سامي العريفي يناقش أسباب سقوط الأندلس بقراءة مغايرة

808

في الندوة الثقافية والتاريخية التي نظمها منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “أسباب سقوط الأندلس: قراءة مغايرة” والتي قدمها الباحث في التاريخ والعقائد الأستاذ سامي العريفي وأدارها الدكتور علي النهابي مساء الثلاثاء 10 شعبان 1442هـ الموافق 23 مارس 2021م، ناقش المحاضر فيها عدة مواضيع تتناول رؤية مختلفة وقراءة مغايرة لأسباب سقوط الأندلس مختلفة عن القراءات التقليدية السائدة. وشارك في الندوة عدد من المهتمين بقضايا التاريخ والتراث والاندلسي حيث قدموا مداخلاتهم في نهاية الندوة.

وتحدث مدير الندوة الدكتور علي النهابي موضحا أهمية إعادة قراءة التاريخ بشكل عام والإسلامي بشكل خاص لما له من تأثير على واقعنا وترميم ما علق بالذهنية العربية من مغالطات بسبب القراءات السطحية والمغلوطة للتاريخ، مشيرا إلى اهتمام المحاضر بدراسة تاريخ الأندلس ومراجعاته المستمرة لهذا الموضوع ومشاركاته في العديد من الندوات حول هذا الموضوع. وقدم مدير الندوة تعريفا بالمحاضر الحاصل على بكالوريوس قانون ودرجة الماجستير في الاعلام، وهو باحث ومحلل في التاريخ والعقائد وله عدة قراءات وبحوث في حقب لاماكن متعددة من التاريخ الإنساني، وشارك في تطوير وتأسيس عدة فعاليات ثقافية مثل نادي “فلك” ونادي “روى” الثقافي وملتقى “سمو” الثقافي ومبادرة “اصدقاء الثقافة”، وهو مؤلف كتاب مخطوط تحت عنوان (حقيقة عبد العزيز ال سعود).

افتتح المحاضر حديثه بالإشارة إلى أهمية قراءة تاريخ الأندلس نظرا لامتداد التاريخ الذي بقي فيها المسلمون هناك والذي امتد لحوالي ثمانية قرون معتبرا إياها من العصور الإسلامية المهمة بسبب التداخل الحضاري والاجتماعي مع ثقافات وحضارات مختلفة وإحداث حالة من التعايش والاندماج. وبين في حديثه أن الكثيرين يقرؤون أسباب سقوط الأندلس بطرق تقليدية غير خاضعة للتحليل العميق، فيطرحون أن من بين الأسباب الابتعاد عن الدين وضعف الوازع الديني، وبروز الخلافات والنزاعات الداخلية وغيرها من الأسباب المتداولة والسائدة. وأوضح أن هناك تناقضات واضحة في دراسة هذه العوامل منها بينها أن حالة التدين لم تكن مؤشرا واضحا منذ بداية قيام الاندلس ودخول المسلمين فيها، فينقل التاريخ أن بعض القادة العسكريين الأبطال كانوا يعاقرون الخمر ويعاشرون النساء.

وأوضح العريفي أن هناك أسبابا أخرى جيوسياسية وسوسيولوجية لم يتناولها الباحثون بشكل واف عند دراسة أسباب سقوط الأندلس التي كانت تتشكل من خمسة أقاليم. فمن أبرز هذه الأسباب الموقع الجغرافي للعاصمة “قرطبة” في أقصى جنوب شبه الجزيرة الايبيرية مما جعلها بعيدة عن مواجهة القوى الإقليمية في الشمال، حتى عندما بدأت مملكة استرياس بالتوسع في شمال الأندلس المرتبط بالقارة الأوروبية. وبين أن العاصمة المركزية كانت حينها تعتبر مركزا حقيقيا لإدارة الامبراطوريات وتشكل ثقلا سياسيا وجغرافيا، ومركزا للجيش، وإدارة الدولة، والمال، موضحا أن ذلك جعلها بعيدة عن مراكز الاحتكاك الحدودية مع ما جاورها من ممالك معادية.

واستعرض تجارب عدد من الامبراطوريات الكبيرة تاريخيا والتي قامت بتغيير مقر عواصمها مع تغير الظروف والتوسع والتمدد التي تحصل عليه، أو مع ظهور قوات وممالك معادية عند بعض الحدود والثغور من أجل أن تكون هناك مرونة أكثر في التحرك العسكري وتموين القوات ودعمها. واستشهد بالإمبراطورية العثمانية التي غيرت عواصمها من بورصة إلى أدنا إلى إسطنبول بسبب توسعها غربا باتجاه أوروبا، والحال ذاته مع العديد من الامبراطوريات على ممر التاريخ. وأضاف العريفي أن عبد الرحمن الداخل اختار “قرطبة” عاصمة له لأن التهديد حينها كان من الجنوب (الدولة العباسية) ووقتها كانت الدول في شمال شبه الجزيرة ضعيفة، وبعد انتهاء العصر العباسي لم يعد هناك خطر حقيقي يهدد قرطبة إلا من الشمال حيث مناطق الهجمات، ولكن العاصمة بقيت كما هي حتى سقوط الأندلس حيث نقلت إلى “غرناطة”. وأشار إلى أن عبد الرحمن الناصر تمكن من توحيد الأندلس وحولها لإمبراطورية وضم المغرب أيضا لها لقطع الطريق على الفاطميين، ويقدر عدد الجنود في قرطبة حينها بما يقرب 150-170 ألف جندي.

وقال أن من الأسباب أيضا التي أدت إلى سقوط الأندلس تراجع مهارات القتال لدى العرب بسبب انتشار حالة الترف والميوعة والدعة، حيث تغيرت الطبيعة القتالية لدى الأندلسيين فقد كانت هذه المهارات أساسية وبارزة لدى الأجيال الأوائل من العرب والبربر القادمين للأندلس، إلا أنها تغيرت ولم يعودوا كما كانوا أهل حرب، وأصبحوا أكثر ميلا للحياة المدنية ومن بينها الانشغال ببناء المدن والاهتمام بالفنون، حتى كان الحكام يستعينون بجيوش من مختلف الطوائف. وأوضح أن قدوم العرب للأندلس وفتحها لم يستغرق أكثر من ثلاث سنوات لكون الأوروبيين حينها يعيشون في حالة من الرهبانية والزهد والاستعداد للاستسلام، وانعكست الحالة مع عصر النهضة في أوروبا الذي عزز لديهم روح القتال، في الوقت التي تراجعت هذه الروح لدى الأندلسيين، مؤكدا على أن الثقافة ينقلها الطرف المتغلب على الأطراف المغلوبة.

وأوضح الباحث العريفي أن من بين أسباب سقوط الأندلس انتشار حالة التعصب الموجه للداخل الأندلسي يعتبر سببا آخر، في مقابل التسامح ضد الآخر ما أسهم في تدمير النسيج الاجتماعي الداخلي، والتاريخ ينقل أن الحروب الداخلية كانت أكثر ضراوة من حروبهم الخارجية. وأشار إلى أن التعصب اتخذ أشكالا وتمظهرات مختلفة حيث بدأ باتباع البربر للخوارج، والصراع العربي-البربري (الأمازيغي)، وإدخال الصميت بن حاتم للقيسية واليمانية، ثم تحول إلى تعصب على مستوى أندلسي مغربي، وقبليا بين العرب أيضا. وفي جانب آخر من حديثه، بين العريفي أن المستوى الثقافي والحضاري في الأندلس كان أقل شأنا مما هو عليه في العراق (بيت الحكمة) وفي مصر (دار الحكمة)، والأندلس تدين بالثقافة والحضارة للشرق، وقد تمكن العرب والمسلمون من التداخل مع السكان الأصليين في شبه الجزيرة.

وطرح المشاركون في الندوة عدة مداخلات ضمن هذا السياق، فتحدث الأستاذ عبد الحكيم بن يوسف عن مشكلة الجهل السائد لدى الكثيرين عن تاريخ الأندلس بسبب غياب المصادر واحراق الكثير منها من قبل محاكم التفتيش التي بدأت ضد البروتستانت وانتهت ضد جميع المخالفين بمن فيهم المسلمين، موضحا أن هناك الكثير من الشبهات المنقولة عن تاريخ الأندلس والتي تحتاج لمراجعة وتصحيح وتدقيق. وأبدى المهندس سامي الحداد رأيه حول المباني المعمارية التي شيدت في الأندلس بأنها علامات مميزة في التاريخ الإنساني وتشابهها مع طارز البناء المعماري في مدن المغرب العربي كمراكش والرباط واختلافها عن طراز البناء في الدولة العباسية، متسائلا عن ظروف بناء هذه المعالم المعمارية والأثرية في ظل الحروب والصراعات التي كانت سائدة في الأندلس.

وشكر المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب في نهاية اللقاء المحاضر الأستاذ سامي العريفي ومدير الندوة الدكتور علي النهابي على جميل الطرح وثرائه، معقبا على موضوع التعصب الداخلي الذي برز في الاندلس وتأثيره على سقوطها – كما بين المحاضر -، متسائلا عن أسباب نشوء العصب الداخلي وتمظهراته على الواقع الاجتماعي وتأثيره العميق على المجتمعات الأندلسية، ولعل ذلك من أهم الدروس العميقة المستخلصة التي ينبغي الالتفات إليها في هذه التجربة التاريخية المهمة.

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد