في حضور ضم لفيفا نخبويا من أستاذة الاقتصاد ورجال الأعمال ألقى المستشار الاقتصادي والمالي الدكتور حسين المهدي في منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف مساء الثلاثاء 13/11/1429هـ الموافق 11/11/2008م محاضرة حول الاستثمار العقاري في الخليج في ظل الأزمة المالية.
وقد أدار الأستاذ محمد الخياط الندوة مبتدئا بتعريف الضيف، وهو من مملكة البحرين، حاصل على شهادة الدكتوراة في إدارة وتخطيط الطاقة من الولايات المتحدة الأميركية. عمل محاضرا في الاقتصاد والضرائب بجامعة البحرين العام 1985م، كما عمل في صندوق النقد الدولي في واشنطن العام 1985م، وقدم عددا كبيرا من الدورات التدريبية في عدد من دول المنطقة العربية والعالم. هو يرأس العديد من إدارات الشركات والجمعيات واللجان المتخصصة، كشركة خير الإسلامية القابضة للاستثمار، والشركة الخليجية العالمية للاستشارات الاقتصادية منذ العام 1994م، وغيرها.
بدأ الدكتور حديثه عن تداعيات الأزمة المالية التي بدأت قبل حوالي شهرين، مستعرضا القطاعات التي تأثرت؛ بدءً من الرهونات العقارية التي بلغت خسائرها 1.4 تريليون دولار، وانتهاءً بانخفاض أسعار النفط؛ حيث وصل سعر البرميل 58 دولارا للبرميل بعد أن كان 147 دولارا، وبذلك تحولت الأزمة المالية إلى أزمة اقتصادية.
تحدث المحاضر عن خطأ اعتماد قطاع واحد من القطاعات الاقتصادية أو المالية كمؤشر لنبض الاقتصاد العالمي في عملية التقييم الاقتصادي العام، كاعتماد مؤشر الأسهم – مثلا – مشيرا إلى الصورة المغلوطة التي عكستها المؤشرات الاقتصادية العالمية والخليجية للشارع؛ مثيرة بذلك هلعا أدى إلى تداعيات أثرت على قطاعات المستثمرين الصغار والأفراد، على عكس الشركات الكبرى التي استعانت بالتسهيلات الائتمانية بشروط أفضل، حتى أصبحت لاعبا رئيسا في السوق.
ورغم قلة حجم ما يمثله الاقتصاد العربي في الاقتصاد العالمي؛ إذا يبلغ 1 تريليون دولار من 60 تريليون دولار، وهي قيمة لا تمثل أكثر من 6% من حجم الاقتصاد العالمي، أكد المحاضر تضرر العالم العربي بخسائر ضاعفت عشرات المرات خسائر الاقتصاد الغربي، لا سيما في سوق الأوراق المالية. ودلل على ذلك بخسارة السعودية قبل فترة ما نسبته 10% في يوم واحد، في الحين الذي خسرت فيه الداو جونز بنسبة 5% فقط؛ رغم أن اقتصاد السعودية بلغ 381 مليار دولار من مجموع اقتصاد دول الخليج الذي لا يتجاوز 707 مليار دولار، وهو ما يساوي اقتصاد هولندا وحدها، في حين يمثل اقتصاد أميركا ثلث الاقتصاد العالمي.
وتحدث الضيف عن شح السيولة الخليجية المفاجئة التي ظهرت على السطح في وقت قياسي، وعانت منها البنوك التقليدية على الخصوص، مستعرضا ما كانت عليه قبل شهر في بعض دول الخليج؛ من خلال مخططات بيانية في عرض مرئي، مشيرا لتأثير ذلك على القروض العقارية التي بدأت تواجه قيودا لدى الأفراد والشركات، كما لفت الانتباه إلى مطابقة هذه المشكلة مع ما واجهته أميركا بعد أحداث سبتمبر؛ وكانت قد عالجتها بذكاء عبر تيسر القروض العقارية حفاظا على سوق العقار من الانهيار؛ ورفعا للاقتصاد الأميركي.
بعد ذلك، أنتقل المحاضر للحديث عن الاستثمار العقاري، مشيرا لحجمه في عموم الخليج؛ إذ بلغت قيمته 330 مليار دولار للعام 2008م، مقابل 30 مليار دولار فقط لقيمة الاستثمار في قطاع النفط والغاز في ذات العام؛ مؤكدا بذلك على ضخامة الاستثمار في هذا القطاع وتشجيع السوق له في جانب بيعا لا شراءً.
وتحدث كذلك عن جانب مهم من جوانب قطاع الاستثمار بدأ ينتعش على مستوى مملكة البحرين في بعض القطاعات، كقطاع التربية والتعليم، والقطاع الصحي؛ وذلك عبر بناء جامعات متكاملة الخدمات، فضلا عن المعاهد التدريبية والمستشفيات الخاصة. وبعد تفصيل لأحوال الاستثمار العقاري في مختلف دول الخليج من حيث القيمة والنشاط، أكد المحاضر نأي المنطقة عن تداعيات أزمة الرهن العقاري لقلة حجم استثمارها مقارنة بالاستثمار العالمي، وأن ما حدث من تداعيات لا يتجاوز مواصلة نمط المضاربة غير معتمدة على ما يحدث على أرض الواقع فعلا؛ ليختم بأن 3800 مشروعا عقاريا قائما في الخليج تبلغ قيمته اليوم 4 تريليون دولار تستحق أن تستثمر بما يدفع قطاع الاستثمار في الخليج لرفع مستوى اقتصادها في العالم.
وقد افتتحت المداخلات بأسئلة ساخنة شفت قلقا جاء نتيجة دراسة حول تملّك المواطنين الخليجيين لبيوت خاصة، جاءت نسبة المواطنين السعوديين فيها الأدنى؛ حيث بلغت 22%، مقابل 90% لمواطني الإمارات، و 86% لمواطني الكويت، لتفرض تلك الأسئلة نفسها حول مستقبل الشباب الذين يمثلون 30% في مجموع دول الخليج، والذين يعيشون وضعا اقتصاديا متدنيا لا يملكون معه التأسيس لحياة مستقرة دون التعرض لضغوط الديون.
من جانبه، أشار الأستاذ جعفر الشايب لما يثار مؤخرا من حديث حول فشل النظام الرأسمالي من خلال أنظمة التمويل التقليدية بعد التطور الحاصل في أنظمة التمويل الإسلامية وكونها بديل محتمل لها، متسائلا عن مدى صحة ذلك. وقد أبدى المحاضر احترامه لهذه النظرية، غير أنه أكد على أهمية إيجاد نظام متوسط بين البينين يقدّر الملكيتين الفردية والعامة على حد سواء. وفيما يخص تساؤلات الحضور حول مستقبل الاقتصاد الخليجي، أكد المحاضر على كونه يتمثل في تنمية الموارد البشرية بشكل عام، وليس في الأسهم أو العقار تخصيصا.
تناولت المداخلات أيضا قضية الاستفادة من التسهيلات البنكية للبعض والآثار الناتجة عن ذلك على وضع الأفراد الاقتصادي في ظل الأزمة الراهنة التي بلغت لجوء بعض الأفراد توقيع شيكات مستقبلية بمبالغ تفوق تمكنهم، مما خلق أزمة فرضت نفسها في ظل الحاجة الملحة لتملك منازل تنهي معاناة ذوي الدخل المحدود مع ارتفاع الإيجارات. في ختام الندوة، طمأن الدكتور المهدي الحضور بتوقع انتهاء الأزمة خلال سنة قادمة، داعيا كل قادر على الحفاظ على ما في يديه من أسهم وعقار عدم التفريط بها للاستفادة منها حين تعاود الارتفاع مجددا.
المحاضرة الكاملة: