أكد الفنان التشكيلي الرائد الأستاذ عبد الرحمن السليمان على أهمية إنشاء أكاديميات ومعاهد فنية متخصصة في المملكة تهتم بتنمية الفنون التشكيلية وتطوير تجارب الرواد وتوثيقها، جاء ذلك ضمن المحاضرة التي ألقاها في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 28 رجب 1443هـ الموافق 1 مارس 2022م، والتي كانت تحت عنوان “الفن التشكيلي السعودي والتحولات الثقافية” وأدارها الفنان عبد العظيم ال شلي، كما حل مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام الأستاذ يوسف الحربي كضيف شرف في الندوة.
بدأت الندوة ببعض الفعاليات المصاحبة شملت تكريم الإعلامية شادن الحايك نظير جهودها الإعلامية المتميزة ودورها في ابراز العديد من القضايا الاجتماعية حيث تحدثت عن مسئولية الإعلامي الملتزم ومختلف وسائل الاعلام وخاصة الالكترونية في التركيز على القضايا الجوهرية والابتعاد عن الإثارات. كما تحدث الأستاذ محمد الزاير حول مشروع “جماعة رصد وحماية الطيور” وأهدافها وبرامجها كمبادرة أهلية تهدف لعمل قاعدة معلومات علمية حول مختلف أنواع الطيور المحلية والمهاجرة في المنطقة حيث نظموا معرضا فنيا تعريفيا بالطيور، وشارك الشاعر مصطفى الكحلاوي بالتعريف بتجربته الشعرية وبديوانه الذي وقعه في نهاية الحفل “بعد عينيك لن أعشق”.
قدم مدير الندوة الأستاذ عبد العظيم آل شلي المحاضر على أنه من مواليد الأحساء عام 1954م، بدأ مسيرته الفنية عام 1971م، وعمل محرراً للفنون التشكيلية بجريدة اليوم عام 1983م وأشرف على صفحتها التشكيلية، كتب ونشر في العديد من المجلات والصحف السعودية والخليجية والعربية، وألف عدة كتب فنية ابرزها كتاب بعنوان “مسيرة الفن التشكيلي السعودي” ويعتبر أول كتاب عن الفن التشكيلي السعودي، كما رأس قسم الفنون التشكيلية بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، كما أنه أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية. وتحدث الفنان آل شلي حول السليمان معرفا إياه بأنه المرجع الأول الذي يحكي جذور مسيرة التشكيل في المملكة بمؤلفه “مسيرة الفن التشكيلي السعودي” وهو من سعى لتأسيس جمعية خاصة بالتشكيليين (جسفت).
بدأ المحاضر حديثه حول التجارب الأولى للفن التشكيلي في المملكة حيث وصفها بأنها تتشابه مع مثيلاتها عند الفنانين العرب، فقد بدأ الكثيرون ممارسة الفن قبل أن يتلقوا دورساً فنية وافية تعينهم على تحديد رؤاهم أو مسالكهم الفنية، وبدأت التجارب الأولى محاكية أو خيالية ومن الذاكرة (اجتهادية) حيث الطبيعي، والبيئي أو الاجتماعي أو الذاتي. وأوضح أنه نظراً لاختلاف وتنوع طبيعة المملكة، فقد ظهر هذا التنوع في الشكل وانعكس على اللوحة الفنية، فالرسام يوثق أو يعبر عن مكانه أو محيطه، والبيئة في المنطقة الجنوبية لها خصوصيتها من أرض خضراء، وجبال شاهقة، ومعمار متميز تمثل في أعمال عدد من فناني أبها كعبد الله الشلتي وسعود القحطاني وحسن عسيري وفايع الألمعي وغيرهم. وفي جيزان حياة أكثر بساطة، حيث البحر والسواحل وبقايا طراز المسكن التقليدي، وقد تمثلت هذه المظاهر في بعض أعمال ناصر الرفاعي وعبد الوهاب عطيف، ومهدي راجح.
وانعكست مظاهر مكة المكرمة والمدينة المنورة في أعمال الفنانين عبد الحليم رضوي، ويوسف جاها، ومنصور كردي، وفؤاد مغربل، كما كانت أعمال الفنانة صفية بن زقر انعكاساً للحياة الاجتماعية التقليدية في منطقة الحجاز بشكل عام ومكة المكرمة وجدة بشكل خاص. وفي المنطقة الوسطى تمثلت الصحراء بامتداد كثبان الرمال وتميز المعمار والواحات كما في أعمال الفنانين محمد السليم المبكرة وعلى الرزيزاء، وسعد العبيد، وإبراهيم الزيكان، كما انعكست مظاهر الحياة الريفية والسواحل البحرية بالقطيف في أعمال الفنانين علي الصفار، ومنير الحجي، وعبرت أعمال للفنانين محمد الصندل، وأحمد المغلوث وعبد الرحمن الحافظ عن مظاهر الحياة الاجتماعية التقليدية والحياة الزراعية في الإحساء.
وأضاف السليمان أن البدايات الموثقة للفن التشكيلي في السعودية كانت في الستينات الميلادية مع الابتعاث لمصر وإيطاليا ثم لفرنسا وأمريكا، حيث رجع عبد الحليم رضوي وأقام معرضا شخصيا عام ١٩٦٥م، كما شهدت أواخر الستينات معارض عبد العزيز بن الحماد وصفية بن زقر وغيرهم، وكذلك فإن محمد السليم بعد عودته من إيطاليا أقام معرضا ١٩٦٧م مع بداية ظهور منهج التربية الفتية في المدارس. واستعرض عددا من مبادرات فنانين تشكيليين بدأوا في الانتقال من الحالة التقليدية للحداثية وخاصة ممن تأثروا بالمدارس الفنية العربية والغربية من خلال الابتعاث والدراسة أو التعلم على أيدي أساتذة في معاهد المملكة ومدارسها. وأوضح أن هذه المحاولات الأولية التي كانت تعبر عن حداثة فنية ظهرت مع إنشاء جمعية الثقافة والفنون عام ١٩٧٣م ومع قيام الرئاسة العامة لرعاية الشباب حيث بدأ الاهتمام بالمعارض الجماعية وبروز بعض الفنانين بنماذج الحداثة في الفن للتشكيلي واستلهام المدارس الفنية الحديثة المعروفة عالميا.
وتحدث حول المرحلة الثالثة في مسيرة الفن التشكيلي السعودي مع بداية الألفية الثالثة عندما اتخذت بدأت اعمال الميديا تبرز بشكل أكبر وظهر استعمال الخامات الحديثة لتعمل في هذا الإطار ضمن الأساليب الحديثة من خلال الميديا والخامات التي اعتبرها نقلة نحو الفنون المعاصرة. وفي رده على أسئلة الحضور من الفنانين والمهتمين بين أنه بذل جهدا كبيرا في توثيق الكتب التي اصدرها حول الفن التشكيلي في على مستوى المملكة وكذلك في المنطقة الشرقية، وأن هناك توجه حاليا للاهتمام بالنحت وبمختلف أشكال الفنون الحديثة، موضحا أنه لحد الآن لم تتولد مدرسة فنية سعودية مميزة لتعدد الاتجاهات الفنية وعدم وضوح المعالم العامة للتجربة الفنية ولغياب التشابه بين التجارب.
وبدأت مشاركات الحضور بمداخلة من الأستاذ علوي الخباز الي أثنى على المحاضر وتواضعه في أنه لم يذكر تجربته الفنية الشخصية مع أن أعماله تم عرضها في مواقع عالمية معروفة، مطالبا بضرورة توثيق الفنون في المنطقة وتاريخها. وأكد الأستاذ عبد الرسول الغريافي على ضرورة الاهتمام بالنحت كأحد الفنون التطبيقية وليس فقط بالفن التشكيلي مشيرا إلى ضرورة تبادل الخبرات العربية والدولية، كما تساءل الأستاذ عادل جاد عن مدى الأثر الذي تركته تجارب الفنانين السعوديين في نشوء مدرسة فنية متميزة كمدرسة بغداد او الخرطوم مثلا.
وطرحت الأستاذة احلام المشهدي في مداخلتها تساؤلا حول مستقبل اللوحة التشكيلية في ظل تغير مفاهيم الفن مع الذكاء الاصطناعي، وكذلك عن مستوى المعاهد الفنية في المملكة ومدى قدرتها على منافسة مثيلاتها في العالم العربي، واستعرض الفنان محمد المصلي في مشاركته بدايات الحركة الفنية في المنطقة وأسباب تراجعها في بعض المراحل مشيرا إلى دور الأندية الرياضية في احتضان الفنانين حينها. وعبر الأستاذ نادر البراهيم عن أمله في أن تركز الندوة على تاريخ الفنون التشكيلية في المملكة ومراحل تطور هذا الفن زمنيا، حيث لم يتم التعرض للفن في الحاضر، وكذلك التغيرات التي جرت على الحركة الفنية منذ السبعينات الى الان وموقعها عالميا.
واسترجع الشاعر خالد الخالدي بعض معلوماته حول زيارات الملك سعود المتكررة للمنطقة في الخمسينيات ولقاءاته بالفنانين وإقامة أول معرض فني في بلدية الخبر وكانت هذه الفعاليات يغطيها تلفزيون أرامكو حينها. كما ذكر الأستاذ فوزي الدهان بدور الخطاطين منذ الستينات في المنطقة والذين كانوا يتفاعلون مع زيارات الملوك المستمرة، وفي نهاية الندوة ألقى مدير جمعية الثقافة والفنون بالدمام الأستاذ يوسف الحربي كلمة عبر فيها عن أهمية التعاون المشترك بين الجمعية والمبادرات والأنشطة الثقافة والفنية الأهلية.
لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:
كلمة الأستاذة شادن الحايك – “تكريم شخصيات”:
كلمة الأستاذ محمد الزاير – “مجموعة رصد وحماية الطيور”:
كلمة الشاعر مصطفى الكحلاوي – “بعد عينيك لن أعشق”:
كلمة ضيف شرف الأمسية | الأستاذ يوسف الحربي: