أستضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 7/4/1431هـ الموافق 23/3/2010م الكاتب والأديب الأستاذ جاسم المشرف في محاضرة بعنوان “ثقافة الإصلاح وإرادة التغيير”، وأدار الندوة الأستاذ زكي البحارنة عضو اللجنة المنظمة للمنتدى. وعرف مدير الندوة الضيف بأنه من مواليد الإحساء وحاصل على بكالوريوس اللغة العربية وآدابها من جامعة الملك سعود بالرياض، وانهى متطلبات الماجستير في الادب والنقد العربي بجامعة البحرين، كما انه باحث واديب وعضو في العديد من المنتديات والجمعيات الثقافية والادبية وصدرت له ستة كتب في مجالات الادب والثقافة، كما ان له عشرة مؤلفات مخطوطة.
بدأ المحاضر كلمته بالحديث عن سنة التغيير في الوجود وأن كل شيء فيه في حركة مستمرة من التشكل و التغير، مؤكدا على أن أقسى ما يهدد شخصية الإنسان الرتابة والسكون والركون إلى واقعه بكل علاته. وبين من خلال قراءته للآية الكريمة (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) أنها تربط بين الواقع الشخصي للفرد والانعكاس الخارجي على الجماعة من خلال إعادة تشكيل الذهنية الذاتية والتحول على مستوى القيم والأفكار.
وأشار المحاضر إلى أن التغيير يستدعي في حقله الدلالي منظومة من المفردات المترادفة والمتنوعة كالانتقال والتبديل والتحول، حيث انه قد يكون إراديا أو قهريا، مؤكدا على إمكانية توجيه التغيير بما يخدم الأهداف المطلوبة بدلا من ترك التغيير يسير بلا هدف موجه، وأوضح أن التغيير إذا كان في المسار فأن التغيير إذا كان في المسار فإنه قد يكون محكوما بالظروف، أما إذا كان في العقلية فانه يؤسس إلى طبيعة مستجدة وفاعلة في النفس وملتصقة بها. كما اشار الى ان من معوقات التغيير الافتقار الى الرؤية الشاملة، وارتباك سلم الاولويات، والاندفاع الانفعالي، والاشتغال باخطاء الآخرين وتجاهل اخطاء الذات.
واوضح الاستاذ المشرف اسهامات التغيير في تشكل العالم الجديد من خلال الثورات الكونية العظمى، أي الزراعية والصناعية والرقمية وتأثيرها على مسيرة الحضارة وتطورها. فالثورة الزراعية ساهمت في استيطان الانسان وتشكل قيم جديدة في العلاقات الانسانية وانها ادت الى تطور في الحضارة، كما ان الثورة الصناعية ادت الى زيادة في الانتاج والى استبدال الطاقة البشرية بالآلة مما احدث خللا كبيرا في العلاقات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. اما الثورة الرقمية فقد ساهمت في تطور العالم بما يقارب الخمس مرات خلال العشرين سنة الماضية واختزلت عقودا عديدة من الزمن وارتفعت مؤشرات التغيير بصورة متسارعة.
ثم تحدث المحاضر حول ابرز القضايا التي تقلق عالم اليوم وضرورة التفاعل مع هذه التغيرات والتحولات القائمة من قبل الافراد ليكون للجميع دور ايجابي فاعل في معالجة هذه القضايا المقلقة للانسانية. وابرز المحاضر مشكلة التغيرات المناخية موضحا آثارها ونتائجها الخطيرة على جفاف الاراضي الزراعية وذوبان الجبال الجليدية مما يهدد البشرية بالمجاعات والفيضانات، وكذلك مشكلة الفقر والجوع وان الهوة بين الفقراء والاغنياء دولا وافرادا في اتساع مضطرد، واخيرا مواكبة الرقمنة والتحدي العلمي وخاصة ان العالم العربي يفتقد الى التناغم في السياسات والانسجام في الغايات والاهداف مما جعل منظومته السياسية عاجزة عن مواكبة كل هذه التطورات المختلفة.
وفي مقارنة بين وضع العالم العربي والمجتمعات الاخرى اشار المحاضر الى الهوة الواسعة بين التطور الذي شهده العالم خلال العقود الماضية وبين واقع العالم العربي من ناحية سيادة الخطاب المنغلق والمتحجر وضعف الانفاق على البحث العلمي وانعدام الحريات والممارسة الديمقراطية. واستعرض المحاضر بعض النماذج والتجارب الناجحة في التغيير نحو الافضل سواء من افراد أو ودول، موضحا المسببات التي اخذوا بها وقادتهم الى النجاح والتطور ومن بينها في العالم الاسلامي كل من ماليزيا وتركيا.
وفي نهاية محاضرته، تحدث الاستاذ المشرف عن متطلبات التغيير، مشددا على بعده الاجتماعي والوطني، حيث اوضح أن هنالك مطالب فكرية اساسية للتغيير ابرزها تصحيح المفاهيم الملتبسة ذات العلاقة بالعملية التغييرية كحدود الحريات الشخصية مثلا، واعادة تشكيل سلم الاولويات، وتجديد الخطاب الثقافي والاعلامي بما يحفز على ثقافة التعايش والقبول بالاخر، ومراجعة المناهج الدراسية بما يخدم الاعلاء من شأن العلم. اما في المجال الاجتماعي فحدد المحاضر متطلبات التغييرفي تكثيف وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، واشراك فئة الشباب في صناعة القرار، وتمكين المرأة واعتبارها شريكا حقيقيا في التنمية، ونشر ثقافة المطالبة بالحقوق الفردية والعامة. واخيرا، في الجانب السياسي أكد المحاضر على اعادة تشكيل المنظومة السياسية بما يحقق مزيدا من الحريات والمشاركة الشعبية والمساواة بين المواطنين.
وجاءت مداخلات الحضور مؤكدة على ما ذهب اليه المحاضر من افكار، وخاصة فيما يرتبط بالدور المطلوب من الافراد للمشاركة في القضايا الكونية والعالمية المختلفة، وتم التاكيد من خلال المداخلات على اهمية التعايش والانفتاح والتواصل بين مكونات المجتمع من اجل بلورة هوية وطنية منسجمة وقادرة على تجاوز التحديات. واشار الاستاذ سعيد الخباز الى فلسفة التغيير بكونها ليست دائما تسير نحو الافضل والى ضرورة العمل على تشجيع الطاقات المبدعة والناشئة في المجتمع.
المحاضرة الكاملة: