في حشد من الأكاديميين والمتخصصين والمهتمين بالشأن النفسي والتربوي، ألقى البروفيسور رضي المبيوق، أستاذ علم النفس التعليمي في جامعة شمال أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية محاضرة في منتدى الثلاثاء الثقافي تحت عنوان “الاتجاهات الحديثة في علم النفس التعليمي”، وذلك مساء الثلاثاء 5 ربيع الثاني 1438هـ الموافق 3 يناير 2017م.
وأدار الندوة الأخصائي النفسي الأستاذ فيصل العجيان، الذي تناول السيرة الذاتية للمحاضر وعرج على خبراته الأكاديمية ومجالات أبحاثه وإشرافه على المئات من الرسائل والدراسات الجامعية في مجال تخصصه. بدأ الدكتور رضي المبيوق محاضرته بتوضيح مجال تخصصه حول كيفية التعلم والمؤثرات التي تتحكم فيها وتؤثر عليها، موضحا أن ذلك من المواضيع التي تشغل اهتمام الباحثين، ومن بينها سيكولوجية التحفيز مثلا كأحد المواضيع التي يشتغل عليها. وبين أن العملية التعليمية تتركز في أبعاد ثلاثة هي المدرس والطالب والمنهج مع وجود محيط يجمعها يطلق عليه البيئة التعليمية، وأوضح بالتفصيل دور كل منها.
فالمدرس يمكنه أن يكون مؤثرا في العملية التربوية بصورة محفزة اذا ما امتلك القدرة والمؤهلات التي تجعله مساهما في إيصال المعلومات باستخدام وسائل التعليم المناسبة ونسجه علاقات إنسانية فاعلة مع الطلاب. وأوضح أن المنهج ينبغي أيضا أن يتناسب مع مستوى الطالب وميوله واتجاهاته، وقادرا على خلق التحفيز الإبداعي لديه.وتناول الدكتور المبيوق البعد الثالث والأهم وهو بعد الطالب باعتباره الركيزة الأولى التي تعتمد عليها العملية التعليمية، مبينا أن هناك نموذجان من الطلبة يختلفان من حيث علاقتهما بالعلم، فالأول يدرس لأهداف مختلفة أما النموذج الثاني فهو من يتعلم لأجل العلم نفسه، وكل نموذج يمتاز بسمات وسلوكيات مختلفة عن الآخر. وأوضح أن النموذج الثاني – الراغب في التعلم لذاته – هو الأسمى، وأن هدف العملية التعليمية هو نقل الطالب من النموذج الأول إلى النموذج الأسمى.
وفصل المحاضر في سمات وخصائص كل نموذج من المتعلمين، موضحا أن معظم الطلبة هم من النموذج الأول ومن صفاتهم انتظار مدح وتحفيز من الآخرين، وهم من يبحثون عن مختلف السبل للوصول إلى التميز حتى لو كانت خاطئة أو غير مشروعة، كما أن من خصائصه أنه لا يجيد التحكم الذاتي في التعلم، بل يستعين بآخرين لمساعدته في ذلك. وأكد على أن هذا النموذج يعتمد على وسيلة الحفظ كمهارة أساسية لديه، ويبحث عن الفرص التي تجعله يبدو قادرا وجديرا، كما أنه يبدي الفخر عند اكتساب مهارات بسيطة وليست عميقة، ويحذر من الفشل، ويشارك في النقاش طالما كان شعور الآخرين عنه جيدا وايجابيا، كما أنه أكثر عرضة للانعزال عن الأنشطة الموجودة في المدارس.
وبعد أن وضح البروفيسور المبيوق سلم مهارات التعلم – حسب تصنيف بنجامين بلوم – وهي الحفظ والفهم والتطبيق والتحليل والتقييم وإنتاج أفكار جديدة، انتقل للحديث عن خصائص النموذج الثاني من الطلبة. فأوضح أنه يتميز بالتحفيز الذاتي، ولا ينتظر تقييم الآخرين، وأنه تنمو لديه الجدارة والقدرة بصورة متدرجة، ويختار الفرص المليئة بالتحديات، ويبدو عليه الملل عندما تكون المادة سهلة، وهو تواق لمعرفة المواطن التي ينمو فيها. وأضاف المحاضر أن هذا الصنف من الطلبة يبدي ارتياحا وانفتاحا على فرص التعلم، وقدرة على تفهم الأخطاء باعتبارها جزءا من التعلم، وينظر للمعلم كمرشد وليس كخزان معلومات، وتبدو عليه مظاهر السعادة كلما تقدم خطوة للأمام، وهو كذلك أكثر حبا للمدرسة والانخراط في أنشطتها.
بعد هذا العرض، أكد الدكتور المبيوق أن دور العملية التربوية والتعليمية هي العمل على الانتقال بالطلاب من الحالة الأولى – المنشرة كثيرا – إلى الحالة الثانية وهي الأعلى والأسمى، مشيرا إلى أن الطالب المبتدئ حتى مرحلة الثالثة الابتدائي تكون لديه الميول والمؤشرات على كونه من النموذج الأول لكن البيئة المحيطة به كالمدرسة والبيت قد تدفعه لأن يتحول للنموذج الأول. وتناول المحاضر البرامج العلمية والتجريبية التي تطرح في الولايات المتحدة لهذا الغرض، والتي من بينها دراسة حديثة تم عملها في جامعة ستانفورد لطلبة من مستويات ثاني متوسطة لأول ثانوي استمرت مدة تسعة أشهر كان هدفها تشخيص أي من النمطين يتبع لهما الطلبة المبحوثين. وخضع هؤلاء الطلبة بعد ذلك لبرنامج صيفي مكثف من خلال دروس يومية تهتم بالتركيز على الجهد الذكي وليس على القدرة، والاهتمام بالتغذية الراجعة بصورة مباشرة ودقيقة، والتركيز على أساليب التعليم الجماعي والمناقشات المفتوحة، والاعتناء بالمقاييس عبر نماذج محددة.
وقد نتج عن هذه التجربة تحولات ملحوظة في خواص الطلاب وتحولهم أكثر للنموذج الثاني.وفي إجابته على بعض مداخلات وأسئلة الحضور، أوضح المبيوق أنه تم رصد حوالي 180 قدرة ذكاء ضمن الكفاءات المتعددة للإنسان ضمن تجارب علمية مثبتة، واستشهد بتجربة علمية حول سيكولوجية التحفيز أجريت في مدينة بيرمنجهام بولاية ألباما أن الأعضاء المصابة والمعطلة في جسم الانسان قد تستجيب عندما يتم تحفيزها نفسيا، ليؤكد أن الطالب قد يصاب بإعاقة نفسية يحتاج إلى تحفيز لمعالجتها. ونفى أن يكون للعمر أثر في التعلم وانحدار التحصيل، مؤكدا أن ذلك أسطورة وأن قدرات الإنسان إن لم تستخدم فإنها تضمر تدريجيا، وأوضح أن الثقافة والإعلام والعادات والتقاليد تؤثر على أنماط التعليم والتحصيل وخاصة عندما يكون هناك ازدواجية بين المدرسة والمجتمع. وبين في نهاية حديثه أن دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مفيد جدا شريطة أن يكون المدرسين مؤهلون تأهيلا مناسبا، وأن بعض النظريات يصعب تطبيقها من بيئة لأخرى مع أن هناك مشتركات إنسانية وعالمية عامة.
جاءت مداخلة الدكتور حسن البريكي حول تغييب موضوع الكفاءات المتعددة للأفراد مع أهميتها في هذا المجال، وتساءل الأستاذ عبد الجبار العباس عن علاقة العمر بقدرات التعلم وعن أهمية الحقائق والأرقام في العملية التعليمية. وربط الأستاذ عمار العبود بين الذكاء العاطفي وعلم النفس التربوي، وأشار الدكتور مصدق الخميس إلى أهمية البيئة التربوية ضمن الأبعاد الثلاثة التي طرحها المحاضر. وتناول الأستاذ حسن الزاير دور التحفيز في مختلف المدارس السلوكية وتأثير حالة انفجار المعلومات على اسقاط المتلقي. وطرح الأستاذ جعفر خزعل مشكلة تعليم أبناء المبتعثين العائدين للمملكة وكونهم فقدوا لغتهم الأم للتعلم، أما الأستاذة هدى القصاب فتناولت أسباب غلبة النمط الأول بين الطلاب والتي منها القيود المفروضة على المعلم وطريقة تقييم الطالب التي تعتمد على قدرته على الحفظ، ودور المعلم الذي يتحمل مسئولية تحويل الطالب للنمط الثاني. وتساءلت الدكتور إباء الخميس عن المرحلة العمرية التي يمكن تشخيص نمط الطالب واتجاهه، كما تساءل الأستاذ عبد الرسول الغريافي عن دور البيئة والثقافة السائدة في التاُثير على مستوى ذكاء الطالب.
وطرح الدكتور عبد الله الحليمي دور الدافعية للتعلم مع تقدم العمر ونضج الإنسان وتغيرها عن مراحل التعلم المبكر، كما ناقش الدكتور إبراهيم بوخمسين دور الثقافة الاجتماعية المحافظة في التأثير على التفوق والابداع والتفكير لدى الطلبة. وتحدث الأستاذ خليل الفزيع عن إمكانية تطبيق النظريات القائمة في المجتمعات المتقدمة على المجتمعات النامية، وعن دور الأسرة في رسم توجهات الطلبة المستقبلية.وتناول المهندس نبيه الابراهيم موضوع تأثير المجتمع في تحول الطالب من النمط الثاني للنمط الأول مستعرضا تجربته الشخصية في هذا المجال، وأشار الأستاذ جعفر العيد إلى دور المعلمين التقليديين في الحفاظ على ذات النمط في التعليم بصورة لا يجعل فرصة أمام تحول الطلبة للنمط الثاني. وطرح الأستاذ حسن الجميعان مشكلة التركيز على الطالب المثالي وليس الطالب الانسان، وتساءلت الأستاذة عالية فريد عن مدى إمكانية تطبيق نظريات علم النفس التعليمي على الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتساءلت أيضا الأستاذة سلوى السيف عن مدى موائمة دمج الطلبة من ذوي الاحتياجات الخاصة. وعلق الأستاذ حسين العلق عن مسببات تسرب وغياب الطلبة من المدارس.
وشاركت الفنانة ليلى نصر الله في الندوة بالتعريف عن تجربتها الفنية وألقت كلمة شرحت فيها تصورها للعمل الفني، مؤكدة على دور الفن في فهم الحياة وفي التعبير عن مختلف المشاعر والأحاسيس الإنسانية، حيث أقامت معرضا فنيا لافتا في المنتدى موضحة مسيرتها الفنية. كما شارك كل من الأستاذة بشرى المحروس والدكتور مصدق الخميس في التعريف بمجموعة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية والتي تقدم العديد من البرامج والخدمات الاستشارية النفسية والاجتماعية، وتساهم في توعية المجتمع بمختلف السبل والأساليب.
التقرير على اليوتيوب:
المحاضرة الكاملة:
كلمة الفنانة ليلى نصر الله:
كلمة أعضاء مجموعة أصدقاء تعزيز الصحة النفسية: