احتفاءً بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان (العاشر من ديسمبر)، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة حوارية تحت عنوان “تمكين المرأة السعودية في رؤية 2030” باستضافة مساعد الأمين العام لمركز الحوار الوطني وعضو مجلس هيئة حقوق الإنسان الأستاذة آمال المعلمي وذلك مساء الثلاثاء 24 ربيع الأول 1439هـ الموافق 12 ديسمبر 2017م وسط حضور كبير من المهتمين بالتطلعات المستقبلية للشأن الحقوقي. وصاحب الندوة عرض لفلم حقوقي قصير ومشاركة الفنانة التشكيلية الأستاذة عصمت محسن المهندس التي تحدثت عن تجربتها الفنية التي تنشد إلى مقاربة الحداثة، حيث كشفت عن مشروعها “مركز ألوان شرقية” والذي تعتزم من خلاله تجميع أكبر عدد من التشكيليين العرب لتنفيذ معارض مشتركة.
كما كان ضمن فعاليات الأمسية منح الناشطة الحقوقية الأستاذة فوزية العيوني درع منتدى الثلاثاء الثقافي لحقوق الانسان الذي يهدف لتكريم الحقوقيين، وألقت العيوني حديثاً عن تجربتها في العمل الحقوقي ابتداء من رعاية الايتام لقضايا المرأة وحقوقها، مؤكدة في حديثها على أن الحقوقيين لا زالوا يأملون بفضاء أوسع للممارسة الفعلية لحماية الحقوق. وتعتبر السيدة العيوني من الناشطات البارزات اللاتي عملن في مجال المطالبة بحقوق المطلقات ومنع زواج القاصرات وحقوق أبناء السعوديات المتزوحات من غير سعوديين.
كما ألقت الأستاذة هدى القصاب عضوة اللجنة المنظمة بالمنتدى كلمة المنتدى بهذه المناسبة مرحبة بمشاركة الأستاذة آمال المعلمي، وكافة الحضور من ناشطات المجتمع المدني، ومنسوبي المؤسسات الأهلية والرسمية، والمثقفين والمهتمين بالجانب الحقوقي، مشيرة إلى اهتمام المنتدى بهذه المناسبة لما لها من علاقة مباشرة بما يحصل من تحولات محلية واسعة في مختلف المجالات وعلى رأسها المجال الحقوقي للمرأة، داعية إلى بذل الجهود أكثر من أي وقت مضى لتطوير المنظومة الحقوقية في بلدنا، ودعم المبادرات الأهلية ومأسستها وتنويع تخصصاتها في هذا المجال.
بدأت الندوة التي أدارتها الأستاذة رجاء البوعلي مفتتحة اياها بالتأكيد على أفضلية الإنسان وقيمته وتكريمه من خالقه تبارك وتعالى، ليأتي الفعل البشري يمتثل لهذا التكريم بالعمل الحثيث على نشر القيّم الضامنة للكرامة الإنسانية، مشيرة إلى أهمية الاحتفاء باليوم العالمي بحقوق الانسان لنشر المفاهيم والقوانين التي لما لها من دور أساس في ضبط وتنظيم العلاقات البينية. وعرَّفت بالمحاضرة آمال يحي المعلمي الحاصلة على بكالوريوس آداب اللغة الإنجليزية، وزمالة مركز الدراسات الإسلامية بجامعة أوكسفورد، بالإضافة إلى دراسات متقدمة في الاتصال الجماهيري من جامعة دنفر الأمريكية، كما عملت على تدريب ما يقارب خمسة آلاف سيدة من خلال مؤسسات دولية ومحلية في مجال الحوار من أجل السلام، وتنمية مهارات الاتصال، وتنمية مهارات التفكير، واستراتيجيات التدريس والتقويم والقياس، لها عدة دراسات ومشاركات في المجالات الاجتماعية والنشاط التطوعي، وكذلك في المجال الثقافي والتربوي.
استهلت الأستاذة المعلمي حديثها بالإشارة إلى مفهوم حقوق الانسان الذي لخصته بأنه مجموعة المبادئ والمعايير الإجتماعية التي تمثل أساسيات للسلوك الإنساني الذي لا يمكن تجاوزه أو الاعتداء عليه، مستعرضة التدرج التاريخي في الاهتمام بحقوق الانسان. وتناولت ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتأسيس الأمم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وقدمت تأصيلاً شرعياً لحقوق الانسان من خلال تحليل لوثيقة المدينة المنورة بين الرسول ويهود المدينة وكذلك لخطبة الوداع في العام العاشر الهجري، موضحة بأن المبادئ التي تضمنتها هذه الوثائق مبادئ عامة تكون صالحة لكل زمن في الأخذ بها وفق متطلبات تغيرات الزمان والمكان.
وركزت الأستاذة المعلمي للحديث بالتفصيل حول الاطار النظامي لحقوق الانسان في المملكة العربية السعودية والتي تتشكل من خلال تشريعات أساسية، وأوامر ملكية، وقرارات مجلس الوزراء، مستعرضة المواد التي تحمي حقوق الانسان مباشرة أو تمثل إطاراً لها، تضمنتها ثمانية أنظمة هي النظام الأساسي للحكم، ونظام الحماية من الايذاء الصادر في عام 2013م، ونظام حماية الطفل عام 2014م الذي يؤسس لمنظومة حماية كل شخص لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره، ونظام رعاية المعوقين عام 2000م الذي لم يكتفي بالنص على الجانب العلاجي بل تجاوزه إلى الجانب الوقائي، ثم نظام المطبوعات والنشر عام 2000 وهو نظام يحمي حرية التعبير، ويعزز مبدأ التقييد النظامي وفق المعايير الدولية، وكذلك نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص صدر عام 2009 ، وفي عام 2012 صدر نظام التنفيذ وهو أحد الأنظمة المساندة للقضاء حيث ينظم متابعة تنفيذ بعض الأحكام القضائية المتعلقة بالأحوال الشخصية وقضايا المال لضمان سرعة تنفيذها، ثم لائحة عمال الخدمة المنزلية عام 2013 والذي يوضح العلاقة بين صاحب العمل وعامل الخدمة المنزلية من حقوق والتزامات.
وتحدثت المعلمي عن مجموعة من الأوامر الملكية وقرارات مجلس الوزراء لدعم الاطار النظامي لحقوق الانسان، وتشمل أحكام ضبط العلاقة بين العامل وصاحب العمل على أساس العقد المبرم بينهما، وقرار الزام الجهات الحكومية باستقبال طلبات النساء لاستخراج التراخيص اللازمة لمزاولة الأنشطة الاقتصادية، وقرار إيجاد أقسام نسائية في المحاكم وكتابات العدل بإشراف إدارة نسائية مستقلة في الجهاز الرئيسي، وقرار معاملة أبناء المرأة السعودية المتزوجة من أجنبي معاملة السعوديين من حيث الدراسة والعلاج، وهناك عدة قرارات متعلقة بحقوق المرأة في تسهيل الحصول على الخدمات في المؤسسات الحكومية إنشاء المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لتعزيز حقوق الانسان كهيئة حقوق الانسان 2005م، الجمعية الوطنية لحقوق الانسان 2005م، مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني 2003م، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد 2011م، وبرنامج الأمان الأسري 2005م، واللجنة الوطنية للطفولة 2005م.
وأنهت حديثها بالتركيز على حقوق المرأة وفق رؤية 2030 بالقول أننا بحاجة لتعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ونشر ثقافة التطوع، والتوعية بثقافة الادخار وتحقيق الأمان المادي للأسرة، كما نادت بتفعيل مشاركة المرأة في المواقع الريادية وتمكينها من المناصب العليا، والعمل على زيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل والمشاريع الصغيرة من 20% إلى 30% . كما طالبت بتطوير الرعاية الصحية، والحق في ممارسة الرياضة والترفيه والأنشطة الثقافية، وكذلك الاهتمام بالبيئة الصحية والاجتماعية المناسبة. وفي الأخير أكدت على أهمية مراجعة الأنظمة الخاصة بالمرأة في جميع الجهات الحكومية قائلة إن ممارسة المرأة السعودية للحياة الجادة والنشطة أمر حتمي يفرضه الواقع المعاصر، مناشدة جميع المهتمين بالشأن الحقوقي أن تكون المطالبة ودعم الحركة الحقوقية من خلال التشريعات والأطر القانونية القائمة فهي قادرة على تلبيتها مؤكدة أن فرص تطويرها متاحة.
بعد ذلك كانت جولة من المداخلات حيث أشاد الأستاذ علي البحراني بخطوة المنتدى في تكريم الأستاذة فوزية العيوني، وتحدث من ناحية أخرى عن إشكالية محدودية الاطار للنصوص الإسلامية التي عاقت حتى الآن في تقديم برامج حقوقية تأخذ موقعية عالمية، وأشارت الأستاذة نسيمة السادة إلى ثلاث دعائم لتعزيز تمكين المرأة وهي رفع القوانين التي تقيد حركة المرأة، ونشر ثقافة تمكين المرأة في المجتمع، وانشاء المؤسسات التي تستطيع المرأة أن تلجأ إليها في حال تعرضها لانتهاك ما. في مداخلته عبر الأستاذ وليد سليس بأن البيئة المحلية لم تستوعب بعد الحالة الحقوقية أو الحقوقيين، لافتاً النظر إلى أن ازدياد حالة التعبير من خلال قنوات وسائل التواصل هو مؤشر حقيقي لمستوى استيعاب الحالة الحقوقية، وأنسب سبيل للخروج من هذه الإشكالية هو التشجيع على تأسيس المؤسسات الحقوقية المحلية.
وتساءلت الأستاذة عالية آل فريد حول مدى فاعلية لجنة حماية الإعاقة في اهتمامها بفئة المعاقين من النساء، أما الفنانة التشكيلية أحلام المشهدي فعبرت عن تطلعها إلى أن تمكن رؤية 2030 المرأة من تقلد المناصب القيادية كما هم الرجال، وكذلك تمكينها من مختلف التخصصات العلمية والفرص الوظيفية وتصحيح صرف راتب الوراثة. وناشد الأستاذ علي الدميني هيئة حقوق الانسان للعمل على الافراج عن أي معتقل بسبب الرأي وأن تساعد الجهات المختصة في استيعاب هذه الحالات، من جهتها طالبت الأستاذة أميرة المحسن بتفعيل الرقابة على الشركات والمؤسسات التي تمارس التصنيف المناطقي والعرقي في التوظيف.
وفي ختام المداخلات دعى الأستاذ جعفر الشايب المؤسسات الحقوقية إلى تحمل المسئولية في معالجة القضايا المتعلقة بالشأن الحقوقي في المرحلة الحالية، وأن تكون برامج المؤسسات الحقوقية في عصر الرؤية مبنية على أسس واستراتيجية لا تتأثر بالظروف وصولاً إلى منظومة دستورية وإقرار نظام مؤسسات المجتمع المدني.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الأستاذة فوزية العيوني: