أكد خبراء في العمارة والتصميم الداخلي أن هناك تغيرات ملحوظة في ثقافة البناء لدى أفراد المجتمع السعودي ناتجة عن التطورات المتلاحقة التي يعيشها المجتمع. جاء ذلك في الندوة التي أقامها منتدى الثلاثاء الثقافي، وحضرها مختصون في العمارة والتصميم وطلبة جامعيون بالإضافة الى بعض رجال الأعمال في المجتمع، وذلك في مساء الثلاثاء بتاريخ 5 جمادى الأول 1444هـ الموافق 29 نوفمبر 2022م تحت عنوان “المنزل المعاصر بين أناقة التصميم وضبط التكلفة”، والتي حاضر فيها كل من المهندس مهدي البحراني والمهندسة أزهار آل سواد، وأدارتها الأستاذة جنان العبد الجبار، وشارك فيها المهندس زكي البريكي كضيف شرف.
قدمت عضو المنتدى الأستاذة هدى الناصر الفعاليات المصاحبة للندوة بكلمة تعريفية رحبت فيها بالحضور، تلى ذلك عرض فيلم توعوي قصير بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. تلى ذلك مشاركة للفنانة منتهى ال إسماعيل التي تحدثت عن تجربتها الفنية ونظمت معرضا فنيا في المنتدى لأعمالها المختلفة والتي عبرت عن أبرز التحولات التي مرت بها خلال مسيرتها الطويلة. كما تم تكريم الطالبة الجامعية حوراء ال سويكت العضو السابق في برنامج “سفراء مستقبلي” والتي تم اختيار مجموعة من أعمالها في معرض Codex22، حيث تحدثت حول مسيرتها وانجازاتها العلمية، وتحدث أخير الكاتب محمد الدرازي حول مجموعة اصداراته عن الثقافة الاوزباكستانية، متناولا رحلاه التي تعايش فيها هناك مع المجتمع، ووقع كتبه في نهاية الندوة.
افتتحت الندوة عضو المنتدى الأستاذة جنان العبد الجبار متحدثة حول أهمية ومكانة التصميم في عملية البناء والتغيرات الجارية في ثقافة المجتمع السعودي حول البناء وطرقه واساليبه، مضيفة أن محاور الندوة تشمل عدة مواضيع من بينها: العمارة الحديثة والتأثير الاجتماعي، وتقنيات تخفيض تكلفة البناء، والأبعاد الإنسانية والاتجاهات الحديثة في التصميم الداخلي، ودور التصميم في خلق البهجة والراحة. وعرفت بضيوف الندوة وهما الاستاذة أزهار آل ماجد مهندسة تصميم داخلي، حاصلة على درجة البكالوريوس من جامعة الأمير محمد بن فهد بالخبر، وهي مؤسسة مكتب أزهار ماجد للتصميم الداخلي، كما أنها مدربة معتمدة وقامت بتدريب طاقم تعاوني للجامعات، وعملت تصاميم لأكثر من ٣٠٠ مشروع سكني في المملكة. أما المهندس مهدي البحراني فهو حاصل على بكالوريوس هندسة معمارية، وأسس عدة شركات مقاولات واستشارات هندسية، وعمل على تنظيم العديد من المؤتمرات المحلية والدولية، وعمل مبادرة المواقف المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ومبادرة السلامة المرورية، وشارك في وضع خطط استراتيجية لتطوير المكاتب الهندسية والاستشارية على نطاق المنطقة الشرقية.
بدأ المهندس مهدي البحراني حديثه بالقول إلى أن هناك تغير ملحوظ في مفهوم البناء في ثقافة المجتمع السعودي، لكون فكر الانسان وحاجاته تبدلت مع مرور الزمن، حيث كان يعتمد على البساطة في البناء واستغلال المساحات ثم أصبح معقدا بصورة تدريجية، مضيفا أن مساحات البناء كانت كبيرة والآن بدأت تصغر، كما أن تقنيات البناء تغيرت بسبب تبسيط مكونات البناء وتطور التقنية التي سهلت اعمال البناء وانعكست على التكلفة والجودة، مؤكدا على أن التقنية قللت التكاليف واختصرت الوقت وخاصة باستخدام القوالب الجاهزة والعزل. وأوضح أن واقع الحي ودور المبنى والشارع في الحياة الاجتماعية اختلف عما كان عليه سابقا، مما انعكس سلبا في بعض الحالات على التواصل الاجتماعي بين الناس، وافقد التواصل الاجتماعي المباشر حتى في المناسبات الاجتماعية للتعارف بين الجيران، وأعاد التفكير لطرح مبادل أكثر ملائمة واتساقا مع النمط المعيشي للمجتمع.
وبين أن تشابه أشكال وتصاميم المباني أدى الى نوع من الملل، موضحا أن الاشتراطات الفنية ساهمت في التكرار وحدت من الابداع، موضحا أن بعض المباني أصبحت ذات قيمة لأنها تعيد الذاكرة الذهنية للمدينة، وتطور النسيج العمراني الحديث، وتعطي اولوية للإنسان. مؤكدا على أن اضافة الفنون التي تتميز بها المنطقة على المباني يضفي عليها نسب جمالية اكثر. وحول تكلفة البنا، أوضح المهندس البحراني أن تكاليف البناء أصبحت أكثر تحديدا ووضوحا من ذي قبل حيث أن المواد وتكلفتها يمكن حسابها مسبقا، مضيفا أن التكلفة تعتمد في الأساس على مساحة البناء والكماليات التي تتطلب الدمج أحيانا من خلال التصاميم الحديثة والتفاعل بين مكونات المبنى.
وذكر في ختام حديثه بعض التوصيات الأساسية في عملية البناء، من بينها اطلالة المكان على مختلف زوايا البيت لخلق جو عائلي جميل وتواصل بصري بين أفراد العائلة لقلة الحواجز والابواب، واختيار مكان جذب رئيسي للعائلة في المبنى، وتقليص نسبة مساحات الضيافة، والاستفادة من الحديقة كفراغ رئيسي ضمن مكونات البيت واستغلال السطح، مشيرا إلى أن طبائع حياة كل فرد تؤثر على احتياجاته في التصميم السكني.
انتقل الحديث بعد ذلك للمهندسة أزهار آل ماجد التي ركزت فيه على الأبعاد الإنسانية في التصميم الداخلي، والاتجاهات الحديثة للتصاميم، ودور التصميم في خلق البهجة والراحة والسعادة. وشرحت ضمن حديثها مقولة ذات علاقة بالبناء وهي أن الإنسان يقوم بتشكيل المباني وبعدها تقوم المباني بتشكيل الإنسان، مركزة على أن هناك عدة عناصر رئيسية في تصميم البناء وهي الابداع، والجمال، والابتكار، والفن. وانتقلت للحديث عن تطور الفن المعماري والهندسي بالمملكة وخاصة مع النهضة الفنية والهندسية التي تعيشها في هذه المرحلة، والتركيز على الأفكار الخيالية والمستقبلية.
وناقشت بعد ذلك الأبعاد الإنسانية في التصميم الداخلي، موضحة أن تواجد الانسان في المكان من خلال العين، حيث تنبض مشاعر الروح فور تواجد عناصر أساسية تقوم على عمليات وظيفية، واسترخاء، واستشعار بالإبداع، والفن. وأوضحت أن التصميم هو عملية هندسية دقيقة ومدروسة تتبع المعايير العالمية، ولها هيكل أساسي يضرب على اوتار الإنسان الوظيفية والنفسية والعلاجية والجمالية، ويحقق الهدف من تواجده ووجوده الإنساني. وأضافت أن التصميم الإنساني هو الذي يقوم بتوفير جميع احتياجات الإنسان الأساسية والثانوية وتعزيزها وتطويرها وتحفيزها وتهيئتها لتكون قابلة للتفاعل مع البيئة والإنتاج، والنمو، والتطور، والقبول.
وبينت المهندسة آل ماجد أن كل إنسان لابد من توفر تصميم داخلي يوافق احتياجاته الإنسانية وحسب المراحل العمرية التي يمر بها، فالطفولة تتطلب أماكن وتصاميم مناسبة للخيال واللعب والتجربة والمغامرة، بينما أماكن الشباب تتطلب التفكير والتحليل والتأمل والصمت والحركة والتفاعل والتجربة والإنجاز، وأخيرا فكبار السن يتطلب تصميم أماكنهم التحفيز والتطوير والتشجيع والسكينة، والتأمل، والهدوء، والرعاية. وأنهت حديثها بالقول أن التصميم الداخلي الحديث هو الذي يعتمد على جودة الفكرة الهندسية والجو العام المناسب لكل إنسان مع إضافة حس المهندس الداخلي المبتكر والمميز، مضيفة أن المساحة السعيدة في المبنى هي تلك التي توفر عناصر البهجة والسرور وتقوم على تلبية احتياجات الانسان التي ترتبط بنفسيته وكيفيه ربطها بوجود عناصر تساعد على علاجها وإعطائها السكينة، والطمأنينة، والهدوء النفسي، والمعنوي.
وبدأ فقرة المداخلات الأستاذ احمد السعدي بالقول أن البيوت القديمة فيها جمال وراحة أكثر من البيوت الاسمنتية الحالية، وعبر الأستاذ محمد الدرازي حول أهمية العودة إلى مواد البيئة المحلية للبناء لتقليل التكلفة. وتناول الأستاذ نادر البراهيم في مداخلته كون التصميم نابع من قاطن البيت نفسه والمصمم يساعده في تطويع التصميم، مضيفا أن الحارات القديمة تغيرت وأجبرت على التحول للتصاميم الحديثة، كما أن مداخيل الناس لا تمكنهم من دفع تكاليف لتصاميم عالية.
وأضاف الأستاذ علي الرضي أن العميل يتعامل حاليا مع مؤسستين هما مصمم المبنى وبعده التصميم الداخلي، حيث يرى أنه من المهم المزج بينهما لعله يكون هو الحل الأمثل. وعقب الأستاذ عبد الله شهاب بالقول أن ارتفاع أسعار البناء هو بسبب كود البناء السعودي الذي انعكس على مكاتب التصميم الداخلي، بالإضافة لكون المشكلة تمكن في التنفيذ وخاصة في التصميم الداخلي. وتحدث ضيف الشرف المهندس زكي البريكي في نهاية الأمسية معقبا على ماورد فيها بالقول أن التصاميم القديمة الجماعية يصعب إعادتها بشكل عام الا اذا كانت ضمن مجمعات، كما أن الكتل الخرسانية والجملونات التي كانت سائدة مكلفة دون فائدة، وأن الالوان والاضاءة تلعب دورا كبيرا للراحة في المنزل.
لمشاهدة المحاضرة كاملة على اليوتيوب:
كلمة الأستاذ محمد الدرازي:
كلمة المكرمة الأستاذة حوراء آل سويكت:
كلمة ضيف الشرف الأستاذ زكي البريكي: