استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي المفكر الإسلامي الشيخ حسين الخشن مساء الثلاثاء 14 شعبان 1441هـ الموافق 7 أبريل 2020م في ندوة حوارية بثت مباشرة عبر الإنترنت تحت عنوان “قراءة تجديدية في الفكر الاسلامي” أدارها الشيخ محمد العمير وتابعها جمع كبير من المهتمين بقضايا الفكر والثقافة. ورحب في البداية الأستاذ جعفر الشايب المشرف على المنتدى بالضيف وبالمشاركين مؤكدا على اهتمام المنتدى بالتواصل مع متابعيه بمختلف الطرق وطرح القضايا الفكرية والثقافية المهمة التي تعبر عن الحاجة إلى التجديد في القراءات المعاصرة للفكر الإسلامي باعتباره مكان الابتلاء، شاكرا الضيف على مشاركته في الندوة.
وتحدث مدير الندوة الشيخ محمد العمير مرحبا بضيف الندوة وموضحا أهمية التجديد الفكري وطرق القضايا المسكوت عنها في الفكر الإسلامي ومعالجتها بصورة عصرية تتناسب مع التحولات القائمة في الوقت الراهن، معتبرا الشيخ حسين الخشن أحد رواد مدرسة التجديد الفكري متميزا بنضج أطروحاته وجرأتها في تناول القضايا الحساسة بصورة علمية هادئة. وأشار إلى اشتغال الشيخ الخشن بالمقاربات الفقهية لمختلف قضايا العصر وخاصة المتعلقة بالعلاقة مع الآخر المختلف مذهبيا أو دينيا ونبش كل ما يتعلق بذلك من فتاوى فقهية لمراجعتها وإعادة قراءتها من منظور واقعي. وعرف المحاضر بأنه حاصل على ماجستير في الفلسفة الإسلامية ودكتوراه في الفلسفة والإلهيات من الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية ويعمل أستاذا للدراسات العليا في مادتي الفقه والأصول في المعهد الشرعي الإسلامي، وله عشرات المقالات والأبحاث والمحاضرات والندوات واللقاءات في شتى العلوم والمعارف الإسلامية، ومن مؤلفاته: الإسلام والعنف، الإسلام والبيئة، في فقه السلامة الصحية، فقه القضاء، من حقوق الإنسان في الإسلام، حقوق الطفل في الإسلام، ظواهر ليست من الدين، أصول الاجتهاد الكلامي.
في البداية، أثنى الشيخ حسين الخشن على دور المنتديات الثقافية في المملكة في تفعيل التواصل الثقافي ونشر الوعي في المجتمع، وخاصة في هذه المرحلة الصعبة التي يستسلم فيها العالم أجمع أمام تهديد فيروس “كورونا” لم تتوقف المنتديات هذه عن العطاء الفكري والثقافي. وتناول بعد ذلك الدوافع لإصدار أبرز مؤلفاته “فقه العلاقة مع الاخر المذهبي”، مشيرا إلى أنه جاء انطلاقا من محاولة للحد من حالة الاحتراب في الأمة والآلام التي رافقتها والتفكير الجاد في أسباب ذلك، حيث وجد أن العامل الثقافي يقف خلف كل هذا الاضطراب القائم، مشيرا إلى أن السياسة لا تعمل إلا في ظل بيئة ثقافية واجتماعية مناسبة، فما دام العامل الديني مفرقا فلا يمكن للسياسة أن تكون جامعا.
وقال أن فوضى التكفير التي تسود في الأمة حاليا هي نتيجة لفوضى التفكير، حيث تؤسس للقطيعة والشقاق على أساس فقهي وتنوعت مدارس الفرقة بدلا من التلاقي والوحدة التي تحولت معظم مبادراتها لمجاملات لا تحفر في أسس الخلاف والعناصر التي تنشر الفرقة في الأمة، مستشهدا بمقولة “الفرقة الناجية” في علم الكلام والتي أسست للخلاف في الفقه، مما جعل الواقع الإسلامي متأزما ومتوترا. وينطلق من ذلك لتأكيد ضرورة الاجتهاد في مختلف المجالات المعرفية والعلمية، موضحا أن الغرض لا بد أن يكون إزالة الألغام من الفكر والتراث وتحرير العقول من الأوهام والتبعية كل داخل مذهبه، بعيدا عن تسجيل النقاط على الطرف الآخر.
واستعرض الشيخ الخشن نماذج عديدة من الفتاوى الفقهية السائدة والتي لا تؤسس لتعايش حقيقي بين أتباع المذاهب المختلفة كسلبية الأهلية الدينية كعدم جواز الصلاة خلف المخالف للمذهب، وسلبية الأهلية القانونية كعدم قبول الشهادة وعدم جواز اعطائه الزكاة، وانتهاك حق الآخر المذهبي بجواز سبه وغيبته. وبين أن الفتاوى المتعلقة بالآخر الديني هي أكثر تشددا ولا تؤسس لمبادئ المواطنة كارتفاع دور المسلمين عمن سواهم وتمييز غير المسلمين بالملبس، وأنماط مختلفة من سبل التعامل السلبي معهم. وأوضح أن هذه الفتاوى السائدة ينبغي أن يتم تفكيكها ودراستها ومراجعتها وإعادة قراءتها بصورة موضوعية وعقلانية، فهي لا تمثل حقائق نهائية بل جاءت نتيجة اجتهادات فقهية في ظروف تاريخية معينة معتمدة على نصوص محددة.
وأضاف مطالبا بثورة لإعادة قراءة التراث الفقهي ومعالجة القطيعة القائمة بين الفقه والواقع والوصول لرؤية تجديدية لمفاهيم الدين، وأن العلماء والفقهاء المسلمين معنيون بدراسة قضايا حقوق الإنسان من ناحية فقهية وبطريقة تجديدية وممارسة النقد الذاتي، وأن العقل الفقهي معني بإعادة قراءة التراث الفقهي حيث أن ما يقارب 96% من تراثنا الفقهي هي نظريات جاءت نتيجة اجتهادات السابقين ولا تمت للواقع بصلة مما يعني أن هناك قطيعة بين الفقه والواقع. وقال أنه انطلاقا من مرجعية الايمان بالنص من القرآن والسنة، ومن خلال دلالة النص فإن هناك معايير تحكم النصوص وتحدد الثابت والمتغير أو ما هو تشريعي أو تدبيري، حيث أن تفكيك هذين البعدين وإعمال الإجتهاد يقود للوصول لنتائج تبدو صادمة على العقل التقلدي الذي يقدم التدبيرات على أنها تشريعات. وأشار الشيخ الخشن إلى أنه ينبغي التركيز على مراجعة آليات الفقه التي أعاقت حركة التجديد الفقهي كسطوة المشهور (حجية الشهرة) والتقدم نحو آليات جديدة في علم الفقه الحديث ومن بينها مخالفة المشهور.
وأوضح المحاضر أن اهتمامه انصب على جمع الفتاوى الحقوقية المتناثرة في كتاب واحد لإشعار الفقيه بثقلها وأهمية إعادة النظر فيها، من أجل تقديم الدين وعرضه بصورة تتماشى مع حاجات الحياة وضروراتها، حيث يلزم الفقيه تبعا لذلك الاشتغال على قضايا حقوق الإنسان بشموليتها. وذكر مثالا على الموقف الفقهي من الولد غير الشرعي، حيث أن هناك انتقاصا كبيرا في حقوق هذه الفئة كالتوريث مثلا، وهذا ليس في الدنيا فحسب بل حتى في المصير الأخروي. وأوضح أن فقه العلاقة مع الإنسان الآخر ينبغي أن يتطور لمعالجة التصورات العقدية والمنظومة الفقهية التي لا تسمح للتعايش مع الآخر كأحكام السلام وتبادل الهدايا والمعايدات وغيرها، موضحا أن فقه العلاقات السياسية ينطوي على أمور صادمة ومواقف حادة ونظرة لا إنسانية للآخر.
ونوه في جانب من محاضرته إلى ضرورة تجسير العلاقة بين المثقفين وعلماء الدين، معتبرا أن الواقع الثقافي سبق الأوساط الدينية في التعاطي مع التغيرات الاجتماعية المتسارعة، مشددا على دور الإعلاميين والمثقفين للعمل المشترك مع الجهات الدينية في نشر ثقافة الوحدة. وانتقد وجود منابر إعلامية تسعى للتفتيش عن الصورة الإعلامية فقط دون أي مضمون وعمل حقيقي لإزالة الجليد الفكري الذي أسس للخلاف والشقاق بين المسلمين.
وفي رده على بعض مداخلات وأسئلة المتابعين، أكد الشيخ حسين الخشن أن مشكلة الخلاف تبدأ من الذهنية التي تعيش على الرواية وأخبار الآحاد حيث ينبغي الانطلاق من المقاربة القرآنية والحوار البناء بدلا من السعي لإسكات وإفحام الخصم. وناقش فكرة الفرقة الناجية التي رأى فيها اشكالات عقدية واجتماعية وكتب في ذلك كتابا أسماه “هل الجنة للمسلمين وحدهم؟”، مشيرا إلى أهمية المصارحة الأخوية في الحوار واعتماد النقد الصريح لكونه أفضل من المجاملات. كما أوضح أن البعد الإنساني في العلاقة مهم لكن الإنسانية وحدها بدون الله تكون بلا روح، مؤكدا في مجال آخر على أن البيئة المغلقة تكون سببا في عدم القراءة الشاملة للمفاهيم والأحكام، وبيّن أنه من دعاة التجديد المتلازم مع الحكمة وليس من المطالبين بإحداث الصدمات فحسب، مبديا تفاؤله لمستقبل التجديد والعقل الاجتهادي الذي يعتبر القوة المحركة للإنسان وتلبية الحاجة لفقه الواقع.
المحاضر على اليوتيوب: