ضمن سعيه للتعريف بالتاريخ الإنساني والانثروبولوجي لمختلف مناطق المملكة بتخصيصه سلسة من الندوات حول هذا الموضوع، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء بتاريخ 11 ربيع الثاني 1443هـ الموافق 16 نوفمبر 2021م ندوة تحت عنوان “حضارة بلاد ما بين الجبلين: التاريخ الإنساني القديم في منطقة حائل”، تحدث فيها الباحث ومستكشف الآثار الأستاذ مشاري النشمي وأدارها عضو مجلس إدارة المنتدى الأستاذ أمين الصفار.
وبدا اللقاء بعرض فيلم تثقيفي قصير حول اليوم العالمي لمرضى السكر، وتحدثت في اللقاء الفنانة مريم الجمعة التي أقامت معرضها الفني في المنتدى متناولة تجربتها الفنية ومشاركاتها في مختلف المعارض والمهرجانات، وحول موقعية المرأة والتراث والطفولة في أعمالها الفنية وتحويل الخامات والمواد التالفة إلى أدوات عرض فنية جميلة. كما تم تكريم الدكتور عقيل الفردان لحصوله على جائزة خدمة المريض على مستوى المملكة، معرضا بالتطورات الحاصلة في هذا المجال والتي اعتمدتها وزارة الصحة من خلال شركات تقييم مستقلة بهدف رفع مستوى أداء الخدمات للمرضى. وتحدث أخيرا أخصائي التغذية الأستاذ رضي العسيف معرفا بكتابه الذي وقعه في الندوة “31 سؤالا حول الحمية والسمنة” قائلا أن الحمية ليست نظام غذاء، بل ثقافة وعلم، تتفاعل عبر التغيير في الثقافة والسلوكيات في الغذاء وقياس الوزن بشكل صحيح والابتعاد عن الاعتقادات الغذائية الخاطئة والحميات القاسية والعمليات الجراحية.
وبدأ اللقاء مدير الندوة الأستاذ أمين الصفار بالإشارة إلى الاهتمام المتصاعد بتاريخ الحضارات في المملكة وفي مختلف مناطقها حيث أن هناك امتداد تاريخي لهذه الحضارات كان مغمورا وبدأ في الانكشاف حيث يتم تسجيل العديد من المواقع الأثرية والتاريخية في اليونسكو بصورة منتظمة، وأوضح أن اهتمام المنتدى بهذا الموضوع يأتي ضمن سعيه لقراءة التاريخ الانثروبولوجي لمناطق المملكة. وعرف المحاضر أنه حاصل على بكالوريوس دراسات قرآنية من كلية المعلمين بحائل، وقام بأعمال استكشافية للمراصد الفلكية القديمة في وادي مشار بجبال أجا بمدينة حائل وله اعمال استكشافيه ايضا لآثار جبال الجلف شمال مدينة حائل، واصدر مؤلفات في مجال اهتمامه من بينها: معالم حضارية وفلكية من منطقة حائل إبان العصور التاريخية القديمة، وأنماط الإبل في الرسوم الصخرية، ونقوش ورسومات جبال الجلف الأثرية (غير منشور)، كما عمل على انتاج فيلم وثائقي بعنوان “حضارة بلاد ما بين الجبلين”.
بدأ الأستاذ مشاري النشمي حديثه بالتعريف بمنطقة حائل واختلاف المؤرخين في سبب تسميتها بهذا الاسم فقيل إنها سميت حائل بسبب وادي يقسم المدينة إلى شطرين يحول بين جهتها الشرقية وجهتها الغربية أثناء سيول الأمطار، وقيل إنها تحول بين أن يحكمها رجل من غير أهلها، وأنها تحول بين نجد وبين ملحقاتها في الشمال. وأضاف أنها تتميز بتنوع تضاريسها فهي تحتوي على الرمال المتمثلة بالنفود الكبرى، وبالسهول الواسعة الصالحة للزراعة، وكذلك بوجود الجبال الكثيرة والتي أهمها سلاسل جبال أجاء وسلمى التي تتخللها الأودية والشعاب والقرى، وتطرق أيضا للحديث عن جبل أجا وما ذكر عنه من أسباب التسمية في الميثولوجيا العربية القديمة.
وأوضح أن أجزاء من منطقة حائل تعتبر ممرا للقوافل التجارية القادمة من شمال الجريرة الى جنوبها، ومن شرقها الى غربها، فهي تحتل مكانا استراتيجيا جعلها همزة وصل بين شمال شبه الجزيرة ووسطها وجنوبها، بالإضافة إلى توسطها بين مدن قديمة ذكرت في التاريخ كدومة الجندل التي ذكرت في الحوليات الاشورية باسم (ادوماتو)، وتيما التي جعلها الملك البابلي (نبونيد) عاصمة عام 553 ق.م.، وكذلك مدينة فدك المعروفة الآن بالحائط. وتحدث عن النقوش الثمودية في مدينة حائل، واصفا إياها بأنها تعتبر الأولى في مناطق المملكة من ناحية عدد النقوش الأثرية، موضحا أن مختلف المصادر التاريخية القديمة تؤكد على وجود القبائل الثمودية في هذه المنطقة في القرنين السابع والسادس قبل الميلاد، وفيما بعد هذا التاريخ.
وأضاف الباحث النشمي أن النقوش كانت على أربعة عناوين: أولها كانت نقوش الاشتياق التي تضمنت الأفعال (اشتاق)، و(حب) وغيرها، والعنوان الثاني نقوش الحزن والرثاء ونعني بها النقوش التي ترد فيها الأفعال الدالة على الحزن مثل ناح وغيرها من الأفعال، أما العنوان الثالث فهو نقوش الدعاء للإله مباشرة ومن أسماء الإله (دثن)، و(نهى)، أما العنوان الأخير فكانت النقوش التذكارية، وقد تضمنت أحد الاصطلاحات: ردد (تحيات)، ودف أي (تحیات).
وأكد المحاضر على أن هذه النقوش عكست صورة عن المجتمع وأحواله آنذاك، وبينت أن منطقة حائل ما قبل الميلاد كانت تتمتع بمجتمع متحضر ومتمدن مستقر، ومجتمعات بادية متنقلة كما هو الآن، وأن أصحاب هذه النقوش أمة متعلمة تقرأ وتكتب، وأنهم امتهنوا الزراعة وصناعة وتشكيل الحديد. وأضاف أن النساء كن أيضا متعلمات ويشاركن الرجال في مختلف مجالات العمل والحياة وكن يعملن كهنة في المعابد ويملكن الجمال، موضحا أن هذا المجتمع الحضاري لابد ما كانت له علاقات تربطه مع شعوب وحضارات أخرى مجاورة له سواء في داخل شبه الجزيرة أو في خارجها، فموقع حائل الجغرافي يعطيها تلك الميزة.
واختتم النشمي حديثه بالقول أنه تم اكتشاف عدة مراصد فلكية في الجبال لمراقبة حركة النجوم والكواكب ورصدها، وبعضها تتعلق بالمعتقدات الدينية حيث أنها تقع بين الشرق والغرب في طريق مسار الكواكب، مؤكدا على أن هناك ترابط بين حضارتي بلاد ما بين الجبلين وبلاد ما بين النهرين حيث توجد علاقات اقتصادية قديمة بالعراق كالدروب القديمة عبر حائل وعوائل المشاهدة التي جاءت من العراق. ونبه بالتأكيد على أهمية قيام الباحثين بالعمل الدؤوب لتوثيق الاثار في مختلف مناطق المملكة.
وبدأت المداخلات بتساؤل من الأستاذ عيسى العيد حول العلاقة بين منطقة حائل وشمال الجزيرة العربية كبلاد الشام والعراق والتداخل الاجتماعي الذي نشأ عن ذلك، وحول التوزيع القبلي لسكان منطقة حائل بشكل عام. وطرح الدكتور علي الحاجي تساؤلات تتعلق بمدى دقة الربط بين العصر البرونزي والصناعة في حائل حيث أن هناك اسماء تدل على الترابط، ومدى مصداقية ذلك من الناحية التاريخية والبحثية.
وتحدث الدكتور عقيل الفردان عن الآثار في حائل وكونها شاهد بارز على إرادة التحضر رغم قساوة المنطقة جغرافيا واتساعها ورغم كل التحديات القائمة تاريخيا، موضحا أنه لم يلحظ وجود جهد للاستيطان من خارج المنطقة وعدم توفر عناصر جذب لغير قاطنيها عكس ما هو حاصل في مناطق أخرى في المملكة. وطرح الأستاذ فرحان الشمري تساؤلا حول مدى التشابه في النقوش الأثرين بين ما هو موجود في منطقة حائل بتلك الموجودة في مناطق أخرى في المملكة.
وأشار الأستاذ عبد العظيم الضامن إلى ضعف المعلومات السياحية عن منطقة حائل على الرغم من تمتعها بمناطق سياحية جاذبة وبأجواء طبيعية جميلة، مشددا على ضرورة العمل على توفير سبل نشر وترويج المعلومات السياحية للمنطقة. وتحدث اللواء عبد الله البوشي عن مشاهداته لكرم وحسن أخلاق مجتمع حائل عند زيارته للمنطقة، كما أكد ذات النقطة الشيخ حسين القريش في مداخلته. وطالب الباحث عادل البشراوي الدعم بتقنيات التزمين في بحوث الاثار من أجل ابراز تصور كامل عن تاريخ المنطقة، مؤكدا على أنه بدون توفير ذلك سيظل العمل البحثي في مجال الآثار مجرد اجتهادات وتكهنات غير دقيقة.
لمشاهدة المحاضرة على اليوتيوب:
كلمة الفنانة مريم الجمعة:
كلمة الدكتور عقيل الفردان:
كلمة الكاتب رضي العسيف: