ناقش تربويون مختصون التأثير المتبادل بن التربية وثقافة المجتمع، والتحديات التي تواجه العملية التربوية في تفاعلها مع المتغيرات الاجتماعية المتسارعة واستجابتها لها، وذلك في الندوة التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “التربية بين تناسخ الأجيال والحداثة الثقافية”، مساء الثلاثاء بتاريخ 15 جمادى الثانية 1443هـ الموافق 18 يناير 2022م، وحاضر فيها المدرب والمشرف التربوي الأستاذ أحمد العثمان، وأدراها الأستاذ وائل الجشي.
وحل أستاذ علم النفس بجامعة (أيوا) الأمريكية البروفيسور رضي المبيوق ضيف شرف في الندوة، حيث عقب على ما دار فيها وناقش باستفاضة ما ورد في ورقة المحاضر، كما شملت فقرات الندوة معرضا تشكيليا للفنانة زينب آل محسن التي تحدثت عن تجربتها الفنية، وتعريفها بلجنة الحماية من العنف والايذاء حيث ألقت رئيستها الأستاذة سلمى العالي كلمة عرفت من خلالها بأهداف اللجنة وطرق عملها، واستعرضت الأديبة فاطمة الدبيس إصدارها الذي يجمع بين الشعر والنثر “حزنائيل” ووقعت عليه في نهاية الندوة.
وافتتح الأستاذ وائل الجشي الندوة بالحديث عن دور التربية وأهميتها للمجتمعات ولبناء الإنسان، مستعرضا تجارب لمجتمعات مختلفة تمكنت من تحقيق التقدم بسبب تركيزها على الجوانب التربوية لأبنائها. وعرف المحاضر الأستاذ أحمد العثمان بأنه يعمل مشرفا تربويا بتعليم المنطقة الشرقية، وهو حاصل على العديد من الدورات التدريبية في مجال المهارات الحياتية والتخطيط الاستراتيجي، كما أنه مدرب معتمد بعدة مؤسسات منها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني وبمعهد الادارة البحريني والمعهد الكندي، وشارك في عدة لجان تربوية وتعليمية من بينها لجان المناهج الدراسية، وبرنامج حياة جديدة التطوعي بالتعاون مع شركة ارامكو السعودية، كما ترأس لجنة الشراكة المجتمعية بمكتب تعليم غرب الدمام وإدارة النشاط الطلابي بالمنطقة الشرقية.
بدأ الأستاذ العثمان حديثه بالتأكيد على أهمية دور التربية وخاصة تلك المرتبطة ببناء الإنسان، ليس على مستوى الفرد، بل على صعيد المجتمع بشكل عام حيث اعتبرها أنها حجر الزاوية في تقدم أي مجتمع، مستعرضا تجارب بعض المجتمعات التي نهضت بعد سقوطها كالمجتمع الياباني مثلا التي أعادت ترتيب أولوياتها وركزت على استحداث قيم تربوية جديدة دافعة للتقدم بدلا من قيم الهزيمة والقبول بها. كما أشار إلى أن التربية لديها مدخلات متعددة تعتمد على السياقات التاريخية التي تمر بها المجتمعات، فكل مجتمع يلازمه سلوكا بشريا مختلفا بناء على التغير الزمني وما يواكبه من تحولات اجتماعية وثقافية متعددة، مؤكدا على أن المجتمعات الإنسانية لا يمكن أن تتقدم دون أن تراعي قضايا التربية وتعطيها أولوية في خططها وبرامجها.
وتحدث العثمان في جانب من محاضرته حول النظرة للمجتمع المحلي بصورة مثالية أحيانا أو سلبية ناقصة أحيانا أخرى، مؤكدا على أن المجتمع السعودي كغيره من المجتمعات الإنسانية يمر بأزمات مختلفة، وبتحولات متعددة، وأنه يختلف الموقف أمام هذه التحولات بين من يقبل بها ويتفاعل معها وبين من يقاومها ويعترض عليها. وأكد في محاضرته على أهمية التفاعل مع الثقافات الأخرى والاستفادة من مكتسبات الحضارة مع ضرورة الحفاظ على الهوية، باعتبار أن التأثرات المتبادلة بين المجتمعات الإنسانية لم تعد محدودة أو قليلة، بل أصبحت قوية وشاملة ومتسارعة. وناقش أيضا دور التربية في خلق التوازن بين التناسخ المتوارث والتنافسية العالمية من أجل الوصول إلى نتائج متقدمة في صناعة جيل واع وقادر على الانطلاق من ثقافته المتينة إلى آفاق العالمية. واستعرض دور المدرسة كحاضنة تربوية بين الماضي والحاضر، مؤكدا على أن دور المدرسة ومهارات التربية اختلفت كثيرا عن الماضي حيث ينبغي على المربي الآن امتلاك مهارات وقدرات إضافية كالإدراك وبعد النظر وبناء العلاقات وتنويع الأساليب الإرشادية والتواصل الفعّال واستنباط حاجات الطلاب.
وأضاف أن التحدي الحقيقي الذي نواجهه كمجتمع هو كيف ندير التغيير ونحوله إلى عامل إيجابي فاعل في نمو المجتمع وتقدمه، والسبل التي يمكن من خلالها الموازنة بين اتجاهات الاندفاع والمقاومة في التعاطي مع هه التحولات الناتجة عن التأثيرات المختلفة. وراهن الأستاذ العثمان على دور التربية في معالجة الكثير من هذه الإشكالات لما لها من تأثير عميق في ذهن وسلوك الانسان، مؤكدا على ضرورة تغيير أساليب التربية من اجل ان تكون مواكبة للتغيرات. واستعرض في حديثه العديد من مبادرات النجاح التشاركية الرائدة في المجال التعليمي والتربوي، ومن بينها الشراكة بين المؤسسات التربوية والأسرة باعتبار أنها الأساس في العملية التربوية وأن الأبناء هم نتاج تفاعلات الأسرة، وبالتالي فإن على الاسرة دور كبير في احداث التغيير.
وركز الأستاذ أحمد العثمان في نهاية حديثه على مسئولية الأسرة في التربية أن بعضها تحدث التغيير عبر الاهتمام بمفاتيح النجاح، بينما تحاكي بعض الأسر الأسر الأخرى، أو تنبهر بكل ما حولها ولا تمسك بزمام الأمور في تربيتها لأبنائها. وقال إن أغلى ما يبدله الآباء والامهات في تربية الأبناء هو الوقت، لان الأبناء مشروع حياة ويجب تخصيص وقت أطول مع الأبناء ومصادقتهم، مشيرا إلى أن انحراف الأبناء قد لا يكون دائما بسبب شُح المال. وبين أن من مسئوليات تربية الأبناء صناعة المسئولية الفردية بدلا من الدلال الزائد، وتحمل المسئولية، وصناعة جيل يكون مسئولا عن التغذية العقلية، ومسئولية الغضب الانفعالي لتقليص الانفعالات اللامسئولة، ومسئولية تكوين الصداقات والعلاقات، وكذلك تنمية المسئولية تجاه جسمه وصحته. وأنهى حديثه بالتأكيد على أهمية الدراسات المسحية والابحاث الميدانية التربوية لمعرفة مدى تأثير التربية في المجتمع.
وفي بداية مداخلات الحضور، تساءل الأستاذ محمد العبد النبي عن نتائج الدراسات التي تم تنفيذها في دار الملاحظة وما إذا تم تنفيذها أيضا في مناطق مختلفة في المملكة نظرا لأهميتها البالغة في تحديد الأثر التربوي في المجتمع. وتناول الأستاذ نادر البراهيم في مداخلته موضوع التربية وكونها نظاما وليس عمل أفراد حيث أنها تقوم على أسس وفلسفة ليكون الافراد منتجين ومساهمين في بناء مجتمعهم، مضيفا أن النظام التربوي لا يزال معتمدا على التعليم وكذلك على دور الدين وانتج الفلسفة الحالية المبنية على السمع والاستجابة للمجموع حيث لا قيمة للفرد لكونه يلقن ويحفظ وبالتالي فهة يتبنى الفكر الجمعي، ويكرس هذا الوضع حالة الفراغ، بينما المجتمع المتقدم يركز على التفكير النقدي والنظام التربوي المتكامل.
وأشار الأستاذ علوي الخباز في مداخلته إلى كون الدراسات والابحاث التربوية شحيحة جدا وكذلك المصادر المتخصصة في التربية والتقارير السلوكية للمجتمعات الطلابية، أما الأستاذ ابراهيم البراهيم فعقب أن التربية تعتمد أساسا على الاسرة، وهناك تطور ملموس في المدارس عما كانت عليه سابقا، وأن الام الحالية متعلمة، ولكنها قد تفتقد القيم التي كانت سائدة لدى أمهات الماضي. وتساءل الأستاذ احمد الخرمدي حول سبل صول المربي لغاياته، وكذلك عن السبل التربوية في اختيار اصدقاء الأبناء، وعن دور مجالس شورى الطلاب في تنمية وتأهيل الطلبة.
وعلق الأستاذ عيسى العيد بالتأكيد على ضرورة ان تكون الدراسات التربوية من نفس البيئة حتى تكون فاعلة وتؤخذ الدراسات الخارجية كتجارب ونماذج استرشادية فقط، وجاء تعقيب اللواء (م) عبد الله البوشي مشيرا لأهمية اعمال البحث الاجتماعي في السجون ومعالجة وإصلاح المساجين، موضحا أن الكثير من السلوكيات الخاطئة تبدأ صغيرة، ولكنها تتحول إلى عادة عارضا مثل سرقة اقلام الرصاص. وتساءلت الأستاذة زينب آل محسن عن مشاكل الأم العاملة في تنسيق الوقت المناسب لتربية الأبناء وكيف يمكنها تخصيص وقت محدود لكنه يكون فعالا ومؤثرا، وأكد الأستاذ منصور الزهراني على ضرورة الرجوع للقيم التربوية الدينية والإسلامية المستندة على البيئة المحلية، وطرحت أخيرا الأستاذة جنان العبد الجبار سبل معالجة الاختلاف الفكري بين الزوجين في مناهج التربية وعن مدى إمكانية التنسيق بينهما في تربية الأبناء.
لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:
كلمة الأستاذة سلمى العالي – “لجنة الحماية منا لعنف والإيذاء”:
كلمة الكاتبة فاطمة الدبيس – “حزنائيل”:
كلمة الفنانة زينب آل محسن:
كلمة ضيف شرف الأمسية | الدكتور رضي المبيوق: