القس الدكتور أندريه زكي
يفرض علينا العالم الذي نعيش فيه اليوم جميعًا أن نتعلم لغة الحوار باعتبارها السبيل الوحيد للتعايش المشترك بين كافة المجموعات المختلفة التي تنتمي للمجتمع الواحد. فاستقرار المجتمع وازدهاره يحتاج لتكاتف كافة أطرافه للنهوض به وتحقيق التقدم، كما أن إعادة الهيكلة السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة العربية في العقود الماضية تحتاج منّا إلى تعميق الحوار المشترك بين كافة القوى المؤثرة في المجتمع من أجل تحقيق التفاهم بما يؤدي لاستقرار المجتمع وتحجيم القلائل والنزاعات.
من هنا تبرز أهمية منتديات الحوار الثقافي، حيث توفر مساحة آمنة للحوار بين النخب الثقافية في المجتمعات، وذلك من خلال تحقيق أهداف التواصل والتعارف وتجسير العلاقة بين أطراف المجتمع الواحد من جهة، وأطراف المجتمعات المتنوعة من جهة أخرى. جودة هذا الحوار داخل إطار عمل المنتديات الثقافية تتميز عن غيرها بالدقة العالية وارتفاع صوت العقل والتحليل العلمي المدروس، وذلك من خلال النقاش الموضوعي غير المتحيز في مناخ حر. هذا الحوار المجتمعي يختلف كليًا عن أسلوب الحوار الأُحادي الذي لا يتيح الفرصة للاستماع للآخر وإعادة التفكير في القضايا المطروحة على الساحة.
لكن الحوار الثقافي بين قيادات الفكر داخل القاعات المغلقة ليس هو الغاية النهائية للمنتديات الثقافية، بل الغاية الحقيقة هي إحداث تأثيرات إيجابية في المجتمع في إطار الوصول إلى مجتمع المتانة والمرونة. فالثقافة هي الأفكار والمعتقدات والممارسات التي يتنفسها المجتمع كالهواء، وحينها تصبح إمكانية التأثير في المجتمع ذات وتيرة أعلى إذا تم الحوار بطريقة يمكن تطبيقها.
من هذا المُنطلق، يأتي الدور التنويري الذي يلعبه منتدى الثلاثاء الثقافي كأحد أهم دعامات الحوار المجتمعي في المملكة العربية السعودية والمنطقة العربية بأكملها. فمنذ تأسيسه في عام 2000م بمحافظة القطيف على يد مجموعة من قادة الفكر بقيادة الأستاذ جعفر الشايب، اهتم منتدى الثلاثاء بتجسير العلاقات بين النخب الثقافية، وتعزيز حالة الحوار، وطرح القضايا والمواضيع التي تهم المجتمع، والتعريف بالمبادرات والبرامج الثقافية والاجتماعية. ويضع المنتدى الذي يضم عددًا كبيرًا من المفكرين والكتّاب والمهتمين بالكلمة أولويات أجندته، القائمة على الحوار والتواصل مع جميع المكونات الثقافية في المجتمع.
ومن بين عناوين الندوات التي نظمها المنتدى تمت مناقشة ”الإعلام في المشهد السعودي“، ”تجارب في العيش والتواصل“، ”المثقف وأزمة العقل الجمعي“، ”الخطاب السياسي الغربي“ وغيرها. وقد تناول المنتدى عدة قضايا معاصرة تتعلق بالعيش المشترك، التلاحم المجتمعي، التسامح الديني، تجديد الخطاب الديني، والسعي نحو خلق مجتمع تعددي متين قادر على احتواء الجميع بكافة خلفياتهم الفكرية والثقافية والدينية.
ولا شك أن النجاح الذي حققه منتدى الثلاثاء الثقافي منذ تأسيسه عبر العقدين الماضيين يعود، في جزء منه، إلى خبرة القيادة الفعالة للكاتب والناشط الحقوقي الأستاذ جعفر الشايب، وذلك من خلال اهتمامه بقضايا التنمية الاجتماعية والمجتمع المدني والسلام المجتمعي، وهو الأمر الذي نلمسه في نشاطه بالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان بالمملكة العربية السعودية، وأيضًا دوره الفاعل في تأسيس الشبكة العربية للحوار التي أنشأها منتدى حوار الثقافات بالهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية بمصر، حيث كان منذ البداية عضوًا مؤسسًا. كما كان للأستاذ الشايب دوره الفعّال بشكل دائم كعضو بازر في برامج الحوار الثقافي التي قام منتدى حوار الثقافات بتنفيذها، ومن بين أهم هذه المشاركات هو الحوار العربي الأوروبي حيث إن الأستاذ الشايب عضو مشارك بفاعلية في برامج الحوار الدولي التي تنظمها الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وآخرها الذي عقد بالقاهرة في أكتوبر الماضي «2019م».
لذلك يعتبر ”منتدى الثلاثاء الثقافي“ نموذج لكيفية مساهمة المؤسسات والكيانات المدنية في تطوير الثقافة الشعبية بطريقة يمكنها أن تحتوي كافة الآراء، وخصوصًا في ظل الاستقطابات التي أصبحت تعاني منها المجتمعات العربية. فإن الحرص على تطوير لغة الحوار والإعلاء من شأن المواطنة وحق الجميع في التعبير عن رأيه بشكل مسؤول وواعٍ يصبح أمرًا بالغ الأهمية. وهو ما أكد عليه الأستاذ الشايب في مقاله بعنوان ”كيف يكون الوطن للجميع؟“ حيث قال: ”وحدة المجتمع واحترام حقوق كل مكوناته وفئاته بصورة واضحة وصريحة وبدون مواربة، ليشعر الجميع مهما اختلفوا وتنوعوا بأن مكانتهم محفوظة، وأن المسؤول يتعاطى مع جميع هذه المكونات على أساس أنهم مواطنون قبل أي شيء آخر“.