أكد أستاذ الفلسفة ومقارنة الأديان بجامعة الملك فيصل الدكتور هاني الملحم في الورقة التي عرضها في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 9 ربيع الثاني 1445هـ الموافق 24 أكتوبر 2024م على التوجهات المعززة للتعددية والتنوع التي تتبناها المملكة ضمن سياساتها المحلية والدولية والتي ستنعكس على المشهد الثقافي المحلي بصورة واضحة، وتناول في الندوة التي أدارها الأستاذ زكي البحارنة وحضرها عدد كبير من المثقفين والشخصيات الاجتماعية البرامج والمبادرات المنبثقة من رؤية المملكة والمتوافقة مع الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها المملكة في هذا المجال.
وقدم عضو المنتدى الأستاذ احمد المغلق الفعاليات المصاحبة التي شملت عرض فيلم توعوي حول أمراض الدم الوراثية بمناسبة أسبوع أمراض الدم الوراثية، وإقامة معرض فني للتشكيلية هويدا الجشي التي تناولت في كلمتها عرضا لتجربتها الفنية من حيث ربط الفن بالتعليم وتطور مسيرتها. وشارك أيضا الأستاذ علي الضبعان معرفا بأهداف وأنشطة وبرامج لجنة “تراحم الشرقية” ومنها زرع وتعزيز قيم التراحم والتواصل في المجتمع، والاهتمام بمساندة المجتمع في حال حدوث الكوارث، وتوعية أبناء المجتمع وحثهم على العمل التطوعي. وتم كذلك عرض وتوقيع كتاب (50 لحظة فوز) للكاتبة ورئيسة قسم التغذية بالمستشفى العسكري الأستاذة فوزية الشهري، حيث تحدثت حول رؤيتها في اصدر الكتاب ومحتواه التربوي والتحفيزي لتطوير الذات.
افتتح الندوة الأستاذ زكي البحارنة بالحديث حول التنوع والتعددية باعتبارهما من المفاهيم الفكرية المتداولة ثقافيا، ولكنها مختلفة في حدود الحاجة إليها وإدارتها، بصورة قد تصل إلى التناقض في مواقف التطبيق والتمثّل على أرض الواقع بسبب الانتقائية وعدم وضوح المفهوم حيث أن له صلة وتماس مباشر مع عدد من المصطلحات والمفاهيم الأخرى كالحرية والمساواة والعدالة وغيرها، مؤكدا على ضرورة الاطلاع على التجارب التي بادرت عمليا في ترسيخ قبول التعددية واحترامها في مجتمعات متنوعة الأعراق والثقافات. وعرف المحاضر الدكتور هاني الملحم بأنه أكاديمي وإعلامي ومدرب معتمد، حاصل على الدكتوراة من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا في تخصص الفلسفة ومقارنة الأديان، وعلى الماجستير من جامعة الملك سعود تخصص “العقيدة والأديان”، وهو عضو بمركز البحوث في معهد الفكر والحضارة التابع للجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا، كما أنه شاعر صدر له ديوان “من تكـون حبيبتي؟”، وديوان ” أحجية على مساقط الضوء”، كما صدرت له مؤلفات ودراسات من بينها: “فقه الحـوار مع المخالف: قراءة في فكر الفيلسوف عبد الرحمن بدوي”، “التعايش السلمي وتعددية الأديان والأعراق”، “دراسة في فكر مهاتير محمد”، “مصطلح التسامح في الإسلام: رؤية فلسفية”، “مقارنة الأديان: مفهومه وموضوعه وطبيعته”.
بدأ المحاضر الدكتور الملحم حديثه بتوضيح دور التعددية والتنوع الثقافي ومكاسبها، في التعريف والتعارف بين الثقافات المختلفة داخل المجتمع الواحد، والاعتراف بشرعيتها كونها مركب ثقافي قائم ومحترم، وأنها تعزز لمساواة بين الثقافات دون أي مركزية أو هرمية، وتحقق النقد الذاتي والمساواة بين هذه الثقافات. وأشار إلى أن التعدد والتنوع الثقافي هما عبارة عن شقين مختلفين؛ فهناك مفهوم للتعدد والتعددية ومفهوم للتنوع الثقافي، مع أنهما يندرجان في فلَك واحد وهو ما تُحققه من ثمار وأهمها التعايش والسلم المجتمعي والتكامل الثقافي، وأضاف أن التعددية كمصطلح يصُّب في دائرة الدلالة بين الشعوب المختلفة في المصدرية ومن بينها الدين كاختلاف المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم، أما التنوع الثقافي فيُستخدم لاختلاف الفكر الواحد ذو المصدرية الواحدة كالاختلاف الحاصل بين أتباع الفرق الإسلامية.
وأوضح في حديثه أن التعددية هي فلسفة سياسية اجتماعية لا تقوم على اجتهاد وجهود جمعيات أو مؤسسات، ولكنها قرار دولة، تستلزم تشريعات وأنظمة وسياسات دقيقة وواضحة، سواء على المستوى الوطني او الدولي حيث أصبحت فلسفة التعددية تحظى اليوم بعدد كبير من المشاركات الدولية، كما تُدرّس فلسفة Cultural Pluralism على مستوى الجامعات العالمية كجزء من المعارف ومن استراتيجيات ومهارات التعامل مع المختلِف دينيا أو ثقافيا. وبين أن مصطلح التعددية نشأ في الغرب وحمل مجموعة من المفاهيم الفلسفية ومن بينها انه يعترف بأكثر من مبدأ أعلى، وفكرة الاعتراف والتعرّف والتعارُف؛ وهي الفكرة الاجتماعية التي تريد أن تؤسسها فكرة التعددية والتنوع الثقافي وتعدد الأجناس والجماعات والأحزاب المختلفة مع بقاء خصائصها المتميزة والمستقلة لكي يخلص المجتمع من الصراعات والنزاعات القائمة على أساس القبليات والطائفيات وغيرها من الانتماءات الأولية. وأشار إلى أن هناك الكثير من الاتفاقيات والإعلانات العالمية الخاصة بالتنوع الثقافي والتي تسهم في التأسيس لبناء مجتمعات متعارفة ومتقبلة لبعضها البعض ضمن أسس ومفاهيم هذا المشروع الفلسفي، وتهدف إلى تركيز أسس السلم العالمي وإغناء التراث الإنساني.
وعرض الدكتور الملحم في جانب من حديثه فلسفة التعددية والتنوع ونشأتها ومصادرها ، حيث أبرز نماذج من التجربة الدينية الإسلامية نظريا وواقعيا في هذا المجال، كما لخص أبرز ملامح التجربة الماليزية في مجال التعددية والتنوع، مستعرضا السياسات الثقافية والتعليمية وخاصة في مجال التدريب على استيعاب وقبول التنوع الثقافي في المجتمع. وتناول تطور فكرة التعددية في المشهد المحلي مرورا بازدرائها في مرحلة من المراحل واعتبارها خروجا عما يُسمى بالتمسك العَقدي أو الضبط العَقدي والنظر لها كمشكلة دينية إلى أن تحولت فكرة التعددية واحترام فلسفة التنوع الثقافي اليوم أفضل نوع من أنواع الاستثمار وخاصة لدى من يرى بأُفق سماحة الإسلام وأخلاقه وضوابطه ويراعي المصالح المشتركة أو ما يُسمى بالمصالح المُرسَلة. وأنهى حديثه بقراءة حول التعددية في المشهد الثقافي المحلي، مؤكدا على تعدد القنوات والبرامج التي تسهم في تعزيز التنوع في المجتمع والتفاعل مع الثقافات الأخرى بصورة متوازنة وفاعلة، معددا نماذج من أشكال التعددية والتنوع في المجتمع السعودي وخاصة بعد رؤية 2030 ومن بينها: تنشيط البرامج الثقافية المشتركة في موسم الحج، وإنشاء العديد من المراكز الأدبية والفكرية والثقافية، والعمل على محاربة الطائفية والعنصرية وتجريمها، وتنوع أنشطة وبرامج الهيئات الثقافية المختلفة.
بدأت مداخلات الحضور بتساؤل من الدكتور عبد العزيز الحميدي حول المنهجية والميكانزيم التي اتبعتها ماليزيا لتثبيت أسس التعددية والتنوع في البلاد، وطرح الأستاذ نادر البراهيم مداخلة تتعلق بضرورة تربية الأجيال الناشئة على مبادئ القبول بالأخر وغرس مفاهيم التعددية لديهم بعيدا عن المذهبية ومن خلال الحوار المفتوح وقبول الاختلاف. وأشارت الأستاذة عقيلة الخنيزي إلى مشكلة انتشار التطرف من خلال وسائل وقنوات التواصل الاجتماعي حيث يتم التكفير والتشهير لمجرد الاختلاف في الرأي او المعتقد، وأكد الأستاذ طارق المالكي على ضرورة تدريب النشأ على تقبل الاختلاف وتدريسه لهم مشيرا لكتاب للشيخ صالح بن حميد عن أدب الاختلاف، وموضحا أن العقل العربي المعاصر بشتّى أفكاره لا يقبل الرأي المغاير كما هو الحال في كثير من المجاميع الثقافية.
وتساءل الشيخ حسين آل قريش عن مدى إمكانية استنساخ التجربة الماليزية على مناطق فيها اختلاف مذهبي وكيف تحدد مسئوليات الأطراف المعنية في هذا المجال، وطرح الأستاذ حيدر الجوار قضية اعتقاد البعض بأن التعددية الثقافية والدينية هي عبارة عن تغريب إلزامي للمجتمعات الشرقية وأن التعصب للرأي أو المذهب هو الأصل، متسائلا عن كيفية التصدي لمثل هذه الآراء والرد عليها. وطرح الأستاذ منصور العلوي إشكالية التنظير والدعوة للتعددية المطلقة التي قد لا تكون لها ضوابط وتستلزم الانفتاح على كل الأطياف المختلفة، حتى لو كانت متعرضة مع قناعات المجتمع المسلم، مشيرا إلى وجود أطراف لا تزال ترى في صراع الحضارات ثقافيا ودينيا هو المسار القادم.
وطرح الأستاذ جعفر الشايب تساؤلا يتعلق بطبيعة وخصوصية بعض المجتمعات البشرية ومدى قابليتها للتعايش أو الصدام كالمجتمعات الغربية والشرقية والآسيوية مثلا، وكذلك ماهي احتمالات الارتدادات العكسية لمسارات التعايش في هذه المجتمعات.
لمشاهدة الأمسية كاملة على اليوتيوب:
كلمة المعرض الفني (هويدا الجشي) الأسبوع الثاني:
التعريف بلجنة تراحم الشرقية (علي الضبعان):
كلمة الكاتبة فوزية الشهري (50 لحظة فوز):