استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في القطيف ضمن برنامجه الثقافي في ندوته الأسبوعية مساء الثلاثاء الماضي 5/3/1424هـ الأستاذ الدكتور عبد الله الحامد الذي قدم فيه بحثاً قيماً بعنوان المجتمع الأهلي المدني (البحث في سر قوة الغربيين ، وضعف العرب والمسلمين)، وقد قام بتقديم المحاضر الأستاذ ذاكر آل حبيل عضو هيئة تحرير مجلة الكلمة، الذي عرف الدكتور الحامد بأنه ومنذ بداية الثمانينات درج على تقعيد مبدئية الحوار التعددي، والتأسيس لثقافة الشفافية المجتمعية، ومجادلة الآخر بالتعادل الموضوعي للخطاب، وكان أحد فرسان الساحة الثقافية والأدبية في المملكة.
ثم بدأ الأستاذ الدكتور عبد الله الحامد محاضرته مقدماً فيها بإشارة أن النبي الأكرم (ص) لما غير اسم (يثرب) إلى (المدينة)، ونهى صحابته الكرام (رض) عن تسميتها بعد ذلك بالإسم القديم يثرب، إنما كان ذلك دلالة رمزية على تدشين عهد من المدنية، يتضمن تشكيل مجتمع مدني إسلامي، يتسم أهله بأمرين:الأول: الهجرة من طباع البادية إلى طباع الحاضرة.الثاني: التعاون على البر والتقوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثم بين الدكتور الحامد بأن العرب والمسلمين في تاريخهم لم يراكموا هذا التأسيس النبوي لمفهوم المدنية على نحو التفصيل النظري، وبناء هياكل النظم، لكي يحصدوا بذلك النهوض والاستقرار الذهبي، وإنما تركوا كل ذلك إلى ملك عضوض يسوس فيهم بالجهل والاستبداد، لتكون بذلك تاريخية الدولة في المدار العربي والإسلامي هي ركيزة الفشل والإعاقة لنهوض هذه الأمة وتقدمها، خصوصاً الدولة العربية الحديثة، التي تحمل اسم حديثة، والتي فشلت في بناء الدولة النموذجية، وفشلت داخلياً في ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين، أفراداً وجماعات، اجتماعية وثقافية واقتصادية ومدنية، وفشلت في برامج التربية، وفي التنمية والإدارة، وفي ضمان العدالة الاجتماعية، وفي ضمان استقلال القضاء، وفشلت خارجياً في تحرير فلسطين، وفي استقلال الإرادة السياسية؛ ذلك الفشل الذريع كان ولا زال سببه بأن الحكومات ودعاة الإصلاح العربية، ركزت على البنية الفوقية، وسلكت طريق الإدارة المركزية، أي الاستبداد، وهو طريق – في سنن الله الاجتماعية لا يؤدي إلا إلى تضاعف الفساد.
ثم أكد الدكتور الحامد على أن بداية الإصلاح يتأتى بتفعيل الإرادة الشعبية، وتحرير ذهنية الناس من ذلك المفهوم الساذج والصحراوي لمنهج الإصلاح، القائم على صلاح الحاكم، واعتبروه كالقلب الذي إذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله ، إذ توهموا أن الله ـ دائما ـ يزع بالسلطان لا بالقرآن ولا بالأمة، ونادوا “بالمستبد العادل” ونسوا أن المعادلة الصحيحة هي أن صلاح السلطة من صلاح الأمة، وأن صلاح الأمة الذي يفضي إلى صلاح السلطة لا يكون دون رسوخ جذور المجتمع الأهلي المدني وسموق أشجار مؤسساته فيها.
ثم أتى على ذكر معنى المجتمع الأهلي المدني الذي يدور بحثه حول كيفيات تقعيده في ثقافتنا العربية والإسلامية، وعرف (المجتمع) وهو ما يقابل مفهوم الدولة، و(الأهلي) بأنه غير الرسمي الحكومي والمستقل عنه، و(المدني) بمعني مجتمع المدينة، أي نقيض الصحراوي.
وأردف قائلاً أن المجتمع الأهلي يقوم فيه الأفراد والجماعات بنشاطاتهم المستقلة عن الدولة، دون إعاقة الدولة وتدخلها.والمجتمع المدني هو الذي تتوافر فيه ضمانات حقوق الإنسان، كالحرية والكرامة والمساواة وسائر الحقوق المدنية في التعبير والرأي، وغير ذلك من حقوق المواطنة.
وذكر الدكتور الحامد نبذة عن نشوء المفهوم في المجتمع الإنساني الحديث، ثم أكد على ضرورة إعادة صياغة مفهوم المجتمع الأهلي المدني على ضوء الهوية العربية والإسلامية، لا استنساخه كما تم تطبيقه في المجتمعات الغربية.جاء بعد ذلك على ذكر ما سماه شروط السلامة الثلاث وهي:أولاً: ضمان حقوق المواطنين.ثانياً فاعلية المؤسسات الأهلية.ثالثاً: الحكم الدستوري، الفصل بين السلطات الثلاث واستقلال القضاء.
ثم بين طبيعة قيم المدنية، بأنها قيم تحمي الحقوق، وتوفر شرط مؤسسة المجتمع، وقيم السلم المجتمعي، وحقوق المواطنة المتساوية، وإقرار جمعي بشروط التعددية، وقيم التسامح والحوار، وسيادة الشورى الشعبية، ونبذ العنف، وكل ذلك لا يمكن تثبيته كقيمة اعتبارية، ما لم يبث ضمن نظام تربوي فاعل يؤمن القائمين عليه بالمضمون القيمي للمجتمع المدني. ثم قام الدكتور الحامد بتعديد مؤسسات المجتمع المدني والتي تنقسم حسب رأيه إلى أربعة أنواع: 1- الجماعات المهنية.2- الجماعات الاجتماعية.3- الجماعات الثقافية.4- الجماعات الاقتصادية.
وذكر بأن هناك رأياً يقول بالجماعات السياسية كذلك، ويدخل في هذه الأنواع الأربعة الأندية والجمعيات والجماعات المتنوعة؛ فمؤسسات المجتمع الأهلي المدني هي مجموعة التنظيمات الطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي، والتسامح والإرادة السلمية والخلاف.
بعد ذلك شارك مجموعة من الأساتذة الحاضرين بمداخلات أثرت الموضوع وكشفت عن توافق ضمني في اعتبار أن تقعيد مفهوم المجتمع الأهلي والوطني، وتفعليه في حوارنا الوطني، هو من الضرورات الملحة، لكي نصل إلى نهضة إصلاحية وطنية تقي وطننا الغالي الشرور المحدقة به.