في احتفاليته السنوية بمناسبة اليوم الوطني التسعين للمملكة، نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 5 صفر 1442هـ الموافق 22 سبتمبر 2020م ندوة حوارية تحت عنوان “الوطن والمواطنة”، شارك فيها كل من الدكتورة أميرة كشغري أستاذ التربية بجامعة الملك عبد العزيز والأستاذ محمد محفوظ مدير مركز آفاق ودار الحوار فيها حول مفهوم المواطنة ومقوماتها، والمواطنة والتنوع الثقافي، وسبل تعزيز المواطنة، حيث أدار الندوة الأستاذ مصطفى المزعل.
افتتح اللقاء بعرض فني لأعمال الفوتوغرافي حسن المبارك وهو مصور محترف حاصل على جوائز محلية وعالمية وهو يعمل كمصور وثائقي في شركة أرامكو، وتحدث عن تجربته في التصوير الضوئي والتحولات التي مر بها في عمله، مركزا على اختيار أعمال لها علاقة بمناسبة اليوم الوطني والموروث الشعبي. كما ألقى بعده الشاعر علي المصطفى مقاطع من قصائد وطنية تغنى فيها بالوطن وأمجاده، وسبق للعديد من الفنانين البارزين تلحين وغناء الكثير من قصائده، كما ألف العشرات من مسرحيات الأطفال والأوبريتات. كما قدم الفنان نبيل الغانم مقطوعة موسيقية من ألحانه بمناسبة اليوم الوطني.
انتقل مدير الندوة مباشرة للضيوف لطرح محاور الموضوع عليهم، حيث بدأت الدكتورة أميرة كشغري حديثها بمناقشة مفهوم المواطنة والخلط القائم بينه وبين مفهوم الوطنية التي هي مفهوم وجداني ذاتي يحدد مشاعر الفرد تجاه وطنه وتجاه المكان الذي يعيش فيه وينتمي إليه، أما المواطنة – وكما يشار إليها في الدولة المدنية الحديثة وفي اللغات الأخرى – هي Citizenship هي مفهوم موضوعي يتحدد من خلال العلاقة التعاقدية بين أفراد المجتمع والدولة من خلال تحديد الحقوق والواجبات التي تترتب على هذا التعاقد، مضيفة أن المواطنة تمثل مشاركة كاملة في الوطن بما تحمل هذه المشاركة من حقوق وواجبات والتزامات متبادلة بين الأفراد والدولة. وعقب الأستاذ محمد محفوظ بقوله أن مفهوم المواطنة يمكن أن نقرأه من خلال ثالوث قيمي أساسي متى ما توفر في أي بيئة اجتماعية أنجز مفهوم المواطنة، وهذه القيم هي العدالة والحرية والمساواة، بمعنى أن غياب أي بعد من هذا الثالوث القيمي يشكل انتقصا في وجود المواطنة وسيادتها في أي مجتمع. وأضاف أن المواطنة هي مشاركة متكاملة وتكافؤ دائم في الحقوق والواجبات وعلاقة اجتماعية وثقافية ودستورية متكاملة، موضحا أنه حينما نتحدث عن المواطنة فنحن نتحدث عن علاقة عليا تربط جميع المواطنين بمنظومة دستورية وقانونية تعمل على تنظيم العلاقة وتحديد الواجبات والحقوق في فضاءً وطني واحد.
وحول مقومات المواطنة، أوضحت الدكتورة أميرة كشغري بأن هناك عدة مسارات رئيسة تعتبر من مقومات المواطنة أولها المسار المدني والحقوقي الذي يركز على المساواة والتكافؤ في الفرص وسيادة القانون، وفي المسار السياسي يأتي مبدأ المشاركة في الشأن العام عبر توفير مختلف الفرص للجميع وبصورة متساوية للتأثير في المجتمع بغض النظر عن الانتماءات الأولية. وأضافت أن المسار الاجتماعي يستلزم الاطمئنان لاحترام القيم والأنظمة والقانون وحماية المكتسبات الوطنية والممتلكات العامة والحفاظ على البيئة والوحدة وقت الأزمات والطوارئ، أما المسار التربوي فهو يعني تكريس قيم ومبادئ المواطنة من خلال التعليم والتدريب والتأهيل المناسب. وقال الأستاذ محمد محفوظ حول ذات المحور أن من أهم مقومات المواطنة هو اعتبارها العلاقة الوحيدة التي تربط المواطنين مع دولتهم وتربط المواطنين مع بعضهم البعض، وبالتالي ينبغي إعادة الاعتبار لمفهوم المواطنة باعتبارها الإطار المرجعي الذي يخضع كل العلاقات ما دون المواطنة الحديثة، وهي انتماءات محل احترام وتقدير ولكنها لا تحدد واجبات ولا حقوق لأي مواطن من المواطنين.
وحول محور المواطنة والتنوع الثقافي، ذكرت الدكتورة أميرة كشغري أن المجتمعات المدنية الحديثة تتسم جميعها بالتنوع الثقافي، وأن المواطنة حاضنة لمفهوم التنوع الثقافي وبالتالي لضمان الوحدة الوطنية، وأن ذلك يتطلب الاعتراف أولا بهذا التنوع وحمايته وضمان حقوق كل أطرافه عبر خلق دوائر انتماءات متناغمة ومتوافقة مع بعضها تنتهي إلى دائرة الوحدة الوطنية. وأكدت على أن الممارسات على أرض الواقع هي التي تحقق مصداقية القوانين والأنظمة الحاكمة، وبدون ذلك تبقى هذه القوانين جوفاء وغير فاعلة، مشيرة إلى ضرورة غرس مفاهيم التنوع الثقافي من خلال تنمية الوعي بها في المجتمع ونشر الثقافة المتوازنة حول الآخر في المجتمع الواحد. وأشار الأستاذ محمد محفوظ إلى أن كل المجتمعات الإنسانية تعيش حالة التنوع الأفقي والعمودي، لذلك فإن مقتضى المواطنة يتطلب أولاً احترام حالة التنوع وحماية هذه الحالة قانونياً، وتشجيع مبادرات التعارف وكسر حواجز الجهل المتبادل، وثالثا تعميق عوامل الانسجام الاجتماعي. وأكد على ضرورة تشجيع حالات التعارف بين المواطنين جميعاً وكسر حواجز الجهل المتبادل بين كل المكونات والتعبيرات الاجتماعية والتمسك بخيار التعايش المبني على ضمان حق الاختلاف وضرورة المساواة.
وعن سبل تعزيز المواطنة، تحدثت الدكتورة أميرة كشغري أنه يجب العمل بشكل منهجي ومتراكم وبصورة متوافقة مع متطلبات العصر والمتغيرات التي نعيشها، مؤكدة على أهمية الوعي بمفهوم المواطنة من خلال مسارات وقوانين واضحة وملموسة، كمكافحة الفساد مثلا وضمان مبدأ تكافل الفرص في مختلف المجالات، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. وأضافت أن من بين السبل المهمة لتعزيز المواطنة هي أن تكون البيئة التعليمية بحد ذاتها حاضنة للتنوع وقادرة على أن تكون المكان والنسيج الذي يمارس الطالب من خلاله تطبيق ما قدم إليه في مواد التربية الوطنية. وتناول الأستاذ محمد محفوظ هذا المحور بقوله أن من أهم سبل تعزيز المواطنة هو تقنين علاقات المواطنين مع بعضهم البعض وبينهم وبين الدولة على أساس قانوني يحدد الحقوق والواجبات، وكذلك دعم كل مشاريع ومبادرات التواصل بين كل التعبيرات والمكونات والعمل على تنقية الواقع من كل عناصر الإقصاء والتهميش وسوء الظن، وتطوير حقائق حقوق الأنسان لمنع عمليات التعدي على هذه الحقوق سواء كانت مادية أو معنوية لكون المواطنين لهم حقوق مادية ومعنوية ولن نستطيع أن نضمن حقوق الجميع الا بتطوير نظام حقوق الإنسان.
بدأت المداخلات بسؤال للأستاذ أحمد الخميس حول العلاقة بين الخطاب الديني السائد وترسيخ مفهوم المواطنة، حيث أن هذا الخطاب قد يكون أحد أسباب التنافر مع مفهوم المواطنة والتوجه للدولة المدنية الحديثة، ورد الأستاذ محفوظ بأن الخطاب الديني الحديث لم يستطع أن يقترب من مفهوم المواطنة ويعمل على دعم هذا المفهوم ثقافياً وأدبياً وأنه يتجاهل حقائق المواطنة ويعمل على تجاوز هذا المفهوم وكل التعبيرات الخاضعة لقانون المواطنة والمواطن. وعلقت الدكتورة كشغري أن سرديات الخطاب الديني فيه تناقضات عديدة، لكنه بدأ يتلمس طريقة ليكون داعما لإرساء مفهوم المواطنة، مع أنه ظل دائماً ينفر من فكرة التعددية.
وحول سؤال الأستاذ نادر الابراهيم حول شروط تقويم المفاهيم الوطنية من قبل الدولة وعن مدى أهمية المشاركة في المجالس البلدية والنيابية في تعزيز المواطنة، أجابت الدكتورة أميرة كشغري أن الرابطة التعاقدية بين المواطنين والدولة تحتاج دائماً إلى التطوير والدعم والفاعلية، وأن تطوير الأنظمة والتشريعات من المهام شديدة الأهمية والفعالية في الاستجابة. وأضاف الأستاذ محمد محفوظ أن كل صيغ المشاركة الشعبية تسهم في تحقيق وإنجاز مفهوم المواطنة لذلك كلما توفرت إمكانية المشاركة في مجالس بدلية منتخبة أو مستقبلاً من خلال مجالس شورى منتخبة فهي تعزز من مفهوم المواطنة لدينا جميعاً.
رابط المحاضرة الكاملة:
https://youtu.be/Dp8ME8s5-mo