كامل في كيان الأسرة والمجتمع, مستشهداً بنماذج وقصص واقعية. ثم بين مدى تأثير القناعات الخاطئة, و إفرازات التربية من قوانين عنيفة في التعامل مع الجنس الآخر على تفشي العنف. وتأثير الأفلام والإعلام بشكل عام, وأيضاً نقص الوعي الثقافي والديني والنفسي والاجتماعي وتأثيره على ذلك.
وهنا عرف مدير الندوة الفنانتين أمل سلمان ابو جعيد وأنوار فارس الفارس, وهما من مواليد القطيف, حصلتا على البكالوريوس في اللغة العربية, والعديد من الدورات في الرسم التشكيلي والنحت وعلم “الجرافولجي”, شاركتا في العديد من المعارض داخل المنطقة وخارجها. كانتا مدربتان في مركز الخدمة الاجتماعية وجمعية القطيف الخيرية, وحالياً تقدمان دورات رسم في معرضهما الخاص “علبة ألوان”. وقد حصلتا على العديد من شهادات الشكر والتقدير.
بدأت المداخلات باستفسار من الأستاذة رسمية الربابي حول المؤسسات التي تلجأ لها المرأة في قضايا الخلع, فأشارت الأستاذة عالية الفريد إلى وجود إجراءات وقائية حول العنف, كاللجوء إلى المستشفى وطلب تقرير حول الحالة وتقديمه إلى الشرطة, وأخرى قانونية متداولة في العرف القضائي. وأشار الأستاذ فوزي صادق إلى عنف المجتمع, والتطبيق الخاطئ للأحكام من قبل المحاكم الشرعية وليس بسبب التشريع بذاته. كما أكد الأستاذ عبد الله العبد الباقي على ضرورة وضوح التشريعات وخصوصاً فيما يتعلق بالجانب النفسي, وتطوير القوانين القضائية بحيث تصب في صالح الفئات الضعيفة كالمرأة والطفل. وهنا أيضاً أكدت الأستاذة عالية إلى الحاجة لتطوير التشريعات, حيث أنه لا توجد قوانين صريحة وواضحة في بعض ما يتعلق بقضايا المرأة, فيلجأ القضاة أحياناً إلى الاجتهادات الشخصية.
وأثار الأستاذ أحمد اليوسف قضية ضرورة نشر ثقافة بناء أسر سالمة ومسالمة, بدلاً من إرشاد المرأة إلى المحاكم والقضاء, وذلك بالعودة إلى الأعراف والتقاليد التي كانت سائدة في المجتمع, والتأكيد على أهمية تثقيف المقبلين على الزواج. وأضاف الشاعر سعود الفرج أن ارتفاع نسبة الطلاق والعنف سببه تضخم الذات لدى الرجل, فلرفع هذه المعاناة يجب أن ينظر للمرأة بنظرة إنسانية.
وختمت الأستاذة عالية الفريد كلمتها مؤكدة على حاجة المجتمع المحلي إلى مؤسسات مدنية, وسن قوانين من أجل القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة, ودعى الأستاذ أحمد السعيد إلى المبادرة في معالجة المشاكل الأسرية في بدايتها قبل أن تتضخم وتتعقد.
وفي ختام الندوة قدم مدير الندوة شكره الجزيل للأستاذ أحمد السعيد وللأستاذة عالية الفريد على المشاركة الفعالة حول موضوع يعتبر في غاية الأهمية. كما قدم شكره للفنانتين على لوحاتهما المميزة, والتي كانت أيضاً تعبر في بعض جنباتها عن واقع العنف المعاش في المجتمع السعودي.
المحاضرة الكاملة: