في حوار ثقافي مفتوح شارك فيه العديد من المثقفين، ناقش منتدى الثلاثاء الثقافي تقرير “حالة الإصلاح في العالم العربي” الذي أصدرته مؤخرا “مبادرة الإصلاح العربي” في سعي لاستعراض أبرز مخرجاته ونتائجه، وذلك من خلال اللقاء الحواري المشترك الذي أقيم مساء الثلاثاء 22 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 6 أبريل 2010م، وأدار الحوار راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب.
واستعرض الشايب في حديثه أجزاء من التقرير الصادر عن مبادرة الإصلاح العربي تحت عنوان “حالة الإصلاح في العالم العربي 2009-2010م”، موضحا أن التقرير السنوي هذا يرى أن المنطقة تتمتع بالوسائل المؤسسية الضرورية للتحول نحو الحكومات الديمقراطية، وإن كانت لم تقم بعد بتطبيقها عملياً، ويغطي المؤشر في إصداره الثاني عشر دول عربية. وأشار إلى الدراسة وضعت أربعين مؤشراً لقياس أربع قيم ومبادئ أساسية تتعلق بالعملية الديمقراطية وهي: وجود مؤسسات عامة قوية ومسؤولة، واحترام الحقوق والحريات، وسيادة القانون، والمساواة والعدالة الاجتماعية، موضحا أن جمع البيانات لمؤشر الديمقراطية العربية يتم من ثلاثة مصادر مختلفة هي: الجانب القانوني، والرأي العام، وممارسات الأنظمة.
وبين أن هذه المؤشر يتمحور حول مركزية فكرة المواطنة بدلاً من السلطة السياسية، لذا فإنه يتجه نحو قياس الأثر الاجتماعي والاقتصادي الذي تحدثه تغيرات النظام السياسي للدولة على حياة الأشخاص. وقد خلص التقرير إلى أن إحداث تغيير حقيقي يقتضي تحولاً في ثلاث مجالات هي: (1) القوانين والعملية الانتخابية التي تجمع كافة قطاعات المجتمع وتقضي على ظاهرة التمييز، (2) تطوير أنظمة ضريبية تستند إلى مبادئ فرض الضرائب التصاعدية والتوزيع العادل للثروات، (3) تطوير نظام تعليمي على أسس أخلاقية واجتماعية متينة، يستند إلى مبادئ التعددية والعلمانية. وأوضح أنه وبناء على ذلك، تؤكد مبادرة الإصلاح العربي على الحاجة الملحة في العالم العربي إلى ضمان قدر أكبر من الحريات السياسية والمدنية، ليس من خلال مزيد من التشريعات وحسب، وإنما من خلال تعزيز دور المؤسسات الرقابية ومؤسسات حقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك، تشير مبادرة الإصلاح العربي إلى الحاجة الملحة إلى أن تصبح قضايا العدالة الاجتماعية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية أساساً لعملية الإصلاح، بحيث يتزامن ذلك مع إصلاح للنظام التعليمي من خلال تخصيص ميزانيات أكبر ومكافحة الأمية وخفض معدلات التسرب من المدارس ورفع مستوى ظروف التعليم، وخاصة بالنسبة للإناث.
وشرح أن التقرير الراهن يغطي عشر دول عربية وتتشكل عناصره من أربعين مؤشرا كمية تقيس جوانب جوهرية في عملية التحول الديمقراطي، بهدف التقرير إلى التأثير على عملية التحول الديمقراطي من خلال توفير آلية تسمح للداعين للديمقراطية في العالم العربي وللمواطن العادي الراغب في مساءلة حكامه والمشاركة في صنع القرار بمراقبة تطور هذه العملية عن كثب. يوفر المقياس آلية موضوعية لقياس التغيير في العملية الديمقراطية بشكل ذي مغزى من حيث الدلالات على الإمكانات الكامنة في ذلك التغيير وفي إمكانات استدامته. يقوم التقرير الراهن بتدقيق أحوال الديمقراطية في مصر والمغرب والسعودية والأردن وفلسطين ولبنان وسوريا والجزائر واليمن والكويت من خلال جمع وتحليل بيانات حول المؤشرات الأربعين ذات العلاقة بعملية التحول الديمقراطي.
وأوضح في شرحه أن مؤشرات مقياس الديمقراطية العربي تنقسم إلى نوعين: تلك التي تقيس وسائل التحول الديمقراطي (كالتشريعات) وتلك التي تقيس ممارسات التحول الديمقراطي (كالانتخابات). كما تنقسم المؤشرات إلى أربع قيم أو مقومات: تلك التي تقيس مدى وجود مؤسسات عامة قوية (مثل فصل السلطات أو القدرة على مساءلة الحكومة)، وتلك التي تقيس درجة احترام الحقوق والحريات (مثل تشريع حرية عمل الأحزاب أو القدرة على تنظيم المظاهرات والاحتجاجات)، وتلك التي تقيس مدى سيادة القانون في النظام السياسي (مثل استقلال القضاء أو مدى انتشار حالات الاعتقال التعسفي)، وأخيرا تلك التي تقيس مدى توفر المساواة والعدالة الاجتماعية (مثل تشريع المساواة بين الجنسين أو مدی نسبة الأمية وتناسبها بين الرجال والنساء ونسبة الخريجين من الجامعات بين الرجال والنساء).
وأضاف أنه – وبناء على ما ورد في التقرير – فمن المؤكد أنه لا يمكن قياس هذه المقومات والقيم مباشرة؛ لذلك تمت بلورة مؤشرات قابلة للقياس لكل واحدة منها. فمثلا، تعتمد سيادة القانون على سبعة مؤشرات رئيسية منها درجة استقلال القضاء حسب النصوص الدستورية والقانونية ومدى وجود معايير مختلفة لمساءلة المواطنين كاستخدام أنظمة قضائية بديلة، كمحاكم أمن الدولة، وهما مؤشران يمكن بسهولة جمع معلومات رقمية دقيقة حولهما. توفر المعطيات الكمية القدرة على فهم التطورات المتعلقة بتلك القيمة. أما العلامة الرقمية النهائية لكل بلد فلا تهدف لإطلاق أحكام على ذلك البلد، بل تهدف أساسا لتمكين القارئ من مقارنة أداء دولة ما مع أداء دول أخرى.
ونقل ما ورد في التقرير بأن هنالك عدة جهات تقوم بإجراء مقارنات عالمية وإقليمية وفق منهجيات مختلفة. ففي تقرير صادر في عام ۲۰۰4عن برنامج الأمم للتنمية البشرية تمت الإشارة لحوالي ستين مقياس أو مشروعا أو بحثا يستند لجمع معطيات كمية عن متغيرات سياسية. من أهم هذه المقاييس “تقرير التنمية البشرية” الذي يصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ عام 1990 والمركب من أبعاد ثلاث: التعليم والصحة ودخل الفرد. وتصدر منظمة الشفافية الدولية منذ عام 1995تقريرا عن انطباعات الفساد مبني على أساس استطلاعات الرأي العام ومعلومات وانطباعات من رجال أعمال ومحللين في حوالي 180 دولة. لكن هذين التقريرين لا يتطرقان مباشرة للأبعاد السياسية لعملية التحول الديمقراطي: مثلما يفعل التقرير الشامل الذي يصدره البنك الدولي، “مؤشرات الحكم في العالم”، الذي يغطي ما يزيد عن مائتي دولة ومنطقة. يقيس تقرير البنك الدولي مؤشرات الحكم من ستة أوجه: المشاركة السياسية، الاستقرار السياسي، أداء الحكومة، حكم القانون، الإطار التنظيمي، والفساد. كذلك فإن تقرير “فريدوم هاوس” يقيس تغيرات تتعلق بالمساءلة والحريات المدنية وسيادة القانون ومحاربة الفساد. يعرف فريدوم هاوس (بيت الحرية) حسب تصنيفين: الحقوق السياسية والحريات المدنية ويعطي علامة لكل دولة يتم تغطيتها تتراوح بين 1 (الأفضل) و7 (للأسوأ). هناك أيضا تقرير تصدره مؤسسة “بيرتلزمان الألمانية” يتناول أوضاع الديمقراطية، كالمشاركة السياسية، وسيادة القانون، واستقرار المؤسسات الديمقراطية، وقدرة الدولة على السيطرة، والتكامل السياسي الاجتماعي، بالإضافة لأوضاع السوق والإدارة. أخيرا، يقوم “تقرير النزاهة العالمية” بتصنيف الدول التي يتم تغطيتها حسب تصنيفات متعددة تشمل المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والانتخابات، ومساءلة الحكومة، والإدارة والخدمة المدنية، والرقابة والتنظيم، ومحاربة الفساد، وسيادة القانون.
وأشار في نهاية حديثه بأن مقياس الديمقراطية العربي يتجاوز هذه التقارير بطريقتين: فهو يجمع بين الانطباعات والممارسات الفعلية، وقياس أثرها على الحياة اليومية للمواطنين، فهو مبني على مركزية مفهوم المواطنة بدلا من مركزية مفهوم السلطة السياسية؛ وهو كذلك يخطو بشكل محدود باتجاه الآثار الاجتماعية والاقتصادية التغيرات النظام السياسي على حياة المواطنين. إن مقياس الديمقراطية العربي يركز في جمع بياناته على ثلاث آليات: الجانب الدستوري أو القانوني، وانطباعات وآراء الرأي العام، والممارسة الفعلية لأنظمة الحكم من خلال العمل الميداني والتقارير الموثقة الممارسات سلطات الحكم، يتم القياس إذا من خلال مراقبة الأداء والممارسة وليس فقط من خلال فحص النوايا والمحددات الفوقية كالتشريعات والأنظمة، فالنوايا قد تكون حسنة لكن الأداء سيء. إننا نركز بالتالي على وسائل وممارسات التحول الديمقراطي وعلى تقديرات الرأي العام لتلك الممارسات.
المحاضرة كاملة: