أهمية المنتديات الثقافية في المملكة

5٬242

تعتبر المنتديات الثقافية من أهم المنابر الثقافية في المملكة كونها مرآة حقيقية لنبض الشارع الإجتماعي في ظل ضعف أو انعدام المنابر الأخرى. وقد حصلت في السنوات الماضية زيادة في عددها وتطور في طبيعة نشاطاتها إلى حد ملفت. ونحاول هنا أن ندرس أسباب ذلك، والأهمية التي تحظى بها في المجتمع السعودي. تعريف: المنتديات الثقافية – وتسمى أحيانا الصالونات الثقافية أو الأدبية – هي أماكن يجتمع فيها مجموعة من المثقفين – أو من هم على طريق الثقافة – لتداول موضوعات عامة بشكل جماعي. وعادة ما تدار المنتديات بطريقة أن يتم تحديد محاضر يتحدث حول موضوع معين متفق عليه مسبقا، ثم يقوم الحضور بطرح الأسئلة والنقاشات حول ذلك الموضوع. كما أن العادة جرت في المملكة على أن يعقد المنتدى في منزل أحد المثقفين أوالوجهاء والذي يتكفل بالتكاليف المادية للمنتدى، رغم أن بعض أصحاب المنتديات قد قام ببناء مباني خاصة بالمنتديات. وتتفاوت المنتديات من حيث كونها أسبوعية أو شهرية أو حتى فصلية ودورية حسب إمكانيات صاحب المنتدى واستعداد الجمهور للتواصل معها. كما تتفاوت أعداد الحضور من أقل من عشرة أشخاص إلى بضع عشرات منهم. أما الموضوعات المطروحة فهي إما أن تكون أدبية تتناول قضايا الأدب والشعر قديما وحديثا، أو قضايا ثقافية متنوعة، أو قضايا علمية وطبية وظواهر اجتماعية أو حتى قضايا سياسية. وليست المنتديات بدعا في مجتمعاتنا العربية، فقد كان لها دور كبير في الحياة الثقافية والأدبية وحتى السياسية في مختلف مفاصل الحياة السياسية في العالم العربي منذ العهود العربية الأولى في الدولة العباسية وحتى اليوم. وقد كانت تتلون بألوان شتى تتناسب والمرحلة التي تقام فيها، كما أنها كانت تتألق أو تخبو حسب ما يتاح لها من حرية وما يسمح به الظرف السياسي والإجتماعي. أسباب نمو المنتديات الثقافية: تعزى أسباب نمو المنتديات الثقافية في المملكة العربية السعودية إلى عدة أسباب نذكر منها: • أولا: قلة الخيارات الأخرى الثقافية فيها. ففي الدول الأخرى هناك مسارح «مثلا» وسينما وصالات ترفيهية متعددة الأغراض، لكنها غير موجودة في المملكة لأسباب دينية أو اجتماعية أو تمويلية. ولذلك فإن بعض المواطنين في بعض مدن المملكة يحار في الأماكن التي يقضي فيها أوقات فراغه. فيضيعها البعض في الأسواق والمجمعات التجارية أو في الحدائق العامة – إن وجدت – أو في خارج المملكة في أيام العطل الرسمية. نعم يوجد في بعض مدن المملكة فروع للنوادي الأدبية وجمعيات للثقافة والفنون لكن نشاطاتها محدودة ومقتصرة على أيام محدودة في السنة ولا يمكن مهما ازداد عدد أيام عقدها أن تسد حاجة الناس للمناسبات الثقافية. كما أن بعض المثقفين يعتبرون ان موضوعات هذه المؤسسات إما أنه يطغى عليها الطابع الرسمي الجامد أو أنها لا تعالج همومهم وهموم الناس بشكل مباشر وصريح. وهو أمر قد يعتبر طبيعيا كونها منابر ثقافية «شبه رسمية» قد يؤخذ ما يطرح فيها على أنه انعكاس للقرارات الحكومية أو قريب منها على الأقل. • ثانيا: يشعر المثقفون بأن جميع الشرائح الإجتماعية في البلاد ممثلة في جهات ومؤسسات معينة، فللرياضيين نواد خاصة يجتمعون فيها ويمارسون هواياتهم ويتبادلون الآراء حول اهتماماتهم المشتركة. وللتجار والصناع أيضا هناك الغرف التجارية والصناعية التي يجدون أنفسهم فيها. أما المثقفون فإنهم يشعرون بأنهم يفتقدون المكان الذي يجتمعون فيه، حيث وجدوا في المنتديات الثقافية ملاذا لهم يمكنهم أن يشعروا ولو بدرجة من الإنتماء إليها. وهنا يميل المثقفون إلى المنتديات الثقافية العامة أكثر من ميلهم إلى المؤسسات الرسمية كون الأولى تعطيهم هامشا أكبر من الحرية. كما ان طبيعة المنتديات غير المرتبطة بأي أطر رسمية تتناغم وطبيعة شريحة كبيرة من المثقفين والذين يميلون إلى التحرر من المواقف المعلبة أو الإملاءات التي قد تفرض عليهم. وهي أيضا ترضي النزعة إلى التمرد عند بعض المثقفين، حيث لا يجدون في النوادي الأدبية مبتغاهم. • ثالثا: وجود حالة من التعطش الثقافي في البلاد. ففي العقود الأخيرة تنامت طبقة واسعة من الذين وصلوا إلى مراتب عالية من التحصيل الأكاديمي، وهو أمر تستتبعه الرغبة في إكمال جوانب النقص في شخصياتهم، والتي من أهمها الجانب الثقافي، وذلك أسوة بأقرانهم في الدول الأخرى. ويرى المثقفون بأن هذه المنتديات تروي ولو جزءا ولو يسيرا من تعطشهم للثقافة، أو لإظهار ما لديهم من علوم ومعارف اكتسبوها في أروقة الجامعات وبقيت حبيسة الدراسات الأكاديمية وأروقة الجامعات. • رابعا: الرغبة في البروز وإثبات الذات لدى بعض التجار والوجهاء الذين تمكنوا من تحقيق ما يصبون إليه ماديا، ويطمحون إلى تحقيق طموحاتهم المعنوية وتنمية حالة الوجاهة لديهم. وهي رغبة مشروعة خاصة مع بروز شخصيات ورموز – لا يمكن وصفها بأكثر من «تافهة» – فرضت نفسها على المشهد الإجتماعي في البلاد. كل هذه الأمور أدت إلى نمو متصاعد لأعداد ونوعيات المنتديات الثقافية لدرجة أنه يتصادف أحيانا أن يعقد أكثر من منتدى في مدينة واحدة. وقد ألف الأستاذ سهم الدعجاني كتابا ** رصد فيه عشرات المنتديات الثقافية والأدبية في المملكة إن بشكل مختصر أو مفصل. أهمية المنتديات الثقافية: 1- تنبع أهمية المنتديات من أنها تسهم في التواصل الثقافي والفكري بين مختلف طبقات وشرائح المجتمع التي قد لا تجد مجالا لهذا التواصل في أي مكان آخر. ورغم أن هذا التواصل غير معدوم بشكل كامل حاليا، إلا أنه يحصل بصور فردية ومتباعدة في الزمان والمكان، فتأتي المنتديات لتعوض النقص فيه، وتسهم في تعرف كل شريحة وجيل اجتماعي على الآخر، مما يعني تجسيرا للهوة الثقافية بين الأجيال. وهي حقيقة ملاحظة في المنتديات الثقافية في المملكة. 2- تعزز المنتديات الثقافية من قيمة الثقافة والفكر في المجتمع. ففي مجتمعنا يتم تسليط الأضواء على شرائح اجتماعية معينة كالرياضيين والفنانين والمطربين والتجار، لكن المثقفين يفتقدون إلى منابر خاصة بهم، كما يفتقدون إلى من يعطيهم قيمتهم الحقيقية في المجتمع. وغني عن الذكر أن إعطاء قيمة لشريحة اجتماعية يحفز الناشئة على التأسي بها وتقليدها. وتحظى بعض أنشطة المنتديات الثقافية ببعض التغطيات الإعلامية في وسائل الإعلام المحلية وهو ما يحفز على التنافس في الميدان الثقافي والمعنوي وهو بالتأكيد أبقى وأفضل من التكالب على الجوانب المادية أو السطحية في المجتمع. 3- المساهمة في بلورة بعض الأفكار من خلال الإستماع إلى آراء متنوعة في المجتمع حيث تتيح المنتديات الفرصة لمناقشة بعض الأفكار بعيدا عن الرسميات والأطر التقليدية. وفي ظل غياب وجود الإستبيانات واستطلاعات الرأي الإجتماعية، تبدو المنتديات منابر مناسبة جدا لجس نبض الشارع حول بعض القضايا الجديدة أو الشائكة أو المسكوت عنها في وسائل الإعلام المحلية. كما تعتبر المنتديات فرصة لطرح بعض الأفكار التي قد تبقى حبيسة عقول المفكرين والمثقفين وقد لا يجدون المجال للإفصاح عنها في أي مكان. 4- اعطاء أهمية للحوارات البناءة في المجتمع. فالتواجد في المنتديات مع وجود أنظمة تحكم مسيرة الأحاديث واحترام المتحدث وانتظاره حتى يفرغ من حديثه، والتحدث فقط عند وصول الدور للمتحدث، كل هذه الأنظمة والأعراف تعزز من مفاهيم طالما كانت غائبة لدى الكثيرين. كما أن المنتديات تعزز من حالة الإحترام للآخر في الحديث وفي الأفكار وهو من الأهداف الرئيسية للمنتديات. 5- تعزز المنتديات من أهمية الثقافة الشفاهية. فهي تقوم بتأطيرها وإبرازها بشكل حضاري يتسامى فوق الأساليب غير المنظمة في الحوارات مثل بعض الديوانيات الشعبية العفوية والتي يدور فيها الحديث ويتنقل من موضوع لآخر ومن شخص لآخر دون احترام للأساليب الحضارية للحوار. وهكذا فقد يكون عموم المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي في المملكة قد وجدوا في المنتديات الثقافية ضالتهم التي طالما بحثوا عنها. فهي منابر ثقافية مفتوحة ومتواجدة في مختلف الأحياء في المدن السعودية، ولا يشعر الناس بأي حواجز أو حرج في حضورها. تتيح للكبار كما للصغار، وللمثقفين ولأشباههم التواجد تحت سقف واحد يستمتعون فيها بالنقاشات الثقافية ويمتعون فيها عقولهم بالعلوم والمعارف النافعة ويتقبل فيها بعضهم البعض الآخر في أجواء بعيدا عن الهموم والانشغالات اليومية إلى حال السمو الثقافي والفكري البناء.

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد