استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 27 جمادى الأول 1431هـ الموافق 10 مايو 2010م الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض لألقاء محاضرة بعنوان “قراءة في التاريخ الإسلامي: سقوط الدولة العباسية نموذجا”، وأدار الندوة الأستاذ خالد النزر، وحضرها جمع غفير من الكتاب والمثقفين وعلماء الدين المهتمين بالتاريخ.
وتحدث مدير الندوة في البداية حول الدور الذي يقوم به المؤرخون والباحثون التاريخيون من استرداد لما كان في الماضي من تفاصيل تتعلق بالأشخاص والأحداث والمكان والزمان والظروف المحيطة وتحقيق مجريات الأمور كما وردت، إنّ ذاك كله يدفع بتحليل القوى والمشكلات التي أدّت إلى صياغة الحاضر المعاصر، بل يتعدّاه إلى استشفاف ما يأتي في المستقبل، وأنه لابدّ من معرفة أنّ كتابة التاريخ والمؤلفات التاريخية منذ ظهورها وحتى الآن هي ليست مجرد سرد للأحداث والوقائع التاريخية وحسب، بل كانت ولازالت في الأغلب تُعبّر عن جميع المؤثرات الثقافية والحضارية التي ينتمي إليها المجتمع بل والمؤرخ أيضا.
وعرف الضيف بأنه الأستاذ الدكتور سعد بن حذيفة الغامدي، الحاصل على شهادة البكالوريوس من قسم التاريخ، بجامعة الملك سعود، وعمل معيداً في القسم، وسافر إلى إيران والتحق بجامعة طهران لدراسة اللغة الفارسية، وحصل على شهادة الدكتوراه من قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة اكستر، ويعمل حاليا أستاذا للتاريخ الإسلامي في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض، وحكم أكثر من سبعين كتاباً وبحثاً علمياً ورسائل للماجستير والدكتوراه، وأصدر أكثر من خمسة وثلاثين عملاً علمياً.
بدأ الدكتور سعد الغامدي محاضرته بالإشارة إلى أنها جزء من أطروحته للدكتوراه، والتي كان موضوعها دور الشيعة في سقوط الدولة العباسية، وبالخصوص حول دور ابن العلقمي، الذي يتداوله الكثيرون بأنه هو من دعا هولاكوا لدخول بغداد، ووجدت من بحثي أن ذلك كله محض افتراء. وشرح أن سبب اهتمامه بهذا الموضوع الشائك جاء نتيجة سؤال طرحه عليه أحد أساتذة التاريخ الإسلامي في بريطانيا، عما إذا كان فعلا متأكدا أن ابن العلقمي تآمر مع الشيعة لإسقاط الدولة العباسية ودعوة هولاكو، فأجانه بأنه ليس متأكدا، وظل يبحث في هذا الموضوع من كل جوانبه لعام كامل وانتهى إلى أنّ هذا الاتهام اتّهام باطل.
وسرد مجموعة من الحقائق تدلل على صحة قوله، من أهمها أن “الياسا” أو “الجاسار” وهو القانون المغولي الذي ينسب إلى جنكيزخان يجرم قطعيّا بأن لا يوثق في خائن مهما كان، والعلقمي عُين بعد أن خرج هولاكو من بغداد بأن يرأس لجنة تنظيف بغداد والإشراف على شؤون أهل بغداد. ومن الأدلة أيضا أن الدولة العباسية لم تسقط سنة 650ه بل سقطت سنة 636ه أيام المستنصر، لأنّه قبل ذلك وفي سنة 619ه أصبحت دولة المغول جارة للدولة العباسية، وأصبحت حكومة قراقرون في وسط مغوليا تحكم حتى نهر دجلة. وأضاف أنه في سنة 629ه (1231م) جاء قائد مغولي وأخذ يهاجم الدولة العباسية والدويلات الإسلاميّة المتشرذمة في المنطقة بين الفينة والأخرى، واستمر حتى سنة 636ه حيث استسلم المستنصر العباسي للمغول، وأرسل وفدا من لدنه إلى قراقرون ليُعلن استسلامه ويعتبر نفسه واليا على ما تحت يده للخان المغولي في قراقرون في منغوليا، وقبلها بسنة استسلم للمغول بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل، معتبرا أن استسلام المستنصر هو تاريخ سقوط الدولة العباسية وليس في عام 650هـ.
وأوضح في محاضرته أنه في سنة 641ه كانت هناك معركة بين المغول وبين سلاجقة قونيّة في كوسيدار، وهُزم فيها السلاجقة واحتُلت من قبل المغول الذين سادوا آسيا الصغرى كلها فيما يُسمى بأراضي الهلال الخصيب، وأنه بعد الحاكم العباسي وبدر الدين اللؤلؤ، فقد استسلم في سنة 641هـ كبير بني أيوب الناصر يوسف للمغول وأرسل قاضيه وأخاه إلى منغوليا، وكان الناصر يوسف يُمثل كبير بنو أيوب في بلاد الشام وكانوا يحكمون بلاد الشام كلها ومصر أيضا التي سلمها أيضا. وأضاف الدكتور الغامدي أن المستعصم العباسي يعتبر رجل ثائر على سلطة كان قد استسلم أبوه لها، فقد كان المغول يحتلون البلاد ويبقون الإداريين على ما هم عليه، ويرضون منهم بأمر واحد وهو الولاء للخان المغولي فقط، مشيرا إلى ما ذكرته المصادر التاريخية عن 12 مراسلة بين هولاكو والمستعصم طالبا منه -أي المستعصم – القدوم إلى هولاكو وعدم التمرد ضده.
وبين أيضا أن جيش المغول كان يتكون من مسلمين من كافّة المذاهب ومن غير المسلمين ممن كانوا يخضعون للدولة المغولية من بلاد ألْكايْ في أواسط آسيا إلى نهر الدجلة، بل وممّن شارك في جيش هولاكو كان جيش بدر الدين لؤلؤ حاكم الموصل ويقوده ابنه الملك الصالح، وكذلك سلاجقة الروم الذين ساهموا بجيوشهم، وبعض قوات بنو أيوب شاركوا مع هولاكو في اجتياح بغداد، من أجل أن يقضوا على الثورة التمرديّة من المستعصم. وأشار إلى أن قتلى اجتياح بغداد لا يتجاوز حسب دراسته خمس ألاف نسمة، حيث أن هولاكو ألقى منشورات على بغداد، ورد فيها “أن من لم يقاتلنا فهو آمن، ومن دخل المساجد فهو آمن، ومن دخل بيوت النصارى فهو آمن”. وأضاف أن هولاكو جمع الكتب، حسب قول العلامة نصير الدين الطوسي “وقد أمرني السلطان بأن أتولّى الإشراف على نقل هذه المكتبة إلى مدينة مراغا وأن أنشأ هناك مكتبة عامّة مجاورة للمرصد الفلكي الإلخاني الذي أمر بإنشائه هولاكو، فحملناها على الحمير والبغال والجمال والخيول”، أي أنهم لم يحرقوا شيئا منها.
وبدأت مداخلات الحضور بتساؤل من الأستاذ عبد الباري الدخيل ورد فيه دور المؤرخين الشوام في كتابة التاريخ ونمط طرحهم الذي يخلوا في كثير من الأحيان من الموضوعية، وعما إذا كان ذلك بسبب موقفهم اللامتصالح مع العراقيين، وعقب الأستاذ حسن الشهري حول كتابة التاريخ والتداخل الناتج من تعاقب الدول وتأثير ذلك على مدى العلمية والموضوعية في نقل الأحداث والمعلومات التاريخية مما يخلق إرباكا لدى المتلقي لاختلاف الروايات التاريخية. وطرح الشيخ فوزي السيف رأيه بأن هناك بعض القضايا التاريخية المِفصليّة التي يمتد تأثيرها في ثقافة الأمّة حتى وقتنا الحاضر، ومن المهم أن يُثار النقاش حولها باستمرار باعتبار أنّها لم تتوقف في حدود التاريخ وإنّما تجاوزت في آثارها زمانها إلى أيامنا، مستشهدا بمثالين، أحدهما هي قضية سقوط بغداد والتي لاتزال تُغذي ثقافيا وتتحول إلى تعبئة طائفية تستحضر باستمرار، والثانية دور صلاح الدين في فلسطين، وفي كلا القضيتين تجد أن الموضوع العقدي فيهما حاضرا، مؤكدا على الحاجة لنفض الغبار والركام عنهما.
وتناول الأستاذ نافع تُحيفة مقاربة بين واقع العراق الآن والتحالف مع الأمريكان وبين موقف ابن العلقمي، كما تساءل الأستاذ عبد الباقي البصارة عن المعاناة التي عانياها المحاضر عندما كتب خارج المألوف وخالف السائد وبالذات في المجتمع السعودي، وتساءل أيضا عن سبب الحقد الشامي اتجاه الشيعة خصوصا أن الشيعة في ذلك الزمان لم تكن لهم دولة. وطرح الأستاذ ماجد الشريف سؤالا يتعلق بأسباب وكيفية هزيمة المغول في عين جالوت.
المحاضرة الكاملة: