استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي عبر بث عن بعد مساء الثلاثاء 14 جمادى الأول 1442هـ الموافق 29 ديسمبر 2020م استاذ المنطق وفلسفة العلوم بجامعة الكويت الدكتور محمد احمد السيد في محاضرة بعنوان “فلسفة التكنولوجيا ومستقبل الانسان”، وأدار الحوار فيها المهندس حسن الحاجي. وتناولت محاور الندوة مواضيع عدة من أبرزها: تطور التكنولوجيا عبر التاريخ، والتكنولوجيا بين العلم النظري والتطبيق، والتكنولوجيا ومستقبل الانسان، ونقل التكنولوجيا ام نقل العلوم كما تخللها حوار مع المتابعين شمل المداخلات والاسئلة. وتحدث مدير الندوة في البداية عن التلازم بين الانسان والتكنولوجيا والتفاعل التبادلي وإعادة انتاج بعضهما البعض، واختلاف أنماط حياة الانسان بتأثير التكنولوجيا، حيث مرت البشرية بعدة منعطفات كبيرة بسبب تطور التكنولوجيا كاكتشاف النار، والعجلة، والطباعة، والبخار، والكهرباء، والتكنولوجيا الرقمية، والبيولوجية.
وعرف مدير الندوة المحاضر الدكتور محمد أحمد السيد بأنه حاصل على شهادة الدكتوراه في المنطق وفلسفة العلوم من كلية بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وسبق له ان عمل مديرا لبرنامج الدراسات العليا، في جامعة الكويت، وهو عضو الجمعية الفلسفية الأمريكية، ولجنة فحص ومراجعة الكتب في المركز القومي للترجمة بالقاهرة، ولجنة الفلسفة والأديان بمكتبة الإسكندرية، وصدرت له مجموعة من الكتب والدراسات العلمية. وبدأ المحاضر حديثه بالقول أن علم الفلسفة لا يزال علما حديثا في دول الخليج ما عدا الكويت، وأن السعودية مقبلة على مرحلة مهمة في هذا المجال حيث تعد مناهج تعليمية جديدة ومتقدمة ستكون متميزة عالميا في هذا المجال بعد فترة زمنية اتسمت بالحذر والتخوف من تعليم الفلسفة التي لها تأثيرات إيجابية كبيرة على فهم مختلف العلوم التي لا تنفصل عن الفلسفة. وأضاف أن التكنولوجيا (أي التطبيق) كانت في العصور القديمة منفصلة عن العلوم النظرية التي تهدف الى تفسير الأسباب والاجابة عن الأسئلة والكشف عن الظواهر والقدرة على التنبؤ، أما في العصور الحالية فقد أصبحت التكنولوجيا مبنية على العلوم ومتصلة بها.
وواصل الدكتور السيد حديثه قائلا أن فكرة الموضوعية والحياد في العلم تغيرت وأصبحت هناك موجات من التغيير المتأثر بالعوامل السيكولوجية والسوسيولوجية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من النظرية العلمية، وأن التكنولوجيا ما هي إلا صورة من صور التطبيق للقاعدة العلمية. وقال أن الحضارات القديمة كانت منفصلة عن العلم، ولم يكن نتاجها مبنيا على العلم بل سميت فلسفة، فقدماء المصريين كان لديهم انتاج كبناء الاهرامات وهياكل متعامدة مع الشمس، والحضارة اليونانية كانت مزدهرة في الجانب النظري وليس التقني والتطبيقي وكانت لهم اسهامات نظرية كبيرة في مختلف مجالات العلوم واعتبروا النواحي التطبيقية من اعمال العبيد وليس العلماء، أما الحضارة العربية والإسلامية فقد كانت لها إنجازات عملية وتطبيقية هائلة كالمراصد وغيرها واستفادت منها الحضارة الأوروبية في مجالات عدة، وانطلقت النهضة العلمية في أوروبا في القرن الرابع 14 الميلادي لأنها جاءت كثورة شاملة في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية كالفنون، والآداب، والعلوم، وغيرها.
وتناول المحاضر الرؤى المختلفة حول دور التكنولوجيا وتأثيرها موضحا أن هناك رؤيتان مختلفتان حول تأثير التكنولوجيا على الانسان: أولاهما أنها الملاذ المخلص للإنسانية كمصدر لسعادة الانسان وحل كل مشاكله، والأخرى أنها سبب في مختلف أمراض العصر كالاكتئاب والامراض النفسية والجسدية التي ظهرت حديثا، مضيفا أن هناك تصورات مستقبلية خطيرة لدور التكنولوجيا في علاقتها بالإنسان كمدمج الانسان وأعضائه بأجهزة آلية، والعمل على تفريغ عقل الإنسان وإعادة تحميله وتأثير ذلك على الوعي وفض أسراره وذلك قد يؤدي إلى تطورات غير قابلة للسيطرة عليها. وأكد في حديثه أن التكنولوجيا لا تنتقل عبر العلم النظري، وأن القوة الحقيقية للمجتمعات تكون في امتلاك العلوم، وليس نقل التكنولوجيا لغرض فهم العلوم التي تقف خلفها وتطويرها، وأن الهندسة العكسية التي كانت سائدة في السابق لم تعد ذات جدوى حاليا، والدليل أن جائزة نوبل تهتم بالعلوم الأساسية وليس النقل، مشيرا إلى أن نجاح تجربة الصين جاءت من خلال القدرة على نقل العلوم عبر الابتعاث المتواصل لآلاف الطلبة لتلقي الدراسات العليا والتدريب في الغرب ثم اغرائهم للعودة ونقل العلوم لبلادهم، وحاجز اللغة فقط يقف امام سيادتهم العالم حاليا.
وأنهى الدكتور السيد حديثه قائلا أن الاخلاقيات تلعب دورا مهما في التوجيه السليم للتكنولوجيا بحيث لا تصبح عدوة للإنسان، ومن بين الأمثلة تبديل أعضاء الانسان والقتل الرحيم ومحاربة الشيخوخة واطالة عمر الانسان باعتبار ذلك مرضا قابلا للعلاج، موضحا أن كل الإنجازات العلمية تتأثر بالثقافة السائدة في المجتمع وينتج عن ذلك أحيانا الاستخدام الخاطئ لمنتجات التكنولوجيا، وهناك حاجة مستمرة للتوعية والتنبيه من اجل الاستخدام الأمثل لهذه المنتجات، وينبغي وضع كوابح أخلاقية. وأوضح أن التنبؤ ميزة يكون الأدباء والشعراء أكثر قدرة لممارستها لامتلاكهم الخيال بصورة أكثر من العلماء الذين يبدون أكثر تحفظا في هذا المجال للنهج التطبيقي الذي يتبعونه ويهيمن عليهم.
وناقش المتابعون للندوة في مداخلاتهم بعض الأفكار والآراء التي طرحت في الندوة، فطرح الأستاذ عبد اللطيف النوبي أهمية مناقشة التطور الحاصل في المملكة والتوجهات الجديدة نحو مشروع الفلسفة وتدريس مناهجها وانعكاس ذلك على التعليم وبرامجه، ورأى الأستاذ نواف العساوي أن التوجهات المتسارعة لاستخدام تطبيقات التكنولوجيا بصورة غير متوازنة يعتبر أمرا خاطئا لكونه يؤثر سلبا على العلاقات الاجتماعية وتشكل بدائل عن التواصل المباشر بين أفراد المجتمع. وناقش الدكتور سعيد الجارودي موضوع التنبؤات المستقبلية والتقنيات المحتملة فيها، وخاصة أن الكثير منها ليس مبنيا على أسس علمية، بل هي تصورات من الخيال العلمي متسائلا عما إذا يمكن إدراج ذلك تحت مظلة الفلسفة العلمية.
وطالب الدكتور ياسر محمد بتناول مثل هذه المواضيع العلمية والفلسفية بصورة متواصلة نظرا لأهميتها وانعكاساتها الإيجابية لفهم التطورات العلمية وتأثيراتها المباشرة على المجتمع وخاصة أن التقنية تأتي بصورة سريعة وتتدفق بصورة مستمرة، كما أشار الدكتور عبد العزيز الرهيمي إلى مشاريع عالمية علمية بناءة مثل مشروع أوباما حول الوعي وضرورة الاهتمام بمتابعتها ومعرفة منتجاتها وتفاعلاتها، موضحا مقولة جون سورس حول أن القوة العقلية هي عبارة عن مدخلات ومخرجات وبالتالي فهي تتأثر بالمحيط وثقافة المجتمع. وناقش الأستاذ لاحق عسيري مشكلة التكنولوجيا في حياة الانسان وعما إذا كانت تشكل تهديد فعلي على البشرية أم أن ذلك مجرد تصور من قبل محافظين كما هو الحال مع أي منتج تقني جديد.
وناقش الأستاذ حسين شبكشي موضوع الانحياز الثقافي تجاه الخيال الأنجلوسكسوني باعتبار أن معظم المنجزات التكنولوجية المتطورة بدأت لديهم وثم انتقلت للحضارات والمناطق الأخرى، متسائلا عما إذا كانت المواقف الايدلوجية تشكل حواجز من التفاعل مع معطيات الإنجازات العلمية، وعلق الأستاذ علي محمد حول مقولة فرانسيس بيكون أن العلو قوة مناقشا الفكرة في أن القوة الناتجة من العلم لا تزال تخلق مشاكل عويصة للبشرية قد تؤدي إلى إبادتها كما هو الحال في القنابل الذرية والنووية ومختلف أنواع الأسلحة التي هي منتجات من العلوم. وفي نهاية الندوة شكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب المحاضر والمشاركين مؤكدا على أهمية تناول هذه المواضيع والقضايا الجادة والمهمة والتي تساعد في فهم التطورات العلمية القائمة بصورة متوازنة.
المحاضرة الكاملة: