ضمن برنامجه الثقافي لاستحضار الموروث الشعبي الخليجي، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 13 ربيع الأول 1443هـ الموافق 19 أكتوبر 2021م ندوة تعريفية تحت عنوان “حكاية الموال وفنونه” تحدث فيها الباحث في الفنون الأدائية الشعبية الأستاذ يوسف آل بريه، وأدارها الأستاذ ياسر المطوع، كما شارك في تأدية مقاطع الموال الأستاذ عاطف آل شلي. وشملت الندوة أيضا تكريما للدكتورة فاطمة القديحي لإنجازاتها العلمية في المجال الطبي، حيث تحدثت عن مسيرتها العلمية ونشاطها التطوعي ومواجهتها للتحديات التي مرت عليها مؤكدة على أهمية وضع هدف واضح أمام الإنسان والسعي الجاد للوصول إليه.
وبدأ الأستاذ ياسر المطوع الندوة بمقدمة حول الموال أشار فيها إلى أنه له في كل قطر عربي جذور وحكايات وأجواء وأصداء وفولكلور في بعض الأحيان، وتمازج مع التراث الصوتي العربي فأصبح لغة سمعية تتوق لها الأذن، معرفا بضيف الندوة الذي أصدر “حكاية الموال” معتبراً إياه مرجعاً متكاملاً لكل باحث ولكل من ينشد متعة الموال الصوتية والوجدانية. وعرف المحاضر بأنه كاتب وباحث مهتم بالفنون الادائية والموروث الشعبي وأجريت معه مقابلات تلفزيونية وإذاعية، وأقام عدة أمسيات شعرية، وهو عضو ملتقى حرف الأدبي ويكتب الشعر الفصيح والعامي، ومن مؤلفاته المطبوعة: روحي سفينة عشق، حيث أنا، تلوتك شعراً، حكاية الموّال، الأبوذية ظل وضوء. وأدى خلال الندوة قارئ الشعر عاطف آل شلي مواويل شعبية تغنى فيها بالوطن وجزيرة تاروت وذلك على شكل موالات بحرية جاذبة شدت أسماع الحضور.
بدأ المحاضر الأستاذ يوسف آل بريه حديثه بتعريف الموال لغة بإرجاع الكلمة لأصلها (الموالي) كاسم فاعل من الفعل الرباعي (والى) أو جمع كلمة (مولى) معنى المحب والصاحب، مشيراً إلى تعدد الأقوال حول أصل الموال وموضحاً أنه يعود إلى عهد هارون الرشيد عند بطشه بالبرامكة وقيام جارية لجعفر البرمكي برثائه. وأضاف أن الموال بدأ رباعي الأشطر ملتزما القافية لا الجناس، ومتخذا البحر البسيط مع قبوله النظم بالفصيح والعامي. وقال أن العراقيين عملوا على تطوير الموال شكلاً ومضموناً، حتى ظهر الموال الخماسي المعروف بالأعرج في بدايات القرن الثاني عشر الهجري، وهو ما تكون من أشطر خمسة تتفق جميعها في جناس واحد ماعدا الشطر الرابع فينفرد بقافية أو كلمة مغايرة، ولذا سمي أعرجاً وذلك لأن شطرته الرابعة قد حادت وعرجت إلى قافية أخرى، فكأنها عرجاء ين الأسوياء.
وأضاف آل ابريه أن أهل صعيد مصر تعرفوا عليه وعشقوه وتفننوا في نظمه وأبدعوا حتى جعلوا أشطره سبعة وأطلقوا عليه تسمية (الموال الأحمر) أو (الموال المزهر) والنعماني. وقال أن الموال ينتشر في معظم الدول العربية وبالأخص في العراق ودول الخليج ومصر وسوريا ولبنان، مستعرضاً أشكالاً من الموال في كل منطقة من هذه المناطق العربية. وقال أنه لم يجد أي مصدر يبين لأن الموا لكتب في الأردن أو اليمن أو السودان والمغرب العربي، مع أن لهم ما يشبه الموال في التجنيس. وعدد في حديثه مسميات الموال ومنها الزهيري والنعماني والمخلوق والسبعاوي والواسطي والشرقاوي وغيرها من الأسماء، موضحا أن الأصل في الموال هو أن يؤلف من بندين، كل بند ثلاثة أسطر متحدة الجناس، مختلفة المعنى، وأما السابع وهو الأخير فيتحد في جناسه مع البند الأول مع مارعاة اختلاف المعنى. وأضاف أن الموال الزهيري يشترط في نظمه أن يكون متماسك البناء في حبكة قوية، وأن يتوافق مضمون أشطره السبع مع الجناس، وان لا يكون مختل الوزن، وأن يستخدم الجناس اللفظي، وأن يكون هناك انسجام تام بين جميع الأشطر، وضرورة الترابط بين عتبة الموال وردفيته، وأن يكون الشطر الأخير هو الأقوى والأجود.
وأضاف في حديثه أن الموال مشروع بوح وقصيدة خاصة تنبع من معاناة الشاعر فيخرج إلى الوجود ليصبح ملكا للجميع، وكان الشعراء قديماً يمثلون بيئاتهم خير تمثيل فتخرج مواويلهم معبرة عن حياتهم وحياة مجتمعاتهم. وقال المحاضر أن شعر الموال ارتبط في البيئة الخليجية بالبحر فهما – أي البحر والموال – توأم متلاصق، مثل ارتباط البادية بالنبط، مؤكدا على أن جميع مناطق الخليج كتبت الموال وكان لصوت النهام على ظهر السفينة أثر كبير في زمن الغوص ورحلة البحر الطويلة ومتاعبها، فالنهام هو مطرب السفينة ونبضها الذي يحرك رجالها فيفرحهم ويبكيهم ويسافر بهم بعيداً. وأوضح أنه لم تتهيأ الظروف لتوثيق شعر الموال في عموم الخليج إلا متأخراً، ولذا ضاع أكثره لاعتماد الناس على الذاكرة الشفهية التي قد يخونها أحياناً بعض الألفاظ. وقال إن اهمال هذا التراث يجعله عرضة للضياع وهو بحاجة إلى جمع وتدوين وتوثيق لإعطاء صورة متكاملة عن الحياة الاجتماعية في الفترات الماضية. وعدد أسماء أبرز من كتبوا حول الموال من مختلف دول الخليج، وكذلك أبرز شعراء الموال فيها، مؤكدا على أن جزيرة تاروت بالمنطقة الشرقية فيها من شعراء الموال أكثر من أي منطقة خليجية أخرى.
وناقش المحاضر في ورقته ذكورية شعر الموال قائلا بأن ذلك تغير ببروز بعض الشاعرات اللواتي كتبن في هذا الفن وأبدعن من بينهما الشاعرة نوال الجارودي ووفاء آل مطيلق. واستعرض في نهاية محاضرته أبرز الكتب القديمة والحديثة التي تناولت شعر الموال ومؤلفيها كمراجع لمن يرغب الاستزادة العلمية في هذا المجال.
بدأت مداخلات الحضور بتساؤل طرحه الأستاذ عبد الباري الدخيل حول الأعمال الأدبية والتوثيق الذي قام به الدكتور عبد الله ال عبد المحسن ومدى الاستفادة من هذا الإنتاج كونه من المهتمين بالموروث الشعبي وموثقيه. وطالب الشاعر علي الشيخ بضرورة أن يكون هناك حراكاً جاداً لشعراء الموال والشعر الشعبي في المنطقة نظرا لكثرة عددهم واهتمامه بتوثيق وكتابة الشعر، موضحاً أن مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به أشخاص بمفردهم وإنما ينبغي أن يكون عملاً جماعياً مشتركاً.
وتداخل الأستاذ فتحي البنعلي بتأكيده على أهمية الالتفات إلى هذا النوع من الشعر الذي بدأ بالانقراض والضعف نظرا لابتعاد الجيل الشاب عنه، ولانعدام التواصل مع جيل الآباء المهتمين بهذا الشعر، مشيراً إلى ضرورة جمع وتوثيق هذا الموروث الشعبي المهم من مختلف مصادره المتوفرة. وتحدثت الأستاذة عالية آل فريد حول أهمية التواصل مع الجهات الثقافية الرسمية كوزارة الثقافة من أجل تحويل هذا النشاط إلى مؤسسة أهلية تعنى بالموروث الشعري الشعبي وتهتم بتوثيقه وابرازه وخاصة في هذه المرحلة التي تهتم الوزارة بمختلف الأنشطة الثقافية. وتساءلت الشاعرة نوال الجارودي عن غياب إصدارات الشعر الشعبي للمرأة متحدثة عن وجود اهتمام جيد لدى المرأة في المنطقة لكتابة الشعر الشعبي لكنه لم يصل لحد الآن للنشر مثل الشعراء الرجال. وعلق المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب على الموضوع قائلا أن هذه الأمسية تميزت بأنها كشفت عن مخزون أدبي شعبي متميز في المنطقة وكشفت القناع عن موروث ثقافي مهم ينبغي استثماره وابرازه، واقترح العمل على نشر هذا الموروث الشعب يمن الشعر في مختلف المؤسسات الثقافية في المملكة والتعاون معها لتنظيم أمسيات تراثية حول شعر الموال، وكذلك تنظيم لقاءات مع مسئولي وزارة الثقافة بهذا الخصوص.
المحاضرة كاملة:
تكريم الدكتورة فاطمة القديحي: