ضمن برنامجه الثقافي للموسم الحادي والعشرين، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة حوارية مع الباحث المختص في الفكر السياسي المعاصر الدكتور علي المؤمن مساء الثلاثاء 12 صفر 1442هـ الموافق 29 سبتمبر 2020م تحت عنوان “النظام الاجتماعي الديني واشكالات الهوية”، حيث استعرض الدور الذي يلعبه تشكل هذا النظام وتأثيره على الهويات الداخلة فيه والتابعة له، ومركزية المؤسسات والقيادات الدينية، وموقعية الهوية بين المذهب والقومية والوطن، ودور الطقوس المجتمعية الدينية في بناء الهوية. وأدار الحوار في اللقاء الأستاذ وليد الهاشم، الذي قدم
للحوار بالحديث حول أهمية موضوع الهوية في المجتمعات العربية وطبيعة الصراعات القائمة على أساس الهوية بمختلف تفرعاتها، وضرورة دراسة وفهم أبعاد هذا الموضوع حتى يمكن مواجهة آثاره ونتائجه.
وعرف المحاضر بأنه باحث متخصص في الفكر السياسي الإسلامي، ويحمل شهادة دكتوراة في القانون الدستوري الإسلامي، وألف 24 كتابا مطبوعا ترجم بعضها للغات أخرى، وترأس تحرير عدد من المجلات البحثية والفكرية، وعمل مديرا لعدد من مراكز الدراسات والمؤسسات الإعلامية والثقافية. وتضمنت الندوة معرضا فوتوغرافيا مصورا للفنان حسن المبارك الذي استعرض تجربته الفنية وقدم نماذج من أعماله.
بدأ الدكتور علي المؤمن محاضرته بالحديث حول موضوع الهوية في منطقتنا العربية والإسلامية معتبرا إياه من أعقد الموضوعات المطروحة ومن اكثرها حساسية، موضحا أن هذه الحساسية تزداد تعقيداً في حال محاولات استلاب الهوية من خلال ما يفرزه علم الاجتماع الديني والثقافي بعيداً عن التجاذبات السياسية بين الأنظمة وشعوبها. وأكد أن موضوع الهوية بشكل عام يتعلق بمفردة الانتماء، فعادة ما تتولد في المجتمعات المدنية هويات مركبة وليست بسيطة كتلك القائمة في المجتمعات البدائية التي تنتمي إلى أنثروبولوجيا وسوسيولوجيا موحدة، أما المجتمعات الحديثة التي تعيش في ظل قوانين دستورية وتحولات مجتمعية وتطورات علمية فتتشكل لديها دوائر انتماءات جديدة ومعقدة.
وأضاف أن الهوية المركبة هذه تتشكل من مجموعة عناصر وطنية ومذهبية وقبلية ومناطقية وفكرية وسياسية وغير ذلك، وأن هذه العناصر في مجموعها عادة ما لا يكون بينها تعارض في الوضع الطبيعي حيث يمكن للفرد أو الجماعة والطائفة أن تتعايش بمختلف هذه المكونات للهوية. وأوضح أن الصراع الهوياتي قد يكون وليد السياسة أو القانون وتزوير التاريخ، مستشهدا بمثال تحول أحد عناصر الهوية لتهمة أو إدانة لسبب أو لآخر – كما في حال المذهب مثلا -، فيحاول النظام السياسي والاجتماعي أو الديني استلاب هذا العنصر من هوية الإنسان أو المجتمع، مما يخلق تعارضا بين كون الفرد منتميا لمذهب معين وكونه وطنيا. وبين أن الدول التي تعتمد مذهبا رسميا لها، قد يقود ذلك إلى استلاب هوية من هم خارج مذهب الدولة، وقد يبلغ الحال للتشكيك في وطنيتهم بسبب ما يترتب على ضرورة التلازم مع المذهب الرسمي للدولة كشرط للمواطنة. وقال في حديثه أن هذا النوع من الاستلاب في عناصر الهوية يولد حالة طائفية ونفسا طائفيا حادا يتمظهر في وسائل الإعلام، وقد يقود إلى الانتقاص من الحقوق والحريات لبعض الفئات من المواطنين.
وطرح الدكتور المؤمن قضية الفصل بين المذهب ومجتمع المذهب، فالمذهب يعني مجموعة العقائد والأصول والمنظومة الفقهية، أما مجتمع المذهب فهو المجتمع الذي ينتمي للمذهب أو يسمى “الطائفة”، وهذا المجتمع تتشكل لديه عادات وتقاليد وهياكل وقيم، موضحا أن المذهب يكون واحدا في مختلف الأماكن بنفس النظم الأصولية، بينما مجتمعات المذهب مختلفون ثقافياً وأنثروبولوجيا حتى ما يرتبط مثلاً على سبيل المثال بالطقوس الدينية والاجتماعية. وأضاف أن هذا التفريق بين المذهب ومجتمع المذهب يقودنا للتمييز بين الشعائر والطقوس، فالشعائر واجبة على كل فرد مكلف ويحرم تركها، أما الطقوس المجتمعية لا تصل لهذا المستوى مهما أضفي عليها من قدسية ومكانة اجتماعية، فالطقوس ماهي إلا افرازات مجتمعية منسوبة إلى المذهب وهي ليست مقدسة وأن تركها ليس محرما، ويعتبرها أغلب الفقهاء مباحة إلا ما تسبب في تشويه صورة المذهب أو مجتمعه أو الحاق الضرر بالنفس، موضحا أن ظهور الطقوس في الغالب ليس عفوياً، وقد يكون مرده محاولة التعبير عن الهوية المستلبة بسبب الضغوط التي تقع على مجتمع المذهب. واعتبر أن تنامي الطقوس الدينية والاجتماعية تتناسب طرديا مع حالة الإقصاء التي تقع على مجتمع المذهب، فالشعور بالتعرض للتهديد يجعل من المجتمع يبحث عن وسائل للمحافظة على بقائه ووجوده ومن بينها أسلحة المناعة كالطقوس للحيلولة دون الانصهار في المجتمع المستهدف.
وحول صراع الهويات، بين المحاضر أن الصراع ينتج إما بسبب منهج النظام السياسي الذي يفرض سياسات إقصائية ضد البعض، أو بسبب اجتماعي يشارك فيه الفئات المستفيدة من الواقع المعاش، مشيرا إلى أن ذلك يحدث حتى في ظل الأنظمة العلمانية التي تعمل على إقصاء واستلاب مظاهر الهوية الدينية للمسلمين وغيرهم كما يحدث في منع الحجاب في بعض الدول الغربية، فإن ذلك يندرج تحت صراع الهويات أيضا.
في بداية المداخلات، علق المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب بقوله أن مشكلة الهوية في منطقتنا ليست مقتصرة على الحالة المذهبية فقط، وانما هي أعمق وأبعد وأشمل من ذلك، وتتمظهر بأشكال مختلفة عرقية ومناطقية، فالحالة في نظري بحاجة لدراسة أعمق وأشمل حتى تتضح أبعاد هذه المشكلة وآليات التعاطي والتعامل معها. وقال الدكتور محمد احمد أنه لا تعارض بين الانتماء للوطن والانتماء للطائفة والمذهب أو اللغة، فقد عاش أبناء الأمة الإسلامية كطوائف وفرق ذوي هويات مركبة على طول التاريخ، ولكن برزت الحالة الطائفية أكثر منذ عام 1979م بسبب وجود أكثر من طرف متطرف، مشيرا إلى أن بعض المحللين يرون أن العشرية القادمة هي عشرية الطوائف في العالم العربي.
وناقشت الدكتورة أمل الأسدي موضوع الطقوس ومكانتها في المخيلة الشعبية وكونها مبنية على مقولات وأحاديث شرعية، وأن تغييبها بسبب الهزيمة النفسية يؤدي إلى طمس الهوية الاجتماعية،
وأضاف الدكتور ضياء أن من موانع صراع الهويات هي البيئة الديمقراطية الحقيقية التي تقر بالحق في الاختلاف واحترام الدستور أي سيادة القانون وتطبيق مبادئ المواطنة. وقال الدكتور حسين علي أن هنالك عملية احتكار على مستوى الدين وعلى مستوى الأحقية للمذهب، وهذا ما أوقع الناس في تقدم الهويات وتأخرها وتقهقر بعض المذاهب والأديان، مشيرا إلى أنه من المفترض أن نؤسس لخطاب عنوانه الرئيسي هو الإسلام وخطاب الإنسانية. وأضاف الأستاذ كاظم الخليفة بأن خطوات تجريم الطائفية أسهمت في تخفيف الحالة الطائفية والعنصرية، كما أن جيل الألفية لديه مشكلة خطيرة جداً حيث أصبحت المواطنة الافتراضية عن طريق شبكات التواصل الاجتماعية الذاهبة وراء الحدود الإقليمية هي عبارة عن تجمعات ومجتمعات شبابية لها نظمها الخاصة في الفضاء المفتوح.
وعلق المشرف على المنتدى الأستاذ جعفر الشايب في ختام الندوة بأن طرح مثل هذه القضايا والمواضيع يستهدف البحث عن معالجات تنويرية وثقافية بغض النظر عن اختلاف وجهات النظر حولها، مشيرا إلى أن هناك تحولات كبيرة تشهدها مجتمعاتنا تسهم في معالجة أزمة صراع الهويات من بينها تشريعات وإجراءات تجريم الطائفية والعنصرية وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، وتأكيد الوحدة الوطنية.