د. حسن مدن
تشرفتُ بالمشاركة، في الأسبوع الماضي، في حفل تكريمي أقيم في مقر جمعية الثقافة والفنون بمدينة الدمام بالسعودية، ونظمّه ملتقى «الثلاثاء الثقافي». لذكرى الشاعر السعودي علي الدميني الذي غادرنا قبل شهور قليلة، مخلفاً إرثاً شعرياً وأدبياً وثقافياً ثريا، شكّل إضافة نوعية لمسار الحداثة الثقافية في السعودية والمنطقة.
شاركني في تلك الأمسية الناقدة والأكاديمية السعودية د. فوزية أبو خالد، والشاعر طلال الطويرقي، فيما ألقت أرملة الفقيد الأستاذة فوزية العيوني واحدة من القصائد الأخيرة، غير المنشورة، لزوجها، قائلة إنها ستكون واحدة من قصائد مجموعة شعرية جديدة للدميني كتبها في الفترة الأخيرة قبل رحيله.
في ورقتي في الحفل تناولت ما وصفته جريدة «عكاظ» السعودية ب«التجربة الشعرية لعلي الدميني من منظور ثقافي»، وفيها رأيت أن الدميني بما يملك من رؤية معرفية واسعة تقصى في العديد من مباحثه وحواراته، أوجه الحداثة في بلاده والمنطقة متحاشياً المنزلق الذي وقع فيه آخرون حين حصروا حديثهم عن الحداثة في الجانب الأدبي، بالتركيز على التجارب الشعرية والسردية والدراسات النقدية، لينظر إلى هذه الحداثة بوصفها مشروعاً فكرياً واجتماعياً اشتمل في حركته على قيم التنوير كالعقلانية وحرية الفكر والضمير والتفكير والإبداع والتقدم، والمساواة، والرفع من مكانة المرأة.
لا يصحّ، بطبيعة الحال، التقليل من أهمية الحداثة الأدبية والانفتاح على المدارس والمناهج والتجارب الجديدة في دنيا الأدب، ويحدث كثيراً، وربما غالباً في الكثير من المجتمعات، أن تسبق الحداثة الأدبية أوجه الحداثة الأخرى، ولكن علينا أن نقرأ ذلك في سياق تحوّلات أشمل، اجتماعية وسياسية وفكرية، وربما نرى في تلك الحداثة الأدبية علامة على جاهزية المجتمع المعني لفكرة الحداثة عامة، وهذا ما نحسب أن علي الدميني كان واعياً له، وهو الذي أكدّ في أحد الحوارات الصحفية معه «أن الشاعر الحداثي لا بد أن يكون حداثياً في ثقافته وفكره ورؤيته وموقفه، وفي مسيرته الحياتية اليومية في مجتمعه».
وفي سيرة الدميني الآتي من ريف الباحة الجنوبي في المملكة العربية السعودية إلى الظهران على ساحل الخليج العربي في عام 1968، تتجسد سيرة المبدع والإنسان الحداثي المشتبك مع قضايا ناسه ووطنه وأمته، بكل صدقٍ وإيثارٍ وتفانٍ، وهو القائل «ولي وطنٌ قاسَمتهُ فتنة الهوى، ونافحتُ عن بطحائه من يقاتلُه».