ضمن برنامجه الأسبوعي للموسم الثقافي الثامن عشر، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة تحت عنوان “النظرية المعجمية: تطبيقات اجتماعية وتراثية” ألقاها أستاذ اللغويات التطبيقية الدكتور أحمد فتح الله التاروتي مساء الثلاثاء 10 رجب 1439هـ الموافق 27 مارس 2018م، وأدارها الأستاذ عيسى العيد عضو اللجنة المنظمة للمنتدى.
وقبيل بدء الندوة تحدثت الفنانة التشكيلية يثرب الصدير عن معرضها الفني الذي أقامته بالمنتدى والذي شمل العديد من اللوحات الفنية وكذلك عن تجربتها في الفن التشكيلي، وهي التي تعمل مشرفة لجنة الفنون التشكيلية والخط العربي بجمعية الثقافة والفنون بالدمام، وشاركت بالعديد من المعارض الفنية داخل وخارج المملكة، كما حكمت العديد من المسابقات الفنية وقدمت عدة ورش عمل في هذا المجال. كما تم تكريم الأستاذ أحمد عباس العلوي لحصوله على عدة شهادات تميز في مجال التدريب على الأمن والسلامة وإصداره العديد من الكتيبات التوعوية حول الاسعافات الأولية وسلامة الأطفال وإدارة السلامة، وتحدث في كلمته عن مسيرته العملية وتجاربه في خوض غمار هذا التخصص الذي وصل به للحصول على أوسمة وشهادات عديدة في مجال إدارة المخاطر والصحة والسلامة.
بدأ مدير الندوة الأستاذ عيسى العيد بالتعريف بالمحاضر الدكتور أحمد فتح الله التاروتي الحاصل على شهادة الدكتوراه في اللغويات التطبيقية من جامعة لوس أنجلوس، وعمل معيدا في جامعة الملك سعود واستاذ مشارك في جامعة الملك فيصل حيث أشرف على العديد من رسائل الماجستير، وصدر له كتاب “معجم ألفاظ الفقه الجعفري”، كما أن له مخطوط “معجم المثنيات في اللغة”، ودراسة عن مجمع البحرين للشيخ الطريحي. تناول الدكتور التاروتي في بداية محاضرته أهمية الكلمة والمفردات اللغوية في حياة وفكر الإنسان حيث تعتبر مادة اللغة وأنها كائن حي تعيش وتتتبل وتنقرض وتتحول لمعاني ومفاهيم مختلفة عبر العصور والأزمنة، موضحا أن النظرية المعجمية هي التي تعني بدراسة هذه التحولات في المفردات اللغوية ودلالاتها. وبيّن أن المعجمية كأي نظرية أخرى في العلوم الإنسانية تحتوي على جانب نظري كعلم المفردات واللغات وتنظيراتهما حيث أثرى ذلك الأصوليون العرب لارتباط هذه العلوم بعلوم الفقه والأصول والعقيدة.
وفصّل في الجانب الثاني للمعجمية وهو العلم التطبيقي كمنتج في نظام تصنيفات المعاجم اللغوية، فالمعجميين لا يضيفون للغة ولا يخترعون معان من ذواتهم بل أن دورهم يكون في تتبع ورصد معاني ودلالات المفردات، لذا فإن المعاجم تعتبر من أخطر المصادر لما لها من تأثير مرجعي في تثبيت المعاني والتواريخ والأحداث المرتبطة بكل مفردة من مفردات اللغة. وبيّن أن المعاجم قد تأخذ أحد الأشكال الثلاثة فهي إما أن تكون مكتوبة، أو مخزنة ذهنيا، أو معبرة عن فهم اجتماعي مشترك تختلف من بيئة اجتماعية لأخرى حسب التجربة الحياتية والوجدانية.
وأكد المحاضر على أن المعجم يضم بين دفتيه تراث الأمة والمجتمع، فلكل كلمة تاريخ وذاكرة ووجدان لدى أفراد المجتمع، كما أنه يعالج تطور دلالات بعض الكلمات، مستشهدا ببعض المفردات والتحول الذي طرأ في دلالاتها كالسيارة والقطار حيث يتطور المعنى حسب الزمن وتتغير الصور المرادفة للمفردة. والحال ذاته ينطبق على المعاني “الشعبية” للمفردات عند كل مجتمع، مما يعني أن اللغة كائن حي تموت وتولد وتتغير – كما مر سالفا -. وفي بعض الأحيان يأخذ الجزء مكان الكل، فالفاتحة مثلا هي قراءة سورة الفاتحة من القرآن الكريم على الأموات، ولكنها توسعت بحيث أصبحت تعني مكان إقامة العزاء كما تعني أيضا مجمل شعيرة العزاء مكانا وزمانا.وأوضح الدكتور التاروتي أن المجتمع يخلق مفردات جديدة أو يطور ما هو قائم كي تغطي حادات معينة أو تساعد في تصنيف الأشياء والأشخاص والسلوكيات، ومن بينها مفردة “المتدين” التي تعني المتعبد ولكنها تصحب معها شكلا وسلوكا معينا، ونفس الحال ينطبق على مفردة “الحاج” مثلا.
من هنا يؤكد المحاضر على أن اللغة واستخداماتها ودلالة مفرداتها أمر خطير للغاية فهي تصور وتخلق حدثا معينا في الداخل الذهني والوجداني للإنسان، من هنا يمكن استخدام الصورة اللغوية وتحويلها لحدث معين وتتغيير هذه الصورة تبعا لأغراض المرسل. وبيّن أن هذه إحدى مشاكل التراث والحدث التاريخي، فالتصنيفات جاءت بعد الحوادث التاريخية ذاتها وبالتالي فهي تعبر عن رأي من اضافها أو ضمنّها في المفردات أو نقلها من تراث وبيئة أخرى.وأشار إلى أن المبالغة في التوصيف اللغوي قد يؤدي أحيانا إلى الإساءة إلى الشخص المراد تكريمه وتقديره، مستشهدا بإسم “فاطمة” الذي قال عنه أنه كان منتشرا في التراث العربي قبل الإسلام وليس له أي خصوصية أو دلالة معينة، لكن عدم فهم مدلولات اللغة يوقع الكثيرون في أخطاء جسيمة.
وانتقل بعد ذلك لمعالجة بعض التطبيقات الواقعية من التراث حيث استعرض جوانب من واقعة كربلاء مستّلا منها بعض المفردات ومناقشا دلالاتها بما ينعكس على فهم مغاير لما هو سائد في المجتمع حاليا، مطالبا بعدم اسقاط المفاهيم الحديثة على المفردات التراثية بل دراسة كل مفردة حسب وقتها وزمانها وظرفها. وأنهى المحاضر بحثه بالقول أن التطور الدلالي هو علم قائم بذاته، مؤكدا على أن غرضه هو الدفه باتجاه التفكير المستقل والفحص والتدقيق في دلالات ومعاني المفردات وليس النقل والتقليد دون أي تمحيص، حيث أن هناك ما يشبه الفوضى في علم اللغة بسبب تعدد العلوم والنظريات في مجالات الدلالة والتأصيل اللغوي.
وانتقد في حديثه الاستخدام المفرط دون وعي لتمرير بعض الأفكار على الناس وسحب معاني أخرى على المعنى الأصلي والأولي لأغراض مختلفة، مطالبا بضرورة دراسة المضامين بدلا من الأشخاص والأفراد.بدأت المداخلات بمشاركة من الشيخ سمير الربح حيث أشار إلى أن التطور الدلالي للمفردات لا يمكن إيكاله لأفراد المجتمع حيث يمكن أن يحدث فيه عبث وتراكمات وإدخال مصطلحات غير متوافقة، مؤكدا على ضرورة تصدي مجمعات اللغة العربية والمختصين لتصحيح ما يستجد وما ينقل من مفردات من لغات أخرى قبل استقرارها كمصطلحات ثابتة.
وعلّق الأستاذ عبد الرسول الغريافي حول كون المحاضرة مجسدة لعلم اللغة التطبيقية وأنه لا يوجد قواميس مناسبة للمصطلحات اللغوية العربية، كما تحدث الشيخ علي الموسى حول غياب نظرية لتأسيس وبناء المعاجم اللغوية، وكيفية تشكل المعنى للمفردات، وأن هناك خلط بين المعاني المفهومية والمصداقية. وعلّق الأستاذ صالح العمير حول حديث المحاضر عن بعض المفردات ودلالات استخدامها ومعانيها، كما طالب الأستاذ أحمد الخرمدي بطرح السبل والوسائل المناسبة للتعبير عن هذه المعالجات.
وأشار الأستاذ مرتضى الرويعي في مداخلته إلى أهمية ارتباط المفردات بالذهنية السائدة وضرورة معالجتها بناء على أسس علمية دقيقة وليست جزافية، موضحا أن بقية العلوم النظرية والتطبيقية تستند لمعايير واضحة ودقيقة. وتحدث راعي المنتدى الأستاذ جعفر الشايب عن التطبيقات التي أبرزها المحاضر حول دلالات المفردات في المجتمع المحلي مشيرا إلى أن المجتمعات الأخرى لديها حالات شبيهة، متسائلا عن كيفية المعالجة التي قامت بها المجتمعات الأخرى لتصحيح خلط الدلالات.
المحاضرة الكاملة:
كلمة الفنانة يثرب الصدير:
كلمة الأستاذ أحمد العلوي: