تحت عنون”خطاب الاعتدال في المجتمع السعودي” استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 27 ذوالقعدة 1429هـ الموافق 25/11/2008م، فضيلة الشيخ شاكر الناصر والأستاذ علي آل طالب. وأدار الندوة الأستاذ حسن آل حمادة الذي عرف بالضيفين مبتدءاً بالشيخ الناصر، وهو من مواليد بلدة الأوجام عام 1382هـ التحق بالدراسة الدينية ودرس ومارس التدريس في علوم الفقه الإسلامي واللغة العربية في إيران وسوريا والمملكة وهو حاصل على البكالوريوس في اللغة الإنجليزية من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وله بعض المقالات والكتابات في الشأن الاجتماعي منشورة على بعض المواقع الإلكترونية.
أما الأستاذ علي آل طالب فهو معلم حاصل على البكالوريوس في اللغة العربية من جامعة الملك سعود بالرياض وعلى الماجستير في الإعلام من الجامعة الوطنية باليمن وكاتب في صحيفة الوقت البحرينية وعضو مركز آفاق للبحوث والدراسات، وصدر له كتابان “رهانات خطاب الاعتدال في المملكة العربية السعودية” وكتاب”الأثار الإعلامية وإستراتيجية الحرب على الإرهاب”.
تحدث الناصر اولا عن “الاعتدال في التعاليم والمأثورات الدينية” مشيرا الى ورود مفردة الاعتدال مكررا في المأثورات الدينية بسبب ان أتباع التعاليم والمنظومات الفكرية يتولد لديهم ميل عن هذه الافكار وخصوصاً مع الفهم الخاطئ لها، مسنشهدا على ذلك بأمثلة عديدة تؤكد نمو حالة التشدد والابتعاد عن الاعتدال. ثم أنتقل للحديث عن بعض أسباب ذلك منها الخطأ في فهم تطبيقات تعاليم الدين كأن يتصور البعض مثلاً أن الدين لا بد ان يطبق بطريقة متشددة وان تفرض تعاليمه على الناس معتقدين ان ذلك من مقاصد الشريعة. كما أشار ايضا إلى التصور الخاطئ الذي يتصوره البعض في أنه مكلف شرعاً بدعوة الناس بشتى السبل إلى ما يعتقد أنه الدين الصحيح حتى لو كان ذلك عن طريق القوة مؤكداً على أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف حتى أنبيائه ورسله بذلك مستشهداً ببعض آيات من القرآن الكريم.
وأكد الشيخ الناصر على أن للإنسان الحق في الإيمان بما يراه صواباً بحسب ما انتهى إليه من الأدلة ولكن ليس صواباً أن يفرض المرء رأيه على غيره بل لا يصح أن يسخر من قول المخالف ويحط من قدره. كما حذر من المبالغة في ببعض المسائل والتوجيهات الشرعية لدرجة أن البعض من الناس يؤسسون لهم رأياً فقهياً جديداً فيعطي آراء في مسائل وينسبها للدين أو إلى الفقهاء اشتباهاً، مشيراً إلى بعض مبالغات المتدينين في أمور الدين وذكر من قبيل ذلك الخوض في حديث الفرقة الناجية مؤكداً على أن من حق كل إنسان أن يعتقد بالعقيدة التي يرى أنها صحيحة وما يخالفها غير ذلك لكن لا يجوز له التعدي على حقوق الآخرين ومعتقداتهم.
بعد ذلك تحدث الأستاذ على آل طالب عن ورقته التي جاءت بعنوان “خطاب الاعتدال في الواقع السعودي: مقاربة معرفية”، حيث افتتحها بتحرير مفهوم الاعتدال من المعجم العربي وما ورد في تفسير بعض الآيات القرآنية و مشيراً على أنه يعتمد على المرونة بين النص الديني والتناغم مع روح العصر، وذكر أن المتتبع للكتابات حول الوسطية الإسلامية يلحظ بوضح إلحاحها على أنها طريقة ثالثة من جملة ثنائيات كالدين والدنيا والروح والجسد والعقل والنقل وغيرها مضيافاً إلى أن هذه الورطة الفلسفية يشغل الاعتدال المساحة البينية بينهما. واوضح ان الاعتدال والتوسط ليس من مهمتهما الجمع بين النقيضين أو الرذيلتين بل هو الفعل المعرفي الذي يحدد هدفه بالبحث عن موطن الإشكال الرئيسي ويفحصه ليحاول معالجته والإجابة عليه.
وخلص آل طالب إلى أن الاعتدال كمنهج تغيير يعني بالقدرة على التعامل مع الواقع لتغييره وليس التكييف مع الواقع دون التغيير، وانتقل بعد ذلك إلى خواص خطاب الاعتدال مبيناً على أنه خطاب يعتمد على مبدأ الحوار وتقويض الكراهية ويحتفي بالتنوع والشراكة النبيلة مع الآخر المختلف كما أنه يمثل نهج التغيير للوصول لمشروع نهضوي حضاري .
كما تعرض آل طالب في حديثه إلى معايير الاعتدال والتطرف في ثلاثة أبعاد هي الموقف من الواقع والبنيوية الأيدلوجية والموقف من الآخر، وبعدها تحدث عن موقف مشروع الاعتدال تجاه إشكالية خاصة بالواقع السعودي المتمثلة في إشكالية المذهب أم الوطن في ظل الظروف القائمة في الوقت الراهن.
ثم انتقل الى الحديث نحو سبل تعزيز الخطاب ومسؤولية الدولة الراعية للحقوق والواجبات ومسؤولية المجتمع المعتصم بقيمه ومصالحه المشتركة ومسؤولية النخب المثقفة ودور التعليم والإعلام وضرورة إشاعة مراكز البحث العلمي والعناية بالمشتركات وتأصيل فقه الاختلاف.
وعلى المستوى المحلي دعا آل طالب إلى ضرورة تأسيس منتدى محلي وطني يجمع مختلف الأطياف المذهبية والفكرية وصياغة ميثاق اعلامي ينبذ مختلف كل أنواع التطرف والعنف ويدعو إلى التسامح واحترام حقوق الإنسان، كما أشار إلى أهمية وضرورة سن قوانين رادعة وتجريم كل خطابات ودعاوي التطرف والتمييز المذهبي والديني والنهوض بواجب الإصلاح السياسي والديمقراطي وفق مصالح جميع أبناء الوطن واحترام حق التعددية السياسية والفكرية.
وفي معرض تعليقه على ما ذكره الأستاذ علي آل طالب أكد الشيخ شاكر الناصر أن ما يجب تعميقه في مسألة الوحدة بين المسلمين وغير المسلمين هو تعزيز حالات التقارب والتفاهم وترك حرية اختيار الفكر والعقيدة للإنسان مؤكداً على حق الإنسان في الاختلاف وفي الوقت نفسه ضرورة تعزيز حالة التواصل الإيجابي.
السيد هاشم الجبوري في مداخلته ركز على أن الاعتدال هو ما يعزز حالة التعياش في المجتمع السعودي، أما السيد إبراهيم الزاكي تحدث في مداخلته عن مدى وقابلية واستعداد الإنسان إلى الوسطية أو التطرف، وقال إن قابلتيه واستعداده لأحد الطرفين متساوية وأن العوامل التي تؤثر في ذلك هي عوامل تربوية وبيئية وثقافية لذا أكد على ضرورة توسيع قاعدة ومساحة ثقافة الاعتدال والوسطية وتحجيم مساحة ثقافة الغلو والتطرف من خلال تعاون جميع الجهات المناطة بها عملية التربية والتعليم كالأسرة والمدرسة.
وذكر علي الحويدر أن واقع الحال يكشف أن الاعتدال دائماً هو خيار الضعفاء بينما التشدد هو خيار الأقوياء، وعلق الشيخ شاكر على ذلك بقوله أن من يدعو للتسامح يجب أن يكون صادقاً في دعوته بغض النظر عن الظروف الخارجية وأن الاعتدال يجب أن يكون خياراً استراتجيا وليس تكتيكياً.
وجاءت مداخلة الأستاذ عبد الله العبد الباقي مؤكدا على دور التراكم الثقافي والحضاري في تعزيز ثقافة الاعتدال وتحولها إلى ارض الواقع كسلوك، لكنه شدد على أن القرار السياسي يبقى له دائماً وأبداً الدور الرائد والمهم في هذا المجال وخصوصا إذا كان هذه القرار اتخذ في الوقت المناسب أو يعكس حاجات الواقع الموضوعية مستشهداً بالقرارات التي اتخذها الملك فيصل بشأن تعليم البنات.
وفي نهاية الندوة شكر مدير الندوة الضيوف المشاركين على ما تفضلا به والحضور على تفاعلهم وحسن استماعهم متمنياً أن تكون هذه الندوة لبنة من لبنات تعزيز حالة التسامح ونشر روح الاعتدال في المجتمع.
المحاضرة الكاملة: