في مساء الثلاثاء 22/3/1425هـ الموافق 11/5/2004م استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي بالقطيف الدكتور علي عبد الله علي الحاجي الأستاذ بجامعة الملك سعود بالرياض ليحاضر حول “الثقافة المعاصرة والقيم التربوية”، وقدم مدير الندوة الأستاذ أسعد النمر عضو اللجنة المنظمة المحاضر للمنتدى، فعرف بسيرته الذاتية، مضمناً ذلك مسيرته العلمية منذ مرحلة الكتاتيب حتى الدراسات العليا ونيل درجة الدكتوراه من جامعة ميتشيجن الحكومية عام 1987م، والتي كان موضوعها “البيئة التنظيمية للمدارس الثانوية الشاملة بالمملكة العربية السعودية”، كذلك عرف بنشاط المحاضر العلمي على صعيد التدريس بالجامعة أو الإنتاج العلمي من تأليف وترجمة.
بدأ الدكتور الحاجي محاضرته بمقدمة عن بحث في قضية المفاهيم الثقافية الجديدة التي دخلت في منظومتنا اللغوية، وأصبحت جزءاً من تفكيرنا، محدثةً تغييرات سلوكية جديدة لم تكن جزء ًمن تنشئتنا الاجتماعية، مشيرا إلى أن هذه المفاهيم كثيرة ومتنوعة ولمست في مجملها البناء القيمي للثقافة التي نشأنا في ظلالها؛ فقد لمست القيم المعرفية، والوجدانية، والنفسية الحركية، إلا أن التركيز – كما حدده الدكتور المحاضر – كان على عدد محدود من هذه المفاهيم الثقافية المعاصرة التي تتداخل مع المنظومة القيمية المؤثرة في الشخصية التي تتحول إلى “عملية تربوية”.
وفي هذا السياق، ناقش المحاضر العملية التربوية التي تتداخل فيها مفاهيم ثقافية جديدة مرتبطة بـالثقافة التكنولوجية الجديدة، ثقافة الحوار والاتصال، ثقافة التنوع والاختلاف، وثقافة وعي الذات، وبناء على هذا التحديد لعرض نقاط المحاضرة، أشار الدكتور الحاجي إلى تعريف الثقافة، والقيم التربوية والعلاقة بينهما، وكذلك علاقتهما بالمفاهيم الثقافية المعاصرة.
لخص المحاضر مفهوم الثقافة من خلال ثلاث نظريات اصطلاحية، هي كالتالي:
أولا: أن الثقافة هي المحور الأساسي للسلوك الفردي، وهي أيضا بمثابة شعور جمعي مستقل عن شعور الأفراد أنفسهم.
ثانيا: أن الثقافة حالة عقلية موجودة لدى الأفراد، وبالتالي هي نقيض النقطة السابقة؛ فالثقافة بهذا المعنى، سلوك يشارك فيه كل الناس، إذ تستمد الثقافة كسلوك خصائصها من تفاعل عقول الناس وشخصياتهم، بعيدا ًعن قوة القهر الذاتية التي تمارسها الثقافة ككيان مستقل عن الأفراد.
ثالثا: أن الثقافة تتحدد وفق رؤية أخرى على أساس التوازن بين الفكرتين السالفتين لمعنى الثقافة، فالثقافة هنا بمثابة تآلف بين المكونات الذاتية والموضوعية لتشكل نسقاً عاماً بحيث يتبدى هذا النسق في ظواهر إنسانية تتضمن الجوانب المادية والمعنوية كالمعتقدات والقيم والأخلاق وسلوكيات الضبط الاجتماعي.
كما تطرق الدكتور الحاجي إلى الأدوار الاجتماعية للثقافة، وهي إشباع الحاجات المختلفة لأفراد المجتمع، وتشكيل شخصية الفرد داخل الجماعة، وإعطاء مساحة من الحرية للأفراد، وتشكيل الجانب الانفعالي في حياة الأفراد، التأثير في طرق التفكير والتعبير، وحول مفهوم القيم، ناقش المحاضر القيم باعتبارها قناعات أساسية تحتوي على مضامين خلقية تعبر عن أفكار الفرد حول ما هو صواب وما هو غير ذلك، وأضاف أن لهذه القيم التي هي نتاج البناء الثقافي للأمة دور كبير في تصرفات الأفراد، لما فيها من مضامين أخلاقية، لهذا تتحول القيم إلى معايير يُحكم على الأفعال من خلالها، بل تصبح للقيم صفة الإلزام والعمومية، وأن الخروج عليها يُعد خروجاً عن المبادئ الجماعية ومثلها العليا.
وفي هذا السياق، أشار الدكتور الحاجي إلى عدد من خصائص القيم، كونها وسيلة لضبط النفس، وتوجيه للشعور الداخلي، ووسيلة للحكم على سلوك الأفراد، ووسيلة لتزويد الفرد بالوعي، كما أنها تشكل إطارا ًعاما للجماعة، وأسلوب رقابة داخلية على سلوكها. وقد أجمل المحاضر مصادر القيم الأساسية اعتمادا على مختلف الآراء في ثلاثة أمور، الإنسان باعتباره مقياساً لكل شيء، والطبيعة وقوانينها، والدين على أساس أنه مرتبط بكل مجالات حياة البشر.
وتطرق الدكتور الحاجي إلى التطبيقات التربوية للقيم، بصفتها ذات صلة وثيقة بالمجال التربوي، مشيرا إلى أنها تقوم بعدة أمور، منها:
- تحديد الأهداف التربوية المراد تحقيقها، باعتبارها قيماً واتجاهات تستخدم كمعايير للتقدم التنمية.
- تعتبر ركيزة رئيسة في عمليات التنشئة الاجتماعية لتطبيع الفرد وفق النظام القيمي السائد بالمجتمع.
- تحديد المداخل التربوية المناسبة لتشكيل قيم إيجابية تساعد في حركة التنمية والتطوير، كقيم التعاون، والانتماء الوطني.
- الكشف عن القيم الاجتماعية والفردية السلبية المناهضة لحركة التنمية والتطوير، كالفردية، والكسب غير المشروع، والفساد، والانتهازية.
وأختتم الدكتور الحاجي محاضرته بالتأكيد على ضرورة استيعاب القيم الجديدة التي دخلت على ثقافتنا، وهي قيم ثقافة التكنولوجيا، والحوار والاتصال، والتنوع الاختلافي، وقيم وعي الذات، حيث تتجه في تأثيراتها لإحداث سلوك جديد لدى الأفراد؛ فهي لذلك تدخل ضمن القيم التربوية، وعليه لابد للنظام التربوي أن يستوعبها ويضعها من ضمن منظومته القيمية.
بعد ذلك، فُتح باب مشاركات الحضور سواء بطرح الأسئلة أو المداخلات، ودارت الأسئلة المطروحة في مجملها حول علاقة القيم بالتجربة والواقع المُعاش أو علاقتها بنهضة الأمم وتطورها الاجتماعي والفكري والتقني، بيد أن المداخلات اهتمت، بشكل عام، بأصل القيم والتطبيقات التربوية لها، فقد تحدث الأستاذ جعفر الخزعل عن دور الثقافة في تعزيز التعايش والحوار فيما بين المجتمعات والحضارات الأخرى، أما الأستاذ السيد طاهر علوي آل درويش فكان تعليقه حول مجالات عمل الثقافة وهي الأسرة والبيئة والمجتمع وعن سبيل إيجاد حالة من التناغم والتوفيق بين هذه المجالات، وأشار الأستاذ أثير السادة إلى طبيعة التحولات في الثقافة الحديثة وتطبيقاتها في المجتمع، وكذلك حول شمولية مصادر القيم، بحيث قد لا تكون دينية دائما وخاصة لدى الذين لا يؤمنون بالدين، ومثل على ذلك بالمكتسبات الإنسانية القيمية كمنظومة حقوق الإنسان، وعقب الأستاذ زكي أبو السعود باستعداد الشعوب لاستقبال النتاج الثقافي للمجتمعات المتقدمة، وضرورة التفاعل الايجابي مع هذه المفاهيم، والتوفيق بين المكاسب التقنية والمفاهيم الحضارية.
وكانت مداخلة الأستاذ عبد الله العبد الباقي حول أهمية التناغم والانسجام بين مكونات الأبعاد المختلفة للقيم الدينية والإنسانية كعامل أساسي لنجاح أي حضارة، تساءل فيها عن موقعية القيم في ظل السيل المعرفي والمعلوماتي وعولمتها بين المجتمعات، وتحدث الأستاذ عبد الودود أبو زيد (خطيب) عن أهمية شمولية مصدر القيم ونسبتها إلى النظام الإلهي الشامل بشقيه التكويني والتشريعي حتى يمكن تجاوز إشكالية استقلال العقل بالقبح، مشيرا إلى دور الأعراف الاجتماعية كرديف للقيم في عملية الضبط الاجتماعي.
كذلك، أشار الدكتور تيسير الخنيزي لدور الثقافة والقيم في تطور العملية التنموية في المجتمعات البشرية، متسائلا عن العوائق الثقافية والقيمية التي تعيق عملية التنمية، وتساءل الأستاذ حسين البيابي عن الثقافة الالكترونية وتأثيرها على ضعف الوعي الثقافي في المجتمع، وتحدث الشيخ حسن الصفار في إطار تأصيل القيم باعتبار أن الوحي مصدرها، وهو ما أطلق عليها بقيم الوحي التي توصل للقيم الصحيحة وعلاقتها بتطور البشرية؛ وبالتالي ليست ثمة تناقض بين هذه القيم وتنمية المجتمع في مجالاته المختلفة.
من جهة أخرى، أشار الأستاذ حسين القريش إلى أن المجتمعات العربية تعيش على فتات التطور العلمي في الدول المتحضرة، وأنها لم تستطع الوصول إلى مصادر العلوم الأساسية، وعلق الأستاذ علي الدبيسي بأهمية وعي الذات بالنسبة للمجتمعات باعتباره أبرز التحديات التي تواجه المجتمع في إعادة إنتاجه لهويته.