د. البريدي يحاضر حول امبريالية الشذوذ

469

في ندوته الثقافية العاشرة للموسم الثقافي الرابع والعشرين، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي الدكتور عبد الله البريدي في محاضرة ثقافية تحت عنوان “وقفات مع كتاب امبريالية الشذوذ: النموذج التفسيري لظاهرة الشذوذ الجنسي”، وذلك مساء الثلاثاء 25 ربيع الأول 1445هـ الموافق 10 أكتوبر 2024م، وأدارتها الأخصائية النفسية الأستاذة نادرة الحمدان. واستعرض البريدي في الندوة التي حضرها جمع كبير من المثقفين والمهتمين أهمية الاستناد الى النماذج التفسيرية في الأبحاث الاجتماعية بدلا من التعريفات المقفلة وخاصة في مجال تعريف الظواهر، حيث أن ضيق التعريفات تحد من القدرة على معالجة شبكة العوامل المؤثرة في الظاهرة، داعيا إلى إنشاء “حلف الإنسان السوي” بقيادة المملكة العربية السعودية لمواجهة الاتجاهات والتيارات المتنامية لنشر الشذوذ الجنسي في العالم.

وبدأت فعاليات اللقاء التي قدمها عضو المنتدى الأستاذ محمد المرزوق بعرض فيلم قصير بمناسبة اليوم العالمي للصحة النفسية، تبعه كلمة للفنانة سميرتي سينغ التي أقامت معرضا فنيا لها في المنتدى، تحدثت فيها حول مسيرتها في العمل الفني التشكيلي واهتمامها بالموروث الشعبي المحلي حيث عاشت سنوات طويلة في المنطقة وزارت العديد من المواقع التراثية والاثرية. وتم تكريم النهام محمد السنونة نظير جهوده في المحافظة على الموروث الشعبي، من خلال اسهاماته المتواصلة في احياء المناسبات المحلية والوطنية بتقديم مواويل بحرية عريقة. وتحدثت الكاتبة نجفية حمادة حول تجربة في الكتابة الأدبية مستعرضة فيها إصدارها “نجوم السماء” الذي وقعته في نهاية الأمسية.

افتتحت الأستاذة نادرة الحمدان الندوة بالحديث حول انتشار وشيوع ظاهرة الشذوذ الجنسي؛ والتي أصبح خطرها محدقا بكل أسرة على نحو غير مسبوق تاريخيا باعتبارها نموذجا مفروضا وبصورة صارخة على المجتمعات الإنسانية. وعرفت بالمحاضر الأستاذ الدكتور عبد الله البريدي وهو أستاذ السلوك التنظيمي بجامعة القصيم، حاصل على البكالوريوس في العلوم الإدارية من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أنهى الماجستير في العلوم والمحاسبة من جامعة الملك سعود، ويحمل درجة الدكتوراه في السلوك التنظيمي من جامعة مانشستر، له العديد من الاسهامات البحثية وحائز على ثلاث جوائز بحثية، وصدر له “التنمية المستدامة”، “نحو دراسة الشخصية المحلية”، “اللغة لا تحمي ذاتها”، “كينونة ناقصة”، و “إمبريالية الشذوذ”.

بدأ الدكتور البريدي حديثه بالإشارة الى أن معظم طرق البحث العلمي مصابة بالانحياز للتعريف المغلق، بمعنى أن الباحث يتجه صوب الأدبيات المتخصصة ليلتقط تعريفا للظاهرة المطلوب البحث حولها، مما يعني انحشار الظاهرة في ضيق التعريف المُلتقط من الأدبيات. ودعا إلى الاتجاه نحو النماذج التفسيرية للارتحال من ضيق التعاريف إلى شساعة النموذج التفسيري؛ حيث يفترض أن يكون البحث العلمي منطلقا من النظر للظاهرة دون تعريف مسبق مما يعطي مرونة أكثر في العملية البحثية وجمع المعلومات وليس ضمن المدخلات المسبقة فقط، وأكد في حديثه على أهمية مقاربة النموذج التفسيري للواقع كي يكون أكثر قدرة على التعرف على مختلف عوامل التأثير. واستعرض أبرز ملامح منهجية النماذج التفسيرية وهي أن تكون البيانات والمعلومات مجرد منصة للانطلاقة البحثية وليست هي النهاية، وأن العقل مملوء بافتراضات مُسبقة ويتطلب البحث الدقيق الخروج من الذاتوية، والانعتاق من المقولات السائدة وبالتالي استعادة الوعي بالنموذج الإدراكي. ومن ملامح النماذج التفسيرية أيضا تحديد الظاهرة والنص بدقة والقراءة عنها وملاحظتها وتأملها، وكذلك التفكيك والتجريد والتركيب داخل الظاهرة نفسها، وربط الظاهرة بسياقها الخارجي، وكذلك التحليق والتحديق في الظاهرة من خلال النظرات الكلية المعمقة ثم الوصول للأنماط الكامنة. وأضاف في تعريفه للعلم بأنه محاولة القبض على الاضطراد في العالم.

وتساءل الدكتور البريدي في حديثه حول ظاهرة الشذوذ الجنسي عن أسباب الحماسة لنشرها عالميا، مشيرا إلى أن البحث عن اللذة ليس تفسيرا شاملا لانتشار هذه الظاهرة، مستعرضا دراسة في المجتمع الأمريكي تم نشرها تشير إلى التحكم الشديد في الفرد يولد شعورا بالانسحاق لديه مما يدفع للتمرد والاحتجاج على السلوك الاجتماعي العام. وطالب بضرورة عدم القبول بالتطبيع مع هذه الظاهرة عبر اطلاق مسميات ذات مدلولات مخففة عن كونها شذوذا، وناقش العديد من المفاهيم الآراء التي طرحها المفكر عبد الوهاب المسيري الذي كان من الأوائل الذين تنبؤوا بهذه الظاهرة. كما ناقش أسباب انتشار ظاهرة الشذوذ الجنسي معللا ذلك بأسباب دافعة برانية كالسلعنة والغايات السياسية ودوافع جوانية نشأت بعد انطلاق الإعلان عنها وتطبيعها حتى تحولت لحالة تنطلق ذاتيا. كما طرح السيناريوهات المستقبلية لظاهرة الشذوذ كزيادة معدلات الاستغناء الجنسي، وزيادة سلعنة الشذوذ مع انتشار الفضائيات والشبكات المظلمة، وروحنة الشذوذ الجنسي، وفرضه في الفعاليات الدولية.

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المستقبلية المحتملة لظاهرة الشذوذ الجنسي، أوضح البريدي أن السيناريو الأول هو زيادة معدلات الاستغناء الجنسي أي الاستغنائية الجنسية؛ بمعنى أن الإنسان يكتفي بالتمتع بجسده ذاته للحصول على الشهوة الجنسية دون أية التزامات تجاه الاخرين، والسيناريو الثاني هو زيادة سلعنة الشذوذ بصورة متسارعة وكبيرة، أما السيناريو الثالث فهو روحَنة الشذوذ الجنسي أو الحلولية الجنسية، وتعني ممارسة الشذوذ بطريقة فيها جانب روحاني من خلال ما يسمى بالروحانيات الجديدة، التي  ما تسمى بالروحانيات الجديدة حيث ترى أن الإنسان عندما يمارس الشذوذ الجنسي إنّما يُمارس عملا روحيا. وأضاف أن السيناريو الرابع والمخيف هو فرض الشذوذ أي الإمبريالية الجنسية، من خلال شذوَنة الفعاليات الدولية في محاولة لفرض تقبل هذه الأشياء في الفعاليات الأممية والدولية. وناقش في نهاية حديثه مسارات الحلول المقترحة ومن بينها المسار الديني الأخلاقي، والمسار التربوي المجتمعي، والمسار التشريعي القانوني، والمسار السياسي.

بدأت مداخلات الحضور بتعقيب من الدكتورة وجيهة البحارنة تناولت فيه أبعاد هذه الظاهرة الخطيرة والسريعة الانتشار مما يعني الخوف بالذات على الاجيال القادمة حيث لا تصمد أمامها أخلاق ولا قيم، مطالبة بالقيام ببعض المبادرات الجماعية الفعالة للانتقال لوضع الإنسان السوي؛ وأشارت إلى دور بعض الهيئات والجهات المطالبة بالحرية والمساواة والاستقلالية حيث أنها ليست كلها بريئة فهي تؤثر على تماسك الاسرة وتدفعها للتفكك والضياع. وتحدثت الدكتورة رنا الصيرفي حول موضوع اضطراب الهوية الجنسية والفطرية لدى الأطفال وخاصة مع غياب الأب عن التواجد مع الاسرة والتفاعل مع أبنائه حيث ينتج عن ذلك نمو سمات انثوية أحيانا لدى بعض الأبناء أو بسبب حالات التنمر التي يتعرضون لها في المدارس، وبالنسبة للبنات فقد تؤثر حالات الفراغ أو التمييز في التعامل مع الاخوة الذكور في نشوء حالات من التمرد.

وجاءت مداخلة الدكتور عارف الموسوي في إشارة على وجود ظاهرة نصيّة وظاهرة مجتمعية في المحاضرة وهو تمييز دقيق، متسائلا عن مدى التعالق بين حضور ظاهرة الشذوذ الجنسي مع أفكار الدكتور المسيري، وعقب الأستاذة نادر البراهيم بالتأكيد على التحول الكبير في المجتمع الأمريكي خلال الفترة الماضية تجاه موضوع الشذوذ الجنسي وانتشاره بصورة ملحوظة مشيرا إلى أن البعض يرى أن الديمقراطيين كانوا يعانون من عدم القدرة على التجييش في عملية التصويت، باعتبار ان الشذوذ الجنسي ضمن الحريات الشخصية التي تؤكد عليها اطروحات حقوق الانسان التي يتبناها الديمقراطيون مما جعلها قضية جماهيرية مشتركة. وذكر الأستاذ محمد التاروتي في مداخلته أهمية طرح المقولات التأسيسية للظاهرة قبل أن تُصبح خطابا يُراد فرضه، مشيرا إلى أن اللذة المتحررة من كل قيد لا تتحقق من خلال الشذوذ الجنسي لأن فيه ارتباط باخرين.

التغطية الإعلامية

 

لمشاهدة كافة الصور اضغط هنا

 

لمشاهدة الأمسية كاملة على اليوتيوب:

 

كلمة المعرض الفني (سميرتي سينغ) الأسبوع الثاني:

 

مشاركة النهام محمد السنونة (تكريم شخصيات):

 

كلمة الكاتبة نجفية حمادة (تكريم شخصيات):

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد