نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 12 جمادى الثانية 1442هـ الموافق 21 يناير 2021م ندوة ثقافية تحت عنوان “الدين والتدين: مرونة التحدي والاستجابة في عصر الجائحة” حاضر فيها امين عام منتدى الفكر العربي السابق الدكتور الصادق الفقيه، وأدارها الاستاذ وليد الهاشم، وتناولت محاور الندوة عدة قضايا من ابرزها، الجوائح الكبرى وحدود المعرفة البشرية، حقائق الدين ومعاني الايمان، مرونة التدين واسهامات المتدينين، وأسئلة المصير وإجابات الإيمان. وقدم مدير الندوة الأستاذ وليد الهاشم اللقاء بحديث عن الإشكالات المعرفية والمفاهيمية التي حدثت منذ بدء جائحة كورونا والاشكالات التي طرحتها على مستوى الفكر والمعتقد، مما خلق نوعا من الاضطراب المفاهيمي بسببها، معرفا ضيف الندوة الدكتور الصادق الفقيه بأنه كاتب واكاديمي، حاصل على درجة دكتورا الفلسفة في الاعلام السياسي والدبلوماسية من جامعة الخرطوم، وتولى العديد من المناصب القيادية في مجالات اعلامية واكاديمية وبحثية، وله بحوث ودراسات ومقالات عديدة منشورة في دوريات محكمة وصحف عربية واجنبية.
تحدث الدكتور الصادق الفقيه في البداية حول كون الجوائح الكبرى تشكل منعطفات حادة تمر على المجتمعات البشرية وتحدث خضات هائلة وتنتج عنها مفاهيم جديدة تتغير فيها المعادلات، موضحا أن التاريخ قد سجل جوائح عديدة مرت على البشرية، ولكنه لم يسجلها بالتفاصيل والدقة التي نعيشها حاليا. وأضاف أنه عند حدوث الجوائح تظهر عادة توصيفات عنصرية تنسب أسباب الجائحة للجهات الأضعف والأكثر فقرا في العالم مع انهم ليسوا الناشرين لها، وتاريخيا لم يوجد وباء او جائحة نسبت سببها لأوروبا او أمريكا. وبين أن الجوائح تشكل تحديا قيميا وفكريا حقيقيا للبشرية والمعرفة الإنسانية، وبسبب ذلك ينزع الانسان للغيب لاستجداء الايمان لرفع هذه الجوائح، وتدفعه للتفكير في تصحيح العلاقة وتجدد الايمان بالغيب وإعادة طرح أسئلة الوجود، مؤكدا على أن جائحة كوفيد-19 كانت قاسية بسبب الجهل بأسبابها وضعف المعرفة البشرية بها على الرغم من تسارع التقدم والمعرفة العلمية، فالخوف والقلق والغموض يعيد التساؤل وفحص الايمان مجددا.
ولفت المحاضر إلى أن الذهن الإنساني المكدود أدرك، خلال قتامة الأوضاع، التي خلفتها هذه الجائحة، ضرورة استعادة الدين، كمنظور وجودي، للإجابة على الأسئلة الكبرى، وإخراج التدين من محدودية الأداء الطقوسي الآتي من تجارب بشرية منقطعة؛ داخل دُورها ومعابدها، إلى فضاء الحياة الفسيح. فقد أراد الله أن يعلم الناس، من خلال هذه التجربة القاسية، أن الدين وقاية وحماية لهم من الخوف، وأن أداء الشعائر، بالطريقة التي اعتادوها، ليس هو كامل الدين، الذي يتوقف حضوره في الحياة عليها، وإنما جوهره أن يُفَسِّر حَادِثَات الكون ونوازله لتستعيد الشعائر تأكيد ارتباطها بشرائعها وطرقها المُوَحِّدَة لأنشطة الحياة الاجتماعية والكونية والعقلية. وقال الفقيه أن رجال الدين والمؤسسات الدينية قاموا خلال هذه الجائحة بدور ملموس في تصحيح أنماط التدين وتأكيد حقيقة الدين والتوجيه للتضامن الإنساني وربط الايمان بالعمل الإنساني الصالح وقيادة الناس في فترة الضياع.
وأضاف الفقيه أن الجائحة شكلت في بدايتها لحظة فكرية للبحث عن معنى الوجود وأصل الحياة وما يتطلبه التدين من معنى الإنسانية، وعلينا التعود على النظم الجديدة بعد الجائحة في مجالات الاقتصاد، والتعليم، والتواصل، وغيرها. واختتم بالقول أن الايمان الحقيقي هو ما يصدقه العقل وهو القوة الدافعة لفعل الخير وتأكيد مسئولية الانسان، وينبغي التفكير في العلم باعتباره مسارا للتطور، والايمان لا يلغي الأسباب الموضوعية للتحولات في الكون. وقال أنه في منعطفات الحيرة الفلسفية، واضطراب الذهن الإنساني، يأتي الدين ليجمع ما بعثرته التجربة البشرية، وتقديراتها المادية، التي امتدت طولاً وعرضاً في عرصات الحياة، لكنها أغفلت العمق والجوهر، والبعد التكويني الأهم، في اكتمال بنية الرؤية ويقينياتها، مما يحتم ابتدار انتفاضة معرفية، لا تترك معطيات الراهن المأزوم لمنهج بحث قاصر الأبعاد، وإنما تستصحب مفاهيم الدين وأنماط التدين، حتى تصل إلى غاياتها الاستدراكية العلمية.
وواصل في محاضرته القول أنه على الرغم من أن التجربة الدينية هي ظاهرة روحية ذاتية بحتة، فإنها متعادلة بالتعاليم الدينية، ومتجلية بالتدين الجمعي المجتمعي. وبمثل هذه التجربة، تتبنى المجتمعات موقفاً إيمانياً إيجابياً وحَيَّاً تجاه أسمى المعاني في عوالم العمران البشري، والواقع الموضوعي للكون. إذ إن المثل الأعلى للتجربة الدينية هو ثقة إيمانية تجعل الإنسان يعتمد بشكل كامل على التسليم المطلق لخالق الأكوان اللامتناهية. إن مثل هذه التجربة الدينية الحقيقية تتجاوز؛ إلى حد بعيد، الابتسار الفلسفي للرغبة المثالية، التي تأخذ في الواقع التدين كممارسة مُحَقِّقّة لأمر الإيمان ومقتضياته. بينما تأسس العلم المادي على الافتراض المتأصل في المعرفة الموضوعية بأن العقل صحيح، وأن الكون يمكن فهمه. فالفلسفة، أو الفهم المنسق، تقوم على الافتراض المتأصل، فيما عُرِفَ بروح الحكمة، وأن هذه الحكمة صالحة لكل زمان ومكان، وأن الكون المادي يمكن تنسيقه مع العالم الروحاني. بينما التدين، الذي يمثل حقيقة التجربة الروحية الشخصية، قد تأسس على افتراض أنه ضابط الفكر المتأصل بأن الإيمان صحيح، وأن الله يمكن معرفته والتحقق من وجوده بالعقل والقلب.
وقال لقد انعكس أثر وباء كوفيد-19 على درجات الوعي والاهتمام بالدين، وبدّلَ، إلى حين، في أنماط ممارسة التدين بطرق مختلفة، بما في ذلك إلغاء خدمات العبادة الجماعية لكل الأديان، وإغلاق مدارس التعليم الديني، وكذلك إلغاء الزيارات للأماكن المقدسة والحج والعمرة، وكل الاحتفالات والمهرجانات الدينية. وأوضح أنه ربما تكون وطأة الجائحة قد خَفَّت بالفعل، إلا أنه ما يزال يتفشى، وأن الأزمة مازالت مستمرة، ونتائجها ما زالت تلقي بظلالها وقسوتها على مختلف الدول والشعوب، وأن الحل ما يزال بعيد المنال، رغم ما تبشر به بعض مراكز البحث العلمي، وتتسابق لإنجازه من أمصال وعقاقير.
وجاء في مداخلات الحضور مشاركة للأستاذ سلمان الحبيب قال فيها أن الانسان يحتاج للحظة وجودية يبحث فيها عن المنقذ والخلص، لكن البعض يرى أن وجود المعضلات وعدم معالجتها قد تكون بسبب نقص الايمان بالغيب، مشيرا إلى أن الجانب المشرق في هذه الجائحة هو كون الوباء ديمغرافي يسري بين الجميع وهزم العالم أجمع وبين حقيقة ضعف الإنسان. واعتبر الأستاذ نادر الابراهيم أن المحاضرة كانت قريبة من الموعظة الدينية، ولكن بأسلوب مختلف عن رجال الدين، فالقول بأن رجال الدين ساهموا في تفكيك حالة الخوف لا يتوافق مع يعتقد بأنهم محصنون عن المرض لأنهم أتباع مذهب معين ولا يحتاجون اتباع أي احترازات أو اتخاذ إجراءات تحميهم من الفيروس.
وأضاف الأستاذ عيسى حسن أن سبب انتشار الفيروس هو طريقة الحياة التي نتبعها، مما تخلق ضعف المناعة وذلك هو سبب وجود تأثير لهذه الفيروسات والانجرار وراء أخذ اللقاحات وعلينا إعادة تنظيم طريقة حياتنا بصورة مختلفة، وتساءل الأستاذ أمين الصفار عما إذا كانت الجائحة تساهم في العودة إلى المحلية بدلا من الارتباط بالعولمة التي جعلت التأثر متبادلا بين البشر بشكل كبير. وشكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر والمشاركين على تفاعلهم بالنقاش حول هذا الموضوع الشائك والمقلق للجميع باعتباره هما مشتركا في هذه المرحلة انعكست آثاره على جميع الناس، وطرح أسئلة كبيرة ومحيرة تحتاج إلى نقاشات مستفيضة من أجل أخذ العبر والدروس منها.
المحاضرة الكاملة: