في أمسية جمالية أظلها حوار شيق تدفقت فيه أناقة الخيال ورؤية الابداع، استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 26 ربيع الأول 1440هـ الموافق 4 ديسمبر 2018م الشاعر الأستاذ عبد الوهاب أبو زيد في لقاء أدبي تحت عنوان “مرايا الروح: سيرة شاعر”، وسط حضور نخبة من الشعراء والأدباء والمهتمين. وأدار اللقاء الشاعر الأستاذ فريد النمر، كما مثل ضيف شرف هذه الأمسية الأديب والكاتب الأستاذ بدر الشبيب.
وتضمنت الأمسية عدداً من الفعاليات المصاحبة، شملت عرضا لفيلم تثقيفي بمناسبة اليوم العالمي للتطوع، وتكريم الدكتورة سهام آل اسماعيل الأستاذ المساعد ووكيلة كلية الأعمال ورئيسة قسم الموارد البشرية بجامعة الأصالة، لحصولها على جوائز لمشاركاتها البحثية التي توجت بتكريم سفير المملكة في بريطانيا لها. كما تحدثت الفنانة شعاع الدوسري التي أقامت معرضا فنيا عن تجربتها الفنية الطيلة ومراحل التحول فيها، وتم عرض عدة دواوين شعرية ضمن برنامج “كتاب الأسبوع”، وقد تفضل ضيف شرف الندوة الأستاذ بدر الشبيب بتسليم دروع المنتدى للمشاركين.
افتتح الأمسية الأستاذ فريد النمر بتقديم حول عالم القصيدة النابع من الموهبة المجنحة التي تجيد صنع أدواتها ولغتها مستشهداً بمقولة أليوت: “أن مهمة الشعر ليست في التأكيد على شيء ما بأنه حقيقي ولكن في جعل تلك الحقيقة بالنسبة لنا واقعية بامتلاء”، وعرّف بضيف اللقاء الشاعر عبد الوهاب خليل أبو زيد، الحاصل على بكالوريوس اللغة الانجليزية وإلى جانب الشعر هو كاتب مقالة، له مجموعتان شعريتان “لي ما أشاء” و “ولا قبلها من نساء ولا بعدها من أحد”، وصدر له في الترجمة “خزانة الشعر السنسكريتي”، “لست زائراً عابراً لهذا العالم”، “عسل الغياب .. قصائد مختارة لمارك ستراند”، و”أخبار الأيام لبوب ديلان”، وكتب عن تجربته الشعرية عدد من النقاد كالأستاذ محمد العلي، مبارك بو بشيت، محمد الحرز، محمد العباس، وقزحيا ساسين.
بدأ الشاعر أبو زيد بأربع سوسنات شعرية هي: “أنا آدم”، “المشي حافي الروح”، “إلى روح حسن السبع”، جاء فيها:
أنا آدمٌ وخطيئتيَ الشعرُوالشعرُ جنة عدني، ونارُ جحيمي ومائي الذي قد تعمّدتُ فيهِوب
وصلتي حين لا أستبينُ جهاتي وصومعتي حين يستلُّ روحيَ مما يحيطُ بها من ضجيجٍ،
وهمسُ صلاتي عصايَ التي يتوكأ قلبي عليها وظلي الذي لا يخونُ وما كان مني وما لا يكونُ
وفي قصيدته المسماة “إلى روح الشاعر حسن السبع”، قال فيها:
“أنا عندي حنين”
وأدري لمن
ولماذافلا تسألوني
وإذا ما أردتم بأن تعرفوا
حدقوا في عيوني !
أنا حامل راية أهل الغرام إلى جنة
عرضها كل قلب أحب
فلا تتبعوني
إذا أنتم لم تحبوا
أنا ريشة من ملاك هوت
على الأرض، ثم استوت
بشراًكل ما فيه قلبُ!
ثم قرأ بعد ذلك نصا عموديا جذابا نال استحسان وتصفيق الحضور، جاء فيه:
قوافلي في مدى الصحراء ما تعبت
من الرحيل، وما ضلت بها أبدا
وما وفى لي غير الرمل أسكنه
روحي، ليعصف مرتابا بغير هدى
لا ظل لي فوق ذي الأرض يتبعني
إذا مشيت، كأن صوت بغير صدى
حقيقتي عزبت عني، وأكثر ما
يفت في الروح أني لم أجد جسدا
وحدي خلقت، ووحدي قد يقيت، فما
عرفت مثلي وحيدا واحدا أحدا
أدار الشاعر فريد النمر دفة حوارية مع الأستاذ أبو زيد بسؤاله في البداية عن الشكل الكتابي المفضل لديه؟ مجيباً بأنه يكتب بالأشكال المختلفة، وأنه يمارس “الديمقراطية” في كتابة الشعر فمرة بالتفعيلة وأخرى بالعمودية وأحيانا بقصيدة النثر وحتى الكتابة بالعامية، ولديه محاولات بسيطة لكتبة الشعر بالانجليزية، مضيفاً أنه يجد نفسه أقرب إلى شعر التفعيلة لأنها أوسع في حرية التعبير من العمودية. وفي سؤال آخر ما إذا ثمة فاصل بين عبد الوهاب الشاعر وعبد الوهاب كاتب المقال؟ ليؤكد أبو زيد بأن الفرق يتلخص في حضور الفكرة الأساسية مسبقاَ بالنسبة للمقال، بينما في القصيدة تنطلق من عبارة في لحظة ما، ولا يدري الشاعر إلى أين ستتجه ابعادها او أنها ستكتمل أم لا، فمساحة المجهول فيها أكبر من المقال.
وحول تأثير كتاب “اللاطمأنينة” للشاعر الفيلسوف البرتغالي “فيرناندو بيسو” في الشعر والمثاقفة، فقد عده الشاعر أبو زيد أحد أهم الأسماء الأدبية العالمية – رغم انتمائه لثقافة هامشية وفق الثقافة الأوربية كونه برتغالياً – مضيفاً أن تعرفه على تجربة بيسو خلقت لديه نقطة تحول ادبي، فبيسو كتب الشعر عشرات الأسماء المستعارة، واخترع لكل اسم مستعار حياة وأسلوب كتابة، وكأن كل واحد منها شخصية حقيقية، مما عزز لدى الشاعر أبو زيد فكرة عدم التقيد بشكل معين في كتابة الشعر والتقوقع ضمن طابع محدد في كتابة القصيد دون وجود تناقض في التجربة الشعرية.
وحول الاجابة عن سؤال سر اللغة السنسكريتية لقدامى الشعراء لتكون المشروع الأول لتجربة أبو زيد في الترجمة، أوضح أن ذلك لم يكن باختياره الشخصي، وإنما عرض عليه من قبل “مشروع كلمة” بأبو ظبي فكان بالنسبة له مغامرة يكتنفها الخوف من الفشل، غير أنه عدها تجربة ممتعة لما يتمتع به الشعر السنسكريتي من مضامين انسانية وشعرية، ولاقت أصداء جيدة. وفي سؤال أخير حول فكرة أن مرايا الحداثة الشعرية خادعة في روح الشاعر، وعن رؤية أبي زيد بالنسبة للشعر الحديث، أجاب بأن كتابة الشعر الحديث متعدد المستويات بين الشعراء الحداثيين، ولكن ما يمكن أن يعد خادعا هو الاشتغال لدى بالبعض باللغة على حساب المضامين الانسانية وإن كان باهراً.
بعد ذلك أخذ الشاعر أبو زيد الحضور في جولة ثانية بست زنبقات كان منها: “يد تكسر القاعدة”
يدٌ تغسلُ الماءَ
ترفعه نحو كلّ الشفاهِ التي عاث فيها الظمأ
يدٌ تنحني لتزيح عن القلب
ما قد تراكمَ في جوفهِ من صدأ
يدٌ تتكوّرُ في الليلِ
تصبحُ بدرًا
يضيءُ الطريقَ
إذا ما النهارُ انطفأْ
يدٌ تحت وهجِ الشموسْ
تبسطُ الظلَّ فَوْقَ الرؤوسْ
يدٌ من حنانٍ تسيلْ
لتترعَ -حين يحيقُ بِنَا الوعيُ- ظمأى الكؤوسْ
يدٌ مثل أمٍّ تميلْ
على طفلها، ثم تمتدُّ مثل اللحافْ
عليه، لكي لا يخافْ
من كوابيسهِ
إذ يجنُّ عليه الظلامْ
يدٌ لا تنامْ
يدٌ توقظُ الدفءَ في الأضلعِ الباردةْ
يدٌ كلما أبصرتْ من تحبُّ من النَاسِ
خرّتْ له ساجدةْ
يدّ تكسرُ القاعدةْ!
و”في معنى الحب”، قال:
أحبكِ..ليس الحبُّ لفظًا على فمي
ولكنه السرُّ المسافرُ في دمي
أحبكِ تعني أنني أنتِ..أننا
إلى الجوهرِ المكنونِ في العشقِ ننتمي
أحبكِ تعني أنني صرتُ مبصرًا
بعينيك في قطعٍ من الليل مظلمِ
ومن ترجماته الشعرية للشاعر البرتغالي “فيرناندو بيسو”
أنا جثةُ مستقبلي.
لا يربطني بذاتي سوى حلمٍ
حلمٍ غامضٍ ومؤجلٍ
لما كان ينبغي أن أكونَ – جدارٌ
يحيطُ بحديقتي المهجورة.
خذيني أيتها الأمواجُ العابرةُ،
إلى حيث يطويني البحرُ بنسيانه!
أسلميني لما لن أكونه
أنا، من أقام الأسوارَ
حول المنزلِ الذي لم أبنه قط.
وتفاعلاً مع الشاعر أبو زيد توالت مداخلات الحضور، ابتدأها الأستاذ علي الحرز بتساؤل عما إذا كانت تنظيرات جابر عصفور المتشائمة بموت الشعر العربي قائمة فعلا، وعقب على ذلك أبو زيد بأن الشعر مرتبط بوجدان الإنسان لذا لن يتوقف الشعر مهما ضاقت دائرة الاهتمام به. وأبدى الأستاذ منصور آل سلاط اعجابه بقصيدة “آدم” متسائلاً ما إذا وجد الشاعر حلاً لأسئلته الوجودية، وتساءل الأستاذ عبد الرسول الغريافي عن مدى اهتمام الشاعر بالشعر الأجنبي قاده إلى دراسة الإنجليزية أم العكس، في مداخلته فسر الأديب عدنان العوامي ميزة الشعر بأنه خطاب للنفس وتعبير عن الوجدان فهو أشبه بالزقزقة أو عطر الورد فمن الصعب أن نجد جوابا لوجدان الشاعر.
الأستاذ أحمد الأحمد تساءل عن فرضية أن كل إنسان يستطيع أن يكون شاعراً باعتبار أن كل الأشكال الإبداعية يعد تعبيراً شعرياً، أما الأستاذ عبد العزيز الحسن فأبدى مشاعر فياضة تجاه ضيف الأمسية ومنتدى الثلاثاء قائلاً أنه مفخرة لكل الوطن وتساءل عما إذا كان كل الشعر مشاعر حقيقية أم وهمية. ووصفت الأستاذة هدى البقشي شعر أبو زيد بأنه شعر الحيرة والدهشة، وعلق الأستاذ محمد الدميني عن الشاعر أبو زيد بأنه يحمل نسيجاً شعرياً متماسكاً، ولديه عين فاحصة واحساس عميق بالأشياء والأشخاص والمواقف، مشيداً بانفتاحه على الشعر العالمي. وأشاد الصحفي والأديب أحمد سماحة بتميز أبي زيد وأنه ليس متأثراً بالشعر الأجنبي واصفا إياه بأنه يعرف أين يضع الجملة الشعرية وكيف يوظفها، وفي مداخلته تساءل الشاعر سعود الفرج عن لحظة انقداح الشعر لدى أبي زيد بناءَ على مقولة “الشاعر كالصياد لا يتخل إلاّ إذا نبهته اللحظة”
في نهاية البرنامج، تحدث ضيف الشرف الأستاذ بدر الشبيب مبدياً اعجابه بالمستوى الرفيع للأمسية وضيفها، واصفاً إياه بالشاعر المبدع، موجها شكره لكل المشاركين في فعاليات هذا اللقاء، وأثنى على جهود منتدى الثلاثاء الثقافي في سعيه ليكون متقدما حتى أصبح رقماً صعباً على خارطة منتديات المملكة.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الفنانة شعاع الدوسري:
كلمة الدكتورة سهام آل إسماعيل:
كلمة الأستاذ بدر الشبيب ضيف شرف الأمسية: