استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 26 صفر 1424هـ الموافق 17 أكتوبر 2020م الخبير والاستشاري في الأمن الإنساني الأستاذ فادي أبي علام في ندوة تحت عنوان “السلم الأهلي بين الضرورات والتحديات” شارك فيها مجموعة من المهتمين والأكاديميين، وأدارتها الاعلامية جنان العبد الجبار. وقدمت مديرة الندوة اللقاء بعرض موجز عن دور السلم الأهلي وأهميته للمجتمعات الإنسانية لضمان استقرارها وتنميتها وحمايتها من الآثار المترتبة على الصراعات بينها. وعرفت المحاضر بأنه حاصل على أنهى دراساته العليا في العلوم السياسية بالجامعة اللبنانية وكرس حياته في مجال بناء السلام ونشر ثقافة اللاعنف والحماية من النزاعات المسلحة، وهو يشغل حالياً منصب رئيس «حركة السلام الدائم»، وحصل على عدة دورات تدريبية دولية ونال شهادات ودروع تكريمية من مؤسسات سلام عالمية كما عمل على تنظيم العديد من المؤتمرات وورش العمل في عدة دول.
بدأ أبي علام حديثه بالإشارة إلى أن مصطلح السلم الأهلي ظهر في منطقتنا بعد الحروب الأهلية التي عصفت ببعض بلدان المنطقة في الفترة الماضية، وسببت في بروز حالة العنف في هذه المجتمعات بحيث أصبحت سمة بارزة فيها. وأوضح أن السلام الدائم يفترض العدالة والشمولية واحقاق الحقوق واسترجاع ما أخذ منها، موضحا أن السلم الأهلي يعني حالة من الاستقرار والانسجام بين مختلف المكونات الاجتماعية والتحرر من الخوف والحاجة، وهو حالة من التوافق والمصالحة مع الذات والآخر والبيئة المحيطة استنادا على قاعدة الحقوق المتساوية.
واضاف الدكتور فادي أبي علام أن عملية بناء السلم الأهلي تمر بعدة مراحل: أولها صنع السلام من خلال وقف الأعمال العدائية وفك الحصار بين الأطراف المتنازعة وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين، وثانيها بناء السلام للوقاية من النزاعات وبناء الاتفاقات، وثالثها حفظ السلام للفصل بين المتنازعين وامتصاص حالة الغضب وخلق أرضية للحوار. وأوضح في حديثه أنه يجب ألا ننظر للسلام وكأنه تغييب للنزاعات، فالنزعات والصراعات هي من طبيعة حياة البشر بسبب الاحتكاك والتنافس بينهم، وهو قائم في كل المجتمعات الإنسانية، ويختلف من مجتمع لآخر في طريقة إدارة هذه النزاعات عبر تحويلها من تصارع لتنافس وتعاون.
وأشار إلى أن هناك مقاربات عديدة لمفهوم السلم الأهلي من بينها تفسير الأمن الإنساني – كما تعتمده مؤسسات الأمم المتحدة – من خلال الإنماء والتنمية، واعتماد الحقوق بمختلف مكوناتها، والأمن والأمان بمجالاته السبعة (الاقتصادي، الاجتماعي، الصحي، الغذائي، البيئي، الشخصي، السياسي). وأكد في محاضرته على أن السلام مسئولية جماعية، كما ورد في تقرير كوفي عنان للأمم المتحدة بأن الأمن والسلم هما مسئولية الجميع دون استثناء بما في ذلك المنظمات الدولية والإقليمية والدول ومؤسسات المجتمع المدني والأفراد، مؤكدا على أن بناء السلام يعتبر عملية استباقية ووقائية لحدوث النزاعات وتمهد لعقد الاتفاقات بين مختلف الاطراف حيث تخلق ارضية مناسبة للحوار والتفاوض، وموضحا انه من المهم لحل النزاعات الاعتراف اولا بوجود النزاع وتحليل وفهم اسبابه بصورة موضوعية. وقال أن النزاعات عادة ما تبدا محلية ومحدودة، ولكنها تكبر وتتضخم وتتجاوز حدودها المحلية وقد تتحول لنزاعات إقليمية أو دولية، مما يعني أن هناك دور كبير للقادة المحليين وللمؤسسات المحلية في الحد من تفاقم النزاعات ولجمها، وينبغي تحديد الجهة المناسبة للتعامل مع كل نزاع.
وحول دور الأديان في بناء السلام، تحدث المحاضر عن ان البعد الديني فد يتحول لعامل سلبي في النزاعات اذا لم يوظف بطريقة اخلاقية وايجابية عبر استنطاق ابعاد التعايش الانساني ونزع فتيل خطاب الكراهية، مؤكدا على أن الأديان هي الأغنى بمضامين السلام لكونها مبنية على عقائد وتقوم على التقديس والاحترام، ولأن لديها غنى وثراء في القيم الإنسانية، ولوجود الشعائر والطقوس المرتبطة بها والقابلة للتوظيف إيجابيا، وكذلك للدافعية الذاتية التي تمتلكها في الأعمال الخيرية والإنسانية في المجتمع، وأنه يؤكد الهوية الاجتماعية الشمولية. وأوضح أنه ينبغي على الخطاب الديني البعد عن الكراهية وعدم الحض عليها والاستناد للقيم الأخلاقية التي لا تقبل الحالة الفوقية والعنصرية وتبرير العنف باسم الدين أو عدم القبول بالاختلاف والتنوع الذي هو سنة وإرادة إلهية، مؤكدا على عدم الاستخفاف بأي مخلوق وضرورة احترام مواطن القوة لدى أي انسان.
وحول حل النزاعات، تحدث أبي علام عن ضرورة الاعتراف بوجود النزاع في المرحلة الأولى، وتحليل وفهم أسبابه ثانيا، ومعرفة الأطراف المشاركة فيه ودورهم. وأضاف أن من بين سبل حل النزاعات تعزيز ثقافة السلام، واستخدام الوسائل السلمية كالحوار والتفاوض والوساطة والمساعي الحميدة، مؤكدا على أن العنف يؤدي إلى إحداث أذية للآخر وللذات. وأشار إلى مسببات العنف في المجتمعات بأنها نتيجة حالات التهميش والحرمان والإهمال، وعدم المساواة في الخدمات، وانتشار حالات القمع والاستغلال، وكل ذلك يقود إلى انتشار حالة الكراهية ومن ثم العنف المباشر. وأكد إن المعالجات السلمية الاستباقية هي التي تحمي المجتمعات من نمو النزاعات والصراعات فيها، وأن الحوار المباشر بين الأطراف المعنية كفيل بإيجاد سبل المعالجة السلمية قبل اندلاع أي نزاع.
وأوضح أن الصراع هو المرحلة المتقدمة من النزاع، وللعمل على الحل ينبغي فصل العاطفة عن المنطق، وفصل الشخص عن المشكلة، وفصل الموقف عن الحاجة او المصلحة، وفهم حقيقة ما يحتاجه الآخر ومصالحه، ووضع المعالجات بناء على الحاجات والمصالح. وختم حديثه بالقول أن الشباب شريحة أساسية ومهمة في المجتمع، ومن المهم أن تكون شريكة في بناء السلام والتغيير نحو الأفضل، وأن هناك تحديات عديدة أمام الشباب من بينها البطالة والأمية والعنف، وينبغي التفريق بين الخطابين السياسي والمدني، وزيادة المعرفة بالمواطنة والحقوق، وتطوير مهارات الحوار وحل النزاعات، وتوظيف وسائل التواصل الاجتماعي بطرق بناءة.
وعلق مدير فرع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالمنطقة الشرقية الدكتور خالد البديوي على اهمية تحليل النزاعات ومعالجة معضلة عدم الاعتراف بها، مشيرا الى ان تعزيز السلم الاهلي يتطلب تجاوز الخطاب الديني المؤجج للنزاعات. وجاءت بعض مداخلات المشاركين متسائلة عن دور الخطاب الديني المتسم بالعنف في تأجيج النزاعات، ودور الأفراد وخاصة الشباب ومسئوليتهم في بناء السلم الأهلي، فعلق الأستاذ أحمد الخميس بتأكيده على ضرورة اصلاح الخطاب الثقافي المتسم بالعنف حيث أن الحروب تبدأ في عقول الناس، وحلها يستلزم شراكات وخبرات عديدة، وأن غياب المشروع العربي ساهم في بروز قوى محلية خارجة على النظام العام. وشكر المشرف على المنتدى الاستاذ جعفر الشايب ضيف الندوة والمشاركين فيها مؤكدا على أهمية هذه اللقاءات التي تهدف لحماية المجتمع وتحصينه من النزاعات والصراعات والعمل المتواصل لبناء السلم الأهلي، مشيرا إلى أن التنظيرات العامة قد لا تقود لمعالجات بناءة في الحد من النزاعات، ومن المهم وجود مراصد علمية في المجتمعات لمعرفة النزاعات الكامنة وتحديد بؤرها لمعالجتها مبكرا.
لمشلهدة المحاضرة كاملة: