أكد باحثان في الفلسفة في ورقتيهما في ندوة “الفلسفة الحديثة كسبيل للسعادة: قراءات فلسفية في المعرفة والتقنية” على أن هدف العلم والمعرفة تخليص الانسان من المعاناة والألم وأن التقنية لا تنفصل عن العقل الأداتي، جاء ذلك في الورقتين اللتين ألقاهما كل من الباحثين يزيد السنيد ومالك آل فتيل في منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 17 ربيع الثاني 1443هـ الموافق 23 نوفمبر 2021م، وأدارها الأستاذ مجد الزاير.
وبدأت الفعاليات المصاحبة للندوة بكلمة للفوتوغرافي محمد علي البدراني حول تجربته في التصوير الفوتوغرافي وعن المعرض الذي أقامه في صالة المنتدى وهو عبارة عن قصة يوميات حياة امرأة من جورجيا وطريقة معيشتها. كما تحدث الأستاذ عماد بو خمسين عضو مجموعة الحلقة المعرفية عن تجربة المجموعة في تنشيط الحوارات واللقاءات المعرفية منذ انطلاقها عام 2017م ومختلف الأنشطة والبرامج التي أنجزتها. كما تحدث الدكتور هادي آل شيخ ناصر حول كتابه المترجم “مقهى سقراط” الذي وقعه في نهاية الأمسية.
وافتتح مدير الندوة الأستاذ مجد الزاير اللقاء بالحديث عن دور الفلسفة على مر العصور في محاولاتها للإجابة على الأسئلة الوجودية وتسهيل حياة البشر مشيرا إلى اهتمام المنتدى بهذا الموضوع والاحتفال باليوم العالمي للفلسفة وتناول مواضيع وقضايا ذات اهتمام وفائدة للمجتمع. وعرف المحاضرين وهما كل من الاستاذ يزيد بدر السنيد الحاصل على بكالوريوس من كلية العلوم الاجتماعية من جامعة الإمام محمد بن سعود، ودبلوم فلسفة من أكاديمية نماء للعلوم الإسلامية والإنسانية وعدة شهادات ودورات في التفكير الفلسفي وعلم النفس العصبي والمستوى التأسيسي لميسري تعليم التفكير الفلسفي، كما أنه عضو مجلس إدارة جمعية الفلسفة في السعودية، كما عرف الأستاذ مالك آل فتيل حاصل على بكالوريوس رياضيات، ودبلوم تطوير تطبيقات من اليابان، وصدرت له مجموعة شعرية بعنوان “مونولوج في 61 دقيقة”، وله تحت الطبع مجموعة “طلع ما رَد”، ومجموعة “سماء مخبأة بين قوسين”.
بدأ الأستاذ يزيد السنيد حديثه بالقول أن الغاية من هذا البحث هو تخفيف معاناة الإنسان من خلال فهم آليات الدماغ بعيدًا عن أي مفهوم للحقيقة بوصفها كيانا منفصلا عن الإنسان أو من منتجات العقل، إذ أن الهدف من المعرفة مد الإنسان بأدوات تكيفية أكثر، وما نتاج الفكر البشري سواء كان مكتوبًا، أو شفويًا، أو حلمًا هذيانًا، أو زلات نكتة الخ، إلا انعكاس لقوانين الدماغ. وأوضح أن فهم آلية الدماغ بوصفه لا يفرق بين الحقيقة والوهم يجعل الباحث أن يضع هذه المسلمة أن علاقة الانسان مع ذاته والعالم علاقة تكيفية وليست معرفية، معقبا أن ذلك يعني أن كل فكرة أو أداة تهدف لخدمة طمأنينة الإنسان وبلوغ السلام الداخلي أو الغبطة.
واستعرض في ورقته قراءة لتاريخ الفكر البشري من خلال آليتين للعقل/الدماغ كان لهما السيادة عبر التاريخ بعامة وهما “العقل التحليلي” و “العقل الوصفي”، فالأول تطور كثيرًا عند الغرب ووجد كماله مع ديالكتيك هيغل، بينما الثاني كان له عناية كبيرة في الشرق وخاصةً لدى البوذية. وأوضح أنه ليس بين هاتين الطريقتين تفاضل، أو فصل بين حق وباطل، بل كلاهما يصدران عن الدماغ البيولوجي، ومن ثم هما قوانين له (أي الدماغ)، ولأن غاية المعرفة تكيف الإنسان مع الحياة بحيث يكون سعيدًا بقدر طاقته كان لزامًا أن يغير في رؤيته للحقيقة نحو رؤية أكثر واقعية أو تقترب من البراغماتية الحديثة.
وأكد في نهاية ورقته أن كل المنتج البشري يعكس قوانين دماغية، وأن المعرفة هدفها الأساس تخليص الانسان من المعاناة، وأن النزعة الإيمانية ترافقت مع العلم الحديث (النزعة الجزئية) وأثرت على الأخلاق، موضحا دور الأخلاق وعلاقتها مع المدينة والجدل بين اخلاق الافراد واخلاق المدينة.
وتحدث الأستاذ مالك ال فتيل حول فلسفة التقنية قائلا أن السؤال الفلسفي يسبق السؤال العلمي حول الفلسفة، وأن التقنية الحديثة واجهت ممانعة ومعارضة خوفا من الاستلاب التقني، وأن الموقف النقدي ضد التقنية اتخذ أشكالا مختلفة كالأدبيات والروايات ضد التغول الكبير للتقنية. وأوضح أن الموقف المعارض ضد التقنية انطلق من ناحية اثر التقنية على الانسان، وأن معظم المنتقدين لم يكونوا ممارسين ويميلون للحكم السلبي على التقنية.
وحول فلسفة التقنية التحليلية، أوضح أنها اهتمت بمرحلة التصميم باعتبارها مرحلة الاختيارات قبل انطلاق التقنية للمجتمع، كما أنها عملت على مقاربة بعض التقنيات وليس كلها من خلال مواقف لم تكن تقييمية، وبرزت حديثا موضوعات جدلية كالذكاء الاصطناعي بأشكاله المختلفة. وحول اخلاقيات التقنية، أفاد في حديثه أن ذلك يعتمد على تصورنا على التقنية فيما إذا اعتبرت ظاهرة سياسية وثقافية ام أخلاقية، وكذلك أهمية الابتعاد عن الحتمية التقنية.
وقال أن هايدغر درس تقنية الكهرباء وحدد ماهية التقنية وفكر في جوهر التقنية، ويرى ان التقنية وسيلة لجمع الطاقة وإعادة توزيعها ولا تتعامل مع الطبيعة كمورد، وان الانسان كذلك اصبح موردا من موارد التقنية، موضحا أن هابارماس لديه مقاربة اجتماعية للتقنية معتبرا إياها أيدولوجية ووسيلة للهيمنة وأنها تولد انظمة فرعية ذات آلية ومفرغة من سمتها الانسانية ويعتبرها من أخطاء البشرية. وأضاف أن هناك اتجاهين: الأول، الابتعاد عن الحتمية التقنية وافتراض أن التقنية هي ظاهرة قائمة بذاتها تطورت بشكل مستقل والميل إلى التركيز على أن التطور التقني هو نتيجة الاختيارات. الثاني، هو الابتعاد عن التفكير الأخلاقي في التقنية -بشكل عام- والميل إلى الانعكاس الأخلاقي لتقنيات محددة وإلى مراحل محددة في تطوير التقنية. وأوضح أن المواضيع المتكررة في أخلاقيات التقنية تشمل الحياد مقابل الفاعلية الأخلاقية، المسئولية، التصميم، المخاطر التقنية التي تعني تجاهل التأثيرات “الناعمة”، ذات الطبيعة الاجتماعية أو النفسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تجفيف التقييم الأخلاقي للتقنيات الجديدة.
بدأت مداخلات وأسئلة الحضور بسؤال من الأستاذ أحمد المدلوح حول مقولة “قتل الفلسفة” ضمن الاطروحات الفلسفية المتداولة، كما طرح الأستاذ عبد الله الهميلي تعقيبا حول سبل تأسيس أبستمولوجيا للأخلاق والخلاص من الموت حيث أن الفلسفات الشرقية سلبية ترفض قيم الحياة، معقبا حول كون اشكالية التقنية تاريخية وطرحها انجلز وماركس بمقولة أن الانسان بسبب ذكائه سيؤدي لانقراضه. وطرح الأستاذ وليد الهاشم فكرة أن ما يواجهه الانسان في موضوع التقنية يتركز في نزع الوصاية على القوة لدى الناس، فالتقنية حولت القوة الى الناس والاختراعات التقنية حررت الوقت لدى الانسان.
وتحدث الأستاذ علوي الخباز بالقول أن التقنية أصبحت هي السلطة العليا الحاكمة وهي أقوى حاليا من سلطة المال، وقال الدكتور هادي ال شيخ ناصر أن تعدد وجهات النظر أمر مثر للغاية متسائلا عن دور العلاج النفسي للمرضى وأن العلم الجزئي هو نتيجة طبيعية لتطور العلوم. وتناول الأستاذ نادر البراهيم في مداخلته فكرة أن الأفكار الفلسفية تكون في الغالب ضد العلوم والتصنيع وتطرح نظريات طوباوية عامة ترفض الفردانية في معظم الأحيان بينما هي – أي الفردانية – تعتبر أساس تطور المجتمع.
لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:
كلمة المصور محمد البدراني:
كلمة الدكتور هادي آل شيخ ناصر:
كلمة الأستاذ عماد بو خمسين – الحلقة المعرفية:
كلمة د. كريتستوفر فيليبس | مؤلف كتاب (مقهى سقراط):