الأستاذ حمد ناصر الحمدان
كيف نفهم الدور الإيجابي للمثقف الطليعي في المجتمع؟ وكيف يمارس المثقف العضوي البعد التنويري في مناحي الحياة؟
حتما لن يبرز هذا المنحى الوجداني، المنغمس بكل مفاصل الحياة بعمقها التاريخي السحيق وحاضرها ومستقبلها الجميلين، إلا عندما يكون المثقف غارقا في الهم الاجتماعي… الهم الإنساني، موصولا بكل وشائج مجتمعه. بحيث يبرز دوره البنيوي، ويتخطى كل ما قد يعوق توجهه بما فيه «الأنا»، وعندما يحس أنه قد ملأ ما يحدث من فراغ في مسار الفضاء الثقافي. سواء كان هذا الفراغ، بسبب غياب المنابر الثقافية الاجتماعية والمرتكزات الإبداعية وغيرها من مشاغل العقل ومتطلباتها. أو كان بضعف وهشاشة ما تفرزه هذه الكتل من مضامين، تعاني من الاغتراب.
وليس القصد هنا، الغوص بمواضيع طرحت من قبل، وإنما تغمرني السعادة عندما أشارك منتدى الثلاثاء الثقافي هذه الاحتفالية بتأسيسه. ويحق له أن يزدان بما حققه وأنجزه من فعاليات مختلفة. لذا يمكن القول: أنه يحق للمنتدى أن يغدو النموذج الفاعل الذي فاجأ الجميع بعدة مستويات، بداء ببزوغه قبل عقدين، عام 2000م، وديمومته المتواصلة، رغم كل العواصف التي هبت عليه من كل صوب، حيث أصل نفسه كحقيقة قائمة.
وضمن هذه الحظوة، يحظى المنتدى بوجه إيجابي آخر، هو ميزته بتنوع الفعاليات لكل نشاطاته. والمدخل المهم لهذا المجال. الحق المترسخ عبر هذه التجربة، المتمثل بحق الاختلاف في طرح المواضيع والجدل حولها، بهدف اغناءها عبر الحوار المفتوح بين المرسل والمتلقي في المنتدى. تمارسه النخب الحاضرة بثقافتها الشاملة.
ولا شك أن إرادة هذه النخبة الكريمة من المثقفين الذين اسسوا المنتدى… واداروا فعالياته بعزيمتهم الصلبة. قد عزز هذا الموقف ما تحقق من نجاح عبر التجربة، وقلل وأضعف هذه المصاعب والعوائق المتكررة، وسهل استمرار المنتدى وتصليب مواقفه. لكي يغدو مركزَ جذب واستقطاب للكثير من المثقفين والمهتمين بالشأن الفكري والثقافي ومختلف الخيارات الأخرى من النشاطات.
ان حالة التهيؤ العالية للقائمين على المنتدى، وسلوك التسامح الحضاري. أتاح للعديد من الكوادر والمثقفين والشخصيات الاجتماعية من مختلف مناطق الوطن وخارجه، على اختلاف توجهاتهم الفكرية وانتماءاتهم المهنية، للمساهمة والمشاركة في مختلف النشاطات. ولا شك أن مبادرة تدوير الزوايا بكل المستويات، كان الحافز العملي للوصول الى نتائج إيجابية.
وكان المهم في المقام الأول، هو الحوار بين أطراف التباينات والتوجهات الفكرية، والإصرار والحرص على وجود نتائج ومخرجات إيجابية مشتركة تصل اليها كل المنتديات. وبالتالي الظهور بمحصلة قيمية عالية.
ونتيجة لاستمرارية نشاط المنتدى المتنوع منذ تأسيسه، اعتقد أنه أصبح حاليا يمتلك الخبرة الجيدة من التجارب والتقاليد. وأصبح متوفرا لديه كما من المواد والمواضيع ذات القيمة الفكرية والتي دأب على الإفراج عنها للقراء. وبهذا يكون المنتدى قد ساهم بتغطية كل النواقص الحاصلة في نشاطات المؤسسات والجمعيات الفكرية والثقافية بهذه المنطقة العزيزة من وطننا العظيم، وكلها بمبادرات شخصية، يجب ألا تموت.
أن هذه التجربة، وما شابهها من تجارب مماثلة، لا تخضع لسطوة أي شكل من البيروقراطية المكتبية المعيقة، تحاكي تجارب من موروث الحراك الجميل لتجارب إنسانية عرفت بالمنتديات والديوانيات والمراكز الشخصية، التي عرفها التاريخ البشري على مستوى بلادنا والمحيط العربي والعالمي، بحيث شكلت العصب الفاعل في خلق محاور وكيانات معرفية سامقة، وقدمت للإنسان الكثير من القيم والابداعات الخلاقة.
بناء على ما أنجزه منتدى الثلاثاء الثقافي – على المستويين النظري والعملي -، يبرز السؤال المهم، حول إشكاليات المستقبل، رغم أنه سؤال يفقأ العين، ولكن لابد منه، والسؤال يدور حول البرنامج المستقبلي للمنتدى، وإذ كان ممكنا تخطي المصاعب التي تعترض طريقه لكي يساهم مع بقية المراكز والمنتديات والدوائر الفكرية والثقافية في بلادنا، في زيادة الوعي وغرس الروح الوطنية، ونبذ كل حالات التشظي وطنيا واجتماعيا ضمن مكونات هذا الوطن.
الامل كالفضاء لا ينتهي، ولا يمكن سد أبوابه، ولكن تبقى الإرادة سيدة الموقف، وأزعم أن هذه النخبة سوف تكون قادرة على تجاوز العقبات. لهذا اكرر الشكر، لكل من وطأت قدمه أرض المنتدى، ولكل من عمل لإنجاح مهمة المنتدى بصمت وتفان. لهذه المجموعة المباركة القائمة عليه بكل شجونه وشئونه، مني التقدير والاحترام. ولتكن هذه النجاحات دافعا للمضي قدما في نشاط وفعاليات هذا المنتدى حاضرا ومستقبلا.