موقعية الدين ومتغيرات الواقع في حوار منتدى الثلاثاء

2٬055

تصدر حوار منتدى الثلاثاء الثقافي لهذا الأسبوع موضوع موقعية الدين في ظل التطورات المتنامية للمجتمعات باستضافة الباحث في العلوم الدينية فضيلة الشيخ أحمد سلمان، في ندوة بعنوان “الدين والمجتمع والتطور.. أية علاقة؟” وذلك مساء الثلاثاء 5 رجب 1440هـ الموافق 12 مارس 2019م وسط حضور ثقافي متنوع أثرى الحوار بالنقاش والآراء العميقة، فيما ادار اللقاء الكاتب الأستاذ عبد الباري الدخيل.

وفي الفعاليات المصاحبة تم تكريم الأستاذ مهدي الصنابير رائد تقنية الزراعة المائية والذي استعرض أبعاد وأهمية هذه التقنية وتأثيرها الإيجابي على الانتاجية وتقليص التكاليف كما تحدث حول مشاركاته في المعارض الدولية والمهرجانات المحلية والمدارس، كما أقام فنان النحت والرسم الشاعر هاشم العلوي معرضه الأول لمنحوتاته العالية الدقة والروعة وخاطب الحضور برسالة شكر أشار فيها لهوايته في النحت على الخشب. وقد حل الباحث الأستاذ محمد محفوظ مدير مركز آفاق للدراسات والأبحاث وعضو الهيئة الاستشارية لمنتدى الثلاثاء الثقافي كضيف شرف لهذه الأمسية حيث تفضل بتسليم جميع المشاركين في هذه الأمسية دروع المنتدى التقديرية.

افتتح اللقاء الأستاذ عبد الباري الدخيل مرحباً بالحضور ومعرفاً بالشيخ أحمد سلمان الأحمدي الأستاذ في الحوزة العلمية، وهو خطيب ومؤلف صدر له عدد من الكتب منها “وهم القراءة المنسية” و “نهج البلاغة فوق الشبهات والتشكيكات”، وله أكثر من 400 مادة مسجلة ومنشورة في قنوات الكترونية مختلفة. بدأ الشيخ أحمد سلمان حديثه بمقدمة حول التغيير كسنة كونية بقوله أن كلّ البشر يجمعون على حقيقة واحدة هي “التغير” المستمر لكلّ الأشياء من حولنا وبلا توقّف، حيث أصبح تغيّر العالم يقاس بالساعات، مضيفاً أن الإنسان باعتباره جزء من هذا العالم الواسع فإنّه محكوم بهذه السنّة الكونيّة، وبالتالي فالتطوّر بالنسبة إليه أمر حتميّ وليس اختياريّا، سوى اختياره لمسار هذا التغير ايجابياً أم سلبياً، مستشهداَ في ذلك ببعض النصوص الدينية.

بعد ذلك تحدث المحاضر حول محور التشريع الإسلامي والتغيّر، مشيراً إلى إنّ هذا التغيير الحتمي ولّد مشكلة عند جملة من المفكّرين والكتاب الإسلاميين في القرن الأخير وهي مدى إمكانية أن يصمد التشريع الإسلامي أمام هذه المتغيّرات الكبيرة والسريعة التي نعيشها. وأوضح أن إجابة المفكرين الاسلامين أمام هذه الاشكالية اتخذت ثلاثة مسارات: الأوّل سلّم بعدم إمكانيّة الجمع بين أحكام الدين وبين التطوّر التكنولوجي، مرجعا سبب هذا التصوّر هو تقيّدهم التامّ بالنصوص الدينيّة وجمودهم على مصاديقها الخارجيّة في عصر النصّ، ورتّبوا على هذا التصور محاربة كلّ المنجزات الحديثة وحصر الدين في فهم السلف وسعوا إلى إبقاء الحياة بنمط الأسلاف مصداقاً لهذا المسار، وتوسعوا في استخدام التحريم اعتقادا منهم بأنه سيوقف هذه التغيرات، فحرّموا الكيمياء باعتبارها سحراً، وحرموا طباعة الكتب، وغيرها.
وواصل المحاضر شرحه بأن المسار الثاني هو الذي آمن أيضا بعدم إمكانيّة مواكبة الدين للواقع المعاش، وأنّ التطوّر واقع لا محالة، ولكن أصحاب هذا المسار رجّحوا التصرّف في الدين ضمن خيارات ثلاثة: إمّا بإنكار وجود الإله (الإلحاد) أو إثبات وجود الإله وإنكار وجود الأديان (الربوبيّة) أو إثبات الإله والأديان والفصل بينها وبين الشريعة، قائلاً أن أغلب المفكّرين المسلمين المعاصرين يصنّفون ضمن الخيار الثالث وهو الفصل بين الدين والشريعة، وهو خيار يثبت الدين لكن يناقش في صلاحيّة تطبيق الشريعة في هذا الزمن. واضاف الشيخ أحمد سلمان أن المسار الثالث فأعطى تفسيراً لثنائيّة (الدين والواقع) مفاده أنّ الدين يحتوي على منطقتين هي الأحكام الإلهيّة الإلزاميّة والمعبر عنها بـ”حدود الله” والثانية منطقة “الفراغ التشريعي” وهي منطقة الأحكام الإلهيّة غير الإلزاميّة، موضحاً بأن الفراغ هنا لا يعني عدم وجود حكم وإنما يوجد حكم لكنه غير الزامي كحكم الإباحة، وهو ما ذهب إليه الشهيد محمد باقر الصدر بالتوضيح بأن ذلك ليس قصورا في الشريعة بل مرونة فيها، وهو مقصد إلهي لضمان أقلمة الشريعة مع المتغيّرات، بحيث يكون للفقيه الحقّ في التصرّف داخل هذه المساحة بما يتناسب مع متغيّرات الواقع مثل “تحديد السنّ الأدنى للزواج” و “طريقة نظام الحكم”.

وأضاف المحاضر بأن أحكام التشريع الثابتة أيضا خاضعة للتغيّر وفق تشخيص الفقيه لاشتراطات الزمان والمكان كحكم لعب الشطرنج لدى فقهاء الشيعة، حيث نجد أن بعض الفقهاء لم تثبت عندهم حرمتها رغم ورود الأحاديث الكثيرة الناهية عنه حيث فهموا منها أنّ هذه الحرمة ناظرة إلى الشطرنج بارتباطها بالقمار في الزمن الغابر وهي الآن لعبة رياضية لا أكثر. وانتقل المحاضر بالحديث لمناقشة دور الفقيه وفائدة الفقهاء كإشكالية متداولة في الساحة الفكريّة اليوم، مشيراً إلى أنّ هذا الإشكال مبني على النظرة الجموديّة للتشريع الديني والاعتقاد بأنّ الأحكام ثابتة لا تتبدّل، أمّا عند الإحاطة بالأمور المذكورة آنفاً فستكون النتيجة بأنّ على الفقيه في كلّ زمن أن يعيد البحث في كلّ المسائل لربطها بالواقع، داعياً إلى تكثيف دور المثقّف كعنصر مساند في نقل الصورة الكاملة للفقيه الكاشفة للواقع كما هو، والتنبيه على موارد الضرر أو الحرج على المكلّفين آنياً ومستقبلا، مضيفاً أن المشكلة القائمة لدى المثقفين عدم الاضطلاع بهذا الدور المهمّ.

بعد ذلك بدأت جولة المداخلات، فانتقد الأستاذ ضياء القديحي تحميل المثقف مسؤولية عدم اطلاع الفقيه على مشاكل الواقع مبيناً أن تقصي الفقيه لمتغيرات الواقع الاجتماعي يأتي من منطلق حرصه ومتابعته لمصالح الأمة ولا يجب أن تنتظر مبادرة الغير، داعياً بطانة الفقيه ووكلائه لدور أكثر فاعلية وموضوعية في مواكبة التطورات الاجتماعية ومناقشتها مع الفقيه، وعقب الأستاذ سامي الطلاق بالقول أن العلاقة بين المثقف والفقيه غير متصالحة منذ عصر التنوير الأوروبي، مشيداً بما تطرق إليه المحاضر في مسألة الثابت والمتغير ذاكرا بعض الشواهد على ثبوت هذه الحقيقة منذ عصر الرسالة، لافتا النظر الى أنه لا يجب تحميل الفقيه الاجابة على كل تفاصيل الحياة لأن كثير منها واقع في دائرة التدبير وإدارة الواقع.

وأشار الأستاذ أحمد الخميس إلى عدم وجود فصل واضح بين المتغير والثابت في الشريعة الاسلامية بل أن هناك تداخلاً كبيراً بينهما مما اثر بشكل كبير على مشاريع تجديد الفقه لمواكبة تغيرات العصر، متسائلاً عما إذا كانت الحرية والعدل والشورى وغيرها من ثوابت مقاصد الشريعة فكيف لا تتغير منظومة الأحكام الفقهية بصفتها آليات لتحقيقها والتي توقفت على شروط أزمنة سابقة، مؤكداً على أهمية التأصيل لفقه الواقع. وفي ذات السياق تساءل الأستاذ محمد التاروتي عن آلية التفريق بين الثابت والمتغير في الشريعة، كما انتقد الأستاذ محمد الشافعي اختزال الدين في الفقه عند الحديث حول علاقة الدين بالمجتمع، مؤكداً على أن مجال اشتغال الدين هو المجتمع الذي جرت عليه تغيرات عديدة عبر التاريخ وغيرت في عقليته، لكن الدين ظل في دائرة الفقه دون أن يواكب تلك المتغيرات مما أوجد شرخاً بين الدين والواقع، وقال إن معظم التساؤلات التي أفرزتها تطورات العصر جاءت إجاباتها من خارج الحقل الديني.

وعقب الدكتور هاشم الصالح بأن المثقف غالباً ما يكون متهماً أو ليس مقبولاً لدى الفقهاء، كما ابدى استغرابه من عدم جعل الواقع جزءاً من الدين والتشريع، مضيفاً أن هذه الاشكالية هي التي صنعت اللغط حول وجود ثابت هو الدين ومتغير هو الواقع، منتقداً الاهتمام بالدين دون التدين بالقول أن التدين هو التمثل البشري للدين، والمشكلة الكبرى هي في فهم الدين الذي يجب أن يتطور من خلال ما توفره المعرفة وأدواتها المعاصرة. وتساءل الأستاذ نادر البراهيم عن أسباب تأخر المرجعيات الدينية في وضع برامج تضع المجتمعات الاسلامية على خط الحضارة والتقدم العلمي، وفي جانب آخر انتقد مسار التدريس الحوزوي الثابت والمبتعد عن تطورات الواقع وتنظر إلى النصوص برؤية تاريخية.

وانتقدت الأستاذة هدى القصاب حالة الخلط بين مفهوم الدين ومفهوم الحالة الدينية موضحة أن رجال الدين يمثلون الحالة الدينية أي فهمهم للدين وطريقة تطبيقه، وأن اشكالية المؤسسات الدينية عند ممارسة دورها انها تطرح نفسها كممثلة للدين وتعمل على تقليص دائرة المباح وممارسة الهيمنة على العقول، وذكر الأستاذ حسن جميعان أن إصلاح علاقة المثقف بالفقيه تتم من خلال قبول معالجاته للحالة الدينية لا برفضها وبوصفه أنه غير مختص دينياً، مؤكداً على أهمية الجانب الأخلاقي القيمي للفقهاء والمؤسسات الدينية.
وفي آخر المداخلات تحدث ضيف الشرف الأستاذ محمد محفوظ في موضوع الندوة بالربط بين خلود أي منظومة فكرية بما فيها الأديان بمدى قدرتها على تلبية الحاجات الانسانية النوعية، وأن أي دين يتوقف عن تلبية حاجات الانسان المادية أو المعنوية سوف ينتهي وجوده، وأن مسئولية صناع الرأي الشرعي في هذا العصر من فقهاء وعلماء ومثقفين العمل على تلبية تلك الحاجات لأنها سر الخلود لهذا الدين في المستقبل.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

التقرير على اليويتوب:

المحاضرة الكاملة:

كلمة الأستاذ مهدي الصنابير:

كلمة الفنان هاشم العلوي:

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد