نظم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة حضرها جمع من المهتمين والمتخصصين في الفنون المعمارية والتراث تحت عنوان “الفنون المعمارية في القطيف: الأشكال والمضامين” شارك فيها كل من الباحث التاريخي الأستاذ عبد رب الرسول الغريافي والباحث في الفنون المعمارية الأستاذ إسماعيل هجلس، وأدارها الأستاذ عيسى العيد، وذلك مساء الثلاثاء 1 جمادى الثانية 1443هـ الموافق 4 يناير 2022م. وحل التربوي المعروف والشخصية الاجتماعية الأستاذ هلال آل حبيل كضيف شرف في الندوة.
وقبيل بداية الندوة استعرض الدكتور محمد العوامي كتابه “منتدى أوكلاند الثقافي: رسائل وهموم الغربة ووعي الحياة” حيث تناول مضمون مادة الكتاب المتعلق بقضايا فكرية وحوارية مختلفة طرحت بين الأوساط الطلابية في نيوزلندا إبان دراستهم هناك، وقد وقع على الكتاب بعد نهاية الندوة. كما تم تكريم الكابتن عباس الصفار لإنجازاته الرياضية وتمكنه من مقاومة مرض السرطان بروح معنوية عالية، حيث شكر في كلمته جميع الجهات التي ساندته إبان مرضه بالسرطان وخص بالشكر أفراد عائلته وزملائه في الأندية الرياضية، مؤكدا على أهمية المعنويات العالية لمقاومة المرض وتحدي آثاره.
وبدأ الأستاذ عيسى العيد الندوة بتقديم مختصر تحدث فيه حول فنون العمارة وأهميتها لارتباطها بالهوية التاريخية لكل مجتمع، مؤكدا على ضرورة الاعتناء بها وخاصة وأن الكثير من معالم العمارة في القطيف في طريقه للزوال ومن ثم النسيان لأنه غير موثق أو محفوظ.
وعرف المشاركين في الندوة وهما الأستاذ عبد رب الرسول الغريافي الحاصل على شهادة ماجستير من جامعة كاليفورنيا – بيركلي في علم اللغة التطبيقية، وعلى شهادة دبلوم عالي في طرق تدريس اللغة الإنجليزية لغير الناطقين بها من جامعة كريست تشرش في بريطانيا، عمل في التدريس الأكاديمي والمرحلة الثانوية، وهو عضو مؤسس في عدة لجان من ابرزها لجنة التنمية الاجتماعية بالقطيف، جماعة التصوير الفوتوغرافي، مهرجان المنطقة الشرقية السياحي الأول، كما شارك في العديد من مبادرات البحث والتنقيب عن الآثار وعمل على توثيق آثار وتراث المنطقة، وقدم العديد من البحوث والمحاضرات المتعلقة بتاريخ وتراث وأنثروبولوجيا مجتمع المنطقة داخل وخارج المملكة. أما الأستاذ إسماعيل هجلس فهو حاصل على شهادة بكالوريوس في التربية الفنية، وعمل معلما بمدارس وزارة التعليم، كما أنه باحث في العمارة التقليدية وممارس للخط العربي والتصوير والنحت على الحجر، وهو كاتب مقالات في العمارة التقليدية المحلية في الصحف الالكترونية المحلية، وصدر له كتاب “روعة الماضي وجلال القدم”، وكتاب “رواق وضوء”.
تناول الأستاذ عبد رب الرسول الغريافي في بداية حديثه تقديم نبذة عن تاريخ استخدام الجص في المنطقة بسبب توفره في البيئة، وسهولة تحضيره والحصول عليه بمبالغ زهيدة، وكونه مادة مقاومة للظروف الطبيعية على مر الزمن وتمتاز بدرجة صلابة عالية. وشرح طريقة تحضيره للبناء وذلك يدق الصيران بشدة وذلك بأداة من جذوع الأشجار تعرف بالمجين، وأحيانا يدق بنوع آخر من الجذوع يعرف بالضبر حتى يتحول الصار الى مسحوق اسمنتي. وعدد أبرز مواقع معامل الجص التاريخية في المنطقة كصيران سيهات والقطيف وتاروت والبحاري وصفوى والعوامية وغيرها، كما تناول زخرفة المداخل والبوابات بإطاراتها ذات الأربعة مستويات المتضمنة لقوس مفصص وشخاخيل مستطيلة وأخرى مستديرة بالإضافة إلى اشكال هندسية متنوعة لتعبئة المساحات.
وتناول طريقة إعداد قوالب الجصيات وذلك يصب الجص في إطارات خشبية مختلفة الأحجام بارتفاع بوصتين، وبعد تسوية سطحيها بما يعرف بالمالج يبدأ النقش من الذاكرة باستخدام آلات بسيطة وتعرف هذه الألواح الجصية بالتختات (تخته). وأضاف أن من مواد البناء المحلية الأخرى هي الاحجار التي تشكل النصف الثاني في تكوين الجدار مع الجص، وجذوع النخل للسقوف بعد تسجينها، والجريد للسقوف ولبناء الكراجيل كغرف جريديه فوق المنزل، والرمل البحري والبري، وجذوع الأشجار المحلية والأخشاب المستوردة، والباسجيل والباريات والجندل المستورد للسقوف وكذلك بعض الحديد والأسياخ لصناعة النوافذ وصير الباب والمسامير.
وبدأ الأستاذ إسماعيل هجلس كلمته بتساؤل حول أسباب الاهتمام والمحافظة على التراث المعماري، معرفا إياه بأنه كل ما شيده الإنسان من مدن وقرى وبلدات وأحياء ومبانٍ، بشرط لها قيمة عمرانية، أو تاريخية، أو علمية، أو ثقافية، أو وطنية مع الامتداد التاريخي المتأخر. ويشمل هذا التعريف المبسط القصور والحصون والقلاع والمباني التاريخية والقرى والعيون ومراكز المدن القديمة. وأضاف أنه يشمل أيضا القيم والآداب والمعتقدات والفنون والمعارف سواء مادية أو معنوية، وهو ناتج عن تراكم خبرات المجتمع، وشاهد على تاريخ أي أمة وأحوالها.
وأضاف في حديثه أن الطرز المعمارية التقليدية في القطيف وخصوصاً الزخارف بأنواعها لها طراز مستقل، حيث أن استخراج وتجهيز وتجفيف وحرق الجص بالقطيف يعد من أجود وأفضل الطرق من خلال قوته وتماسكه ومرونته ولونه، ولبراعة ودقة الحرفي القطيفي، وبسبب التنوع وعدم التكرار في نفس المكان، ولارتباطها بالعوامل الدينية، ومسمياتها التي جاءت من الواقع البيئي والمحلي. وأكد على أهمية الحفاظ على التراث المعماري واعادة الحرف التقليدية المحلية عبر الربط الدائم بين الهوية والتراث، والحرص على الصيانة المستمرة للتراث المعماري، والتعريف به بلغة علمية مبسطة، واعتماد منهج عملي وعلمي عن سبل التعامل مع المناطق الأثرية، ودعم المهتمين والجهات المجتمعية الفاعلة في هذا المجال.
بدأت مداخلات الحضور بمداخلة من الأستاذ صالح العمير حول أهمية المسميات التاريخية للمواقع الأثرية وضرورة المحافظة عليها عبر تشكيل لجنة متخصصة من إدارات مختلفة ويشارك فيها الأهالي لغرض إعادة المسميات التاريخية هذه، وتساءل الأستاذ مبارك الميلاد عن مواقع معامل الجص في بلدة البحاري تحديدا وأسباب اختيار هذه المواقع للمعامل. وناقش الأستاذ هلال ال حبيل كون حماما تاروت وأبو لوزة صخريين وليسا جصيان وهو أمر اختلف فيه مع المحاضر، كما تساءل الأستاذ علي الحرز عن مكونات مادة النورة المستخدمة في البناء، وعن ضرورة الاستفادة من المواقع التراثية في محافظة القطيف واستثمارها سياحيا كما هو حاصل في المناطق الأخرى.
وأبدى الفنان عبد العظيم ال شلي رأيه حول الكتابات المتعلقة بالفنون المعمارية وأنها كانت موجودة بصورة متواصلة ويمكن الرجوع لها، وأن هناك العديد من كتاب المنطقة ممن اهتموا بهذا الموضوع ونشروا حوله، وأضاف أن هذا الجهد المعني بالفنون المعمارية ينبغي أن يكون مؤسسيا وتتشكل منه لجان عمل مختلفة وليس أفراد متفرقون. وتحدث الفنان محمد المصلي عن قيامه بعدة أنشطة وأعمال في هذا المجال ومنذ فترة بعيدة وجميعها مدونة وموثقة.
وتساءلت الدكتورة شمس الشماسي عن ارتباط القباب بالمساجد وكونها موجودة أيضا في الحمامات الشعبية المختلفة في مناطق متعددة بمحافظة القطيف، وأكد الأستاذ علي العرفج على أهمية تسجيل المواقع التراثية في المؤسسات الثقافية الرسمية لحفظها. وناقش الأستاذ علي أبو سرير موضوع شح المصادر العلمية المعنية بالفنون المعمارية في القطيف مشيرا إلى أهمية نشر الوعي بين أبناء المجتمع حول طرق البناء التراثي بحيث تكون معبرة عن أصالة المجتمع وليست منقولة من آخرين. وهو نفس الرأي الذي أكد عليه الأستاذ عثمان الجمعة أيضا.
وتحدث في نهاية اللقاء ضيف شرف الندوة الأستاذ هلال آل حبيل مؤكدا على ضرورة التثقيف في هذا المجال وتوعية المجتمع بأهمية الموروث العمراني والمحافظة عليه، داعما فكرة تشكيل لجنة تهتم بالفنون العمرانية والتراثية في المحافظة.
لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:
كلمة الكاتب د. محمد العوامي – منتدى اوكلاند الثقافي:
كلمة الأستاذ عباس الصفار – قاهر السرطان:
كلمة ضيف شرف الأمسية | الأستاذ هلال الحبيل: