وسط مشاركة واسعة وثرية من مثقفين وأكاديميين من مختلف الدول العربية وفي ندوة حوارية أثارت جدلا واسعا، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي الدكتور عبد الله الغذامي متحدثا في محاضرة له حول كتابة “العقل المؤمن والعقل الملحد” وذلك مساء الثلاثاء 16 ربيع الثاني 1442هـ الموافق 1 ديسمبر 2020م، وأدراها الإعلامي عبد العزيز العيد مدير القناة الثقافية سابقا الذي حاور فيها الضيف حول بعض الأسئلة الكبرى من قبيل كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد؟، هل لقوة غير عاقلة أن تخلق قوة عاقلة؟، هل لوجودنا معنى؟ وما مصيرنا بعد الموت؟، وطرح رؤى حول نظريات الانفجار العظيم والتطور والجاذبية.
وبدأ مدير الندوة بالحديث مشيرا إلى أهمية الحوار مع الدكتور الغذامي ذي الاطروحات الجدلية المثيرة والبناءة، والذي يملك باعا طويلا في مختلف المعارف وتشهد له بذلك الساحة الثقافية، موضحا أن موضوع الحوار هو بطبعه جدلي ومهم في ذات الوقت حيث أن موضوع الايمان والالحاد أصبحا يلامسان كل فرد في هذا العصر. وعرف بالمحاضر أنه أستاذ النقد والنظرية بجامعة الملك سعود، أكمل تعليمه العالي في بريطانيا عام 1978م، وعمل في جامعة الملك عبد العزيز بجدة، وفي جامعة الملك سعود بالرياض، وكتب دراسات ومؤلفات في النظرية النقدية، والمرأة واللغة، والنقد الثقافي، والثقافة البصرية، وهو حاصل على عدة جوائز من أبرزها جائزة مكتب التربية العربي لدول الخليج 1986م، جائزة العويس 1999م، وجائزة مؤسسة الفكر العربي للإبداع 2001م.
افتتح الدكتور عبد الله الغذامي الحوار بالقول أن التشدد الديني يقود إلى انتشار حالة الإلحاد بسبب الشدة المفرطة، وأن النقاشات والكتابات حول الإلحاد تراجعت في السعودية منذ عام ٢٠١٧م عندما سادت حالة الاعتدال والتوازن وخفت حالة التشدد في المجتمع. وقال الغذامي عن كتابه محل النقاش، أنه يتنبع سبعة نماذج من العقول الكبار – مؤمنين وملحدين – ناقشوا بعضهم في قضايا فلسفية حول الخلق ومعنى الوجود والمصير بعد الموت، ويكشف الكتاب حال الحجج بين الفريقين موضحا أن الفريق المؤمن يطرح براهين على إيمانه بوجود الخالق، بينما الطرف الملحد لا يطرح حججا تنفي وجود الخالق ويجنح من الإلحاد إلى اللاأدري.
وقال أن السؤال المركزي للكتاب هو هل للكون خالق؟، وما معنى وجودنا؟ وما هو مصيرنا بعد الموت؟، مضيفا أن عقول البشر ليست واحدة، وأن لها تجارب متعددة في التعاطي مع المعرفة والعلوم والحياة. وأوضح أن أخطر النظريات وأهمها في علاقة العلم بالإيمان هي نظرية التطور، مضيفا أنها وعلى مدى 200 عام لاتزال نظرية لم تصل بعد كي تكون قاعدة أو قانون، وأنها نظرية لا تتناول الخالق، بل المخلوق وسماها داروين “اللغز العلمي” وكان يقول أن الكون العظيم من المحال أن يكون وليد صدفة عمياء، وعبر عنها كولنز بأنها لاتزال تبحث جيلا بعد جيل. وأضاف أنه لا يوجد هناك تناقض بين الدين والعلم، وينبغي العمل على المصالحة بين المتدينين والعلماء، موضحاً أن أهم عنصر في الفلسفة هو عدم تسليم العقل للآخرين، وضرورة طرح الأسئلة للبحث عن أجوبةٍ جديدة، وقد لا يكون تعليم الفلسفة في المدارس نافعاً إذا كانت طريقة التعليم تلقينية.
وأوضح المحاضر أن الإيمان والإلحاد هما تعبير عن الإرادة الحرة التي يمتلكها الإنسان وأنها تستوجب أن يكون الفرد مسئولاً عن أعماله ويحتكم للقانون، مؤكدا على أنه لا يصح اتهام أحدٍ بالإلحاد إذا لم يعلن ذلك بنفسه لأن ذلك يعد بهتاناً. وقال إن الفلسفة لا تقرأ لكي تستعاد، فالفيلسوف يعيد طرح الأسئلة في محاولة للبحث عن أجوبة أخرى، ومن المهم قراءة الفلسفة لتجنب الأخطاء وطرح أجوبة وتفسيرات جديدة. وقال أنه بدأ في تأليف الكتاب بعد أن شاعت أفكار الالحاد بين الشباب وزادت النقاشات حول ذلك وخاصة بين عامي 2011-2015م، مؤكدا على أن التشدد الديني أخطر من الالحاد وأن معظم الشباب الذين اتجهوا للإلحاد كان بسبب الشدة المفرطة في تعاليم أهاليهم ومجتمعهم معهم، مؤكدا على أن الدين علاقة بين الانسان وربه، وعندما يتدخل أي أحد في ذلك فإنه يبرمج هذه العلاقة حسب رؤيته. وأضاف أن تجربته الأولى في الكتابة حول هذا الموضوع كانت كتاب “مع الخطيئة والتكفير” حيث لاحظ وجود صعوبة لدى القراء مما دفعه للبحث عن طريقة أكثر لينا كي تتحقق السلاسة والمناسبة/ موضحا أن الكتاب تعامل مع العقول الكبرى في محاولة لمعرفة أسباب الايمان والالحاد، وليس مع القاعدة الشعبية.
وحول علاقة العنف بالدين، قال الدكتور عبد الله الغذامي أن العنف البشري قد يأتي من كل الأطراف سواء من المتدينين أو من غيرهم وسببه إرادة التدمير لدى البشر، وأن العلمانية لا تعني الكفر بالدين، بل عزل الدين عن الفضاء السياسي العام. وقال أن المستشرقين لديهم موقف استعلائي ضد العقل الشرقي بوصفه عاطفياً، وهي نظرية خطيرة لأنها لا تعلن عن عنصريتها، وتسللت هذه النظرية عند بعض العرب في تفريقهم بين العقل الآري والعقل السامي. وختم حديثه بالتأكيد على أن تجديد الخطاب الديني أمر حتمي وضروري، وسيحدث هذا التجديد وعلينا أن نكون مساهمين في ذلك.
وجاءت مداخلات المتابعين كثيفة ومتنوعة، فطرحت الأستاذة رجاء البو علي موضوع استبعاد سؤال الكيف إلى السببية في البحوث الفلسفية من أجل التقدم علميا للأمام، وأن الكاتب بين ضعف العقل الملحد عبر النظرية لكنه هناك من يرى بأن الكاتب لم يرد ردا علميا على موضوع الالحاد. وقال الدكتور ياسر الذهبي أن الالحاد هو نتيجة لوجد ثغرة في الإجابات، متسائلا عن أسباب وضع أي شخص يحمل اتجاهات وأسئلة فكرية مختلفة في خانة الالحاد، وقال الأستاذ نادر البراهيم أن مستوى العقول المؤمنة والملحدة في الكتاب كبير، وأنه قد يكون سبب الالحاد التشدد الديني، ولكن هناك طرح فكري متخلف لوجود الانسان وبعد عن العلم كالحديث عن عدم كروية الأرض.
وطرح الدكتور تركي الشلاقي مداخلته بالقول أن الفكر المؤمن والالحادي ليسا ندين لبعضهما، فلماذا يعمل العقل المؤمن على فرض الحقيقة بينما يقوم العقل الملحد بطرح الأسئلة ومناقشة الحقائق المطلقة، مشيرا إلى أن القامات الفكرية لا تزال عبارة عن جهود فردية وليست مؤسساتية لصنع الانسان المفكر الناقد. وأضاف الأستاذ سلمان الحبيب في مقارنة بين الايمان والالحاد، أن الالحاد موجود لدى جمع كبير من العلماء أيضا وكثير من المؤمنين دوغمائيون حيث يعتقدون ثم يبررون لإثبات أفكارهم، وأن الدين موروث بينما الالحاد هو نتيجة أسئلة وبحث تنطلق من الشك. وقال الأستاذ طارق المالكي أن لتدريس الفلسفة في المدارس إيجابيات حيث أن المعلم محايد ويطرح ما يقدمه المنهج، وأضاف أنه لا يوجد هناك تناقض بين الدين والعلم، وينبغي العمل على المصالحة بين المتدينين والعلماء، موضحاً أن أهم عنصر في الفلسفة هو عدم تسليم العقل للآخرين، وضرورة طرح الأسئلة للبحث عن أجوبةٍ جديدة، وقد لا يكون تعليم الفلسفة في المدارس نافعاً إذا كانت طريقة التعليم تلقينية. وطرحت الدكتورة الجازي بنت محمد فكرة تعميق العلاقة بين المثقفين والعلماء واعمال العقل والتفكير لتقوية علاقة الناس بالدين.
المحاضرة الكاملة: