استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 23 شوال 1427هـ الموافق 14 نوفمبر 2006م الأستاذ محمد عبد الله بودي الناقد والمحاضر بالكلية التقنية بالأحساء. وقدم الندوة راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب الذي عرف بسيرة المحاضر حيث انه درس أدب اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ويحضر لنيل درجة الدكتوراه في الأدب والنقد في جامعة أم القرى بمكة المكرمة, كما ان له العديد من الدراسات والبحوث في المواضيع الأدبية، وهو عضو في عدة جمعيات أدبية وثقافية سعودية وعربية، وشارك في مؤتمرات وملتقيات ومنتديات عديدة وحصل على امتيازات وجوائز علمية وأدبية.
استهل الأستاذ بودي محاضرته بتعريف مفهوم “الجور” وقال بأنها مضادة للعدل، ومن يقوم بفعل جور، يسمى جائر، مستشهدا لتوضيح ذلك المفهوم من قراءة الآيات القرآنية الكريمة وما ورد في الأمثال والأقوال العربية. وبين أن الجور مرفوض من قبل الإنسان الطبيعي لأن فيه ظلم وحيف، موضحا أنه قد يتخذ إشكالا مختلفة، منها الجور الاجتماعي، الجور الاقتصادي والجور السياسي، وكلها تم التنويه لها وتشخيصها ممن قبل المثقفين. ورأى أن ظاهرة الجور الثقافي لم تناقش من قبل بشكل مفصل حيث جرت العادة بكون المثقف هو الراصد والمتابع لحركة المجتمع، ومن الصعب أن يكون هذا المتابع هو الذي يقوم بفعل الجور، لذلك لم يلتفت كثيرا إلى هذه الظاهرة، ولم تتابع ولم تدرس.
وعدد المحاضر نماذج للجور الثقافي في الذاكرة العربية، منها ما فعله الفرزدق عندما ألقى عليه أحد الشعراء الصغار قصيدة ألفها، فأعجب الفرزدق بالقصيدة، لكنه ادعى ملكية هذه القصيدة بحجة أن هذا الشاعر لا يمكنه كتابة مثل هذه القصيدة. كما ذكر نماذج وأشكال متعددة لممارسات وتجاوزات تتسم بالجور في المجال الثقافي وذلك عبر التضييق على المنافسين في العمل والمخالفين في الرأي. وذكر المحاضر أنه من المشهور أن المثقف لا يمكن أن يجور، فهو ناشر ثقافة العدل و السلام، لكنه يرى بأن المثقف قد يكون أشد الجائرين في المجتمع وخاصة عندما يجور على أخيه المثقف، لأنه يعرف نقاط ضعف المثقف الآخر، و يعرف كيف يمكن إيلامه، فيكون جوره عليه أشد من جور غيره.
وفي معرض توضيحه لأبعاد هذا الحالة السلبية، طرح المحاضر بعد ذلك أسباب عدم اهتمام المثقفين بمعالجة هذه الظاهرة والتصريح بها، بسبب تواطؤ المثقفين مع بعضهم البعض على الصمت عند ملاحظة أي جور يصيب بعضهم. وعرج على بعض مظاهر الجور الثقافي في الوقت الحاضر في المجتمع المحلي، مطالبا بالعمل على معالجة هذه الحالة من خلال أيجاد أنظمة وتشريعات لمنع تهيأ بيئة مناسبة للإبداع والتعدد والاختلاف في الرأي، وكذلك توفير مناخ حر يمكن لأي مثقف ان يعبر عن آرائه ووجهات نظره دون احتكار لأشخاص معينين او أفكار محددة. وطالب الأستاذ بودي بعدم شخصنه المؤسسات الثقافية واحترام أي عمل ثقافي جديد والعمل على تبنيه وتشجيعه، مؤكدا ان كثيرا من هذه الممارسات هي خارجة عن أرادة او رغبة الجهات الرسمية بل هي نتيجة لسلوك فردي وممارسات شخصية حيث ان سلطة المثقف قد تقمع المثقف الآخر أكثر من قمع السلطة السياسية مستعرضا عدة أمثلة وحالات تعرض لها المحاضر شخصيا ومجموعة من الأدباء والكتاب.
ومع بداية المداخلات تحدث راعي المنتدى عن هذه الظاهرة بصفتها قائمة على مختلف الأصعدة والمجالات نتيجة للجهل او التنافس السلبي بين قوى المجتمع وانعدام أجواء الحرية والتعددية. وتحدث الأستاذ عبد الله آل سعران عن أهمية حماية المثقف من مثل هذه التعديات عبر أيجاد جمعية او اتحاد للكتاب والمثقفين يساهم في دعم الاتجاهات الثقافية الإبداعية، كما أكد الشاعر حسن السبع على وجود مظاهر كثيرة ومتعددة للجور الثقافي منها تعمد تغييب بعض الأسماء في الأعمال الموسوعية الثقافية مشيرا الى المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق المثقف حول دوره الهام في مجال التنوير ونشر الفكر.
أما الأديب عبد الله الملحم فقد نوه إلى أهمية تشخيص مشكلة الجور بشكل واضح دون مواربة لتحديد الأسباب الحقيقية لها ومعالجة الأخطاء التي من بينها استغلال المسئولين عن الثقافة لنفوذهم بصورة غير مشروعة معللا ذلك نتيجة لشعور المثقف بقداسة عمله دون غيره. واستشهد الكاتب ذاكر آل حبيل بنماذج من الجور مر بها في عمله الثقافي مؤكدا على ان المعاناة من الاستبداد تزداد كلما كان العمل الثقافي مستقلا ومبدعا، وهو ما أكد عليه أيضا الأديب عبد الله العويد بصورة أخرى.
وأشار الشاعر عادل اللباد إلى أهمية معالجة هذه الظاهرة من مختلف جوانبها الثقافية والسياسية من اجل توفير مناخ ثقافي مناسب لممارسة عملية النقد بحرية وفاعلية، أما الروائي ناصر الجاسم فقد استعرض أسباب كثرة المثقفين المستبدين في الوسط الاجتماعي ومنها استغلال الدين الذي يتمظهر في ملوكيات نفعية بعيدة عن مقاصده وعن الإيمان الحقيقي الذي يدعو إلى العدل مؤكدا إلى ضرورة الحذر من الجور الثقافي الذي يؤدي إلى قمع وتكفير المثقف وهدر دمه ونفيه من الأرض.
كما عالج الدكتور محمد العبدلي مشكلة التذرع بالسلطة السياسية لدى بعض المثقفين عند ممارسة الجور والإقصاء الثقافي مؤكدا على ان معظم هذه الممارسات تقوم على اجتهادات وتصرفات فردية، وتساءل الأستاذ زكريا العباد عن انعكاس هذه الممارسات وآثارها على المثقف المبدع، كما تحدث الباحث عبد الله آل ربح عن ممارسة الجور الثقافي في وسط المؤسسات الأهلية المعنية بالشأن الثقافي، وهو ما أكده الكاتب مظاهر اللاجامي من خلال كون المثقف يمارس الجور نتيجة لخوفه من زعزعة سلطته الذاتية وتحكم الاهواء فيه وكذلك نتيجة لسيادة اتجاه فكري واحد قامع لأي رأي مخالف أو حداثي.
وعلق المحاضر على جميع المداخلات عبر ذكر بعض الأمثلة والشواهد التي تؤيد تحليله ووجهة نظره حول هذه المشكلة، حيث اختتم بعد ذلك الندوة بالشكر للحضور ولراعي المنتدى مؤملا في مزيد من التواصل الثقافي في أجواء حرة مفتوحة بعيدا عن أي إقصاء أو تعالي أو جور. وفي نهاية اللقاء تقدم مدير الندوة وراعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بجزيل الشكر للدكتور المحاضر محمد بودي و كل من حضر الندوة من المثقفين والأدباء
المحاضرة الكاملة: