منتدى الثلاثاء يعقد ندوة حوارية حول الهويات المذهبية

3٬759

باستضافة علمين بارزين في علوم الاجتماع والسياسة، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة حوارية تحت عنوان “خارج الجماعة … داخل الوطن: ندوة حوارية حول الهويات المذهبية”، شارك فيها كل من الدكتور توفيق السيف والدكتور نادر كاظم وذلك مساء الثلاثاء 7 ربيع الأول 1438هـ الموافق 7 ديسمبر 2016م. وأدار الحوار الأستاذ محمد الشافعي، الذي تحدث عن أزمة الهويات المذهبية في المنطقة وتداخلاتها مع الهويات الأخرى شيرا إلى أهمية التباحث في هذا الموضوع الشائك والمقلق من أبعاده المختلفة وخاصة أنه أصبح من القضايا التي تترك آثارا عميقة في بنية المجتمعات الفكرية وتخلق تباينات حادة بين مكوناتها.

ابتدأ مدير الندوة بسؤال الضيفين حول المقومات التاريخية لصمود الهويات المذهبية وقدرتها على ضخ زخم متواصل من الفاعلية والحيوية فيها، فأجاب الدكتور توفيق السيف أن المذاهب كانت تعتبر نوعا من التنوع التقليدي في المجتمعات ويكون التبدل في المذهب أمرا اعتياديا ومقبولا لأنها لم تحتوي على مضمون سياسي حينها، وكان العدول عن المذهب لمذهب آخر أمرا طبيعيا، أما منذ منتصف القرن التاسع عشر تقريبا دخلت الهويات المذهبية في حلبة الصراعات السياسية في معظم البلدان الإسلامية واستخدمت مبررا لها ووظفت كأداة من أدوات هذه الصراعات، وهذا ما جعل منها حدود تنافر بين المكونات الاجتماعية المختلفة. وتناول العوامل الخارجية التي ساهمت في تسييس الهويات المذهبية، مستشهدا بدور الانجليز في البحرين والعراق وايران والهند حيث ضخوا مضامين سياسية واقتصادية في الدوائر المذهبية من خلال التصنيف والتمييز بين الناس على أساس مذهبي حيث تحولت الهويات المذهبية الى دوائر مصالح بعد ذلك.

وتساءل الأستاذ الشافعي حول سبب احتفاظ الهويات المذهبية بدورها الفاعل وموقعيتها المؤثرة على الرغم من قيام الدولة الوطنية الحديثة وتطور عقدها الاجتماعي، فأجاب الدكتور نادر كاظم أن الهويات المذهبية من القضايا التي تبدو بسيطة ولكنها شديدة التعقيد، فيمكن ان تقول فيها كل شيئ وتنتهي بلا شيئ، وأن منطقتنا هي مركز الثقل الطائفي في العالم الاسلامي وخاصة بين السنة والشيعة، من هنا فإن الحديث حول الهويات المذهبية ينبغي أن يتم تناوله بحذر ومسئولية. وأضاف أن الكثيرين يتوهمون بأن الهويات المذهبية بدأت منذ صدر الاسلام ويتخيلون إسقاط الحاضر وهمومهم على تاريخ سابق، بينما من المؤكد أن حدود الهويات طوال التاريخ السابق لم تكن بهذه لصرامة. وأكد أن الهويات قبل الدولة الحديثة كانت تتميز بالمرونة في التحول والتغير منمذهب لمذهب، ومع نشوء الدولة الحديثة (الكولونيالية) سعت إلى محاولة فهم الشعوب والسيطرة عليها من خلال فهم الكيانات القائمة في المنطقة كما يوضح ذلك بندق أندرسون في كتابه “الجماعات المتخيلة”.

وأوضح الدكتور نادر كاظم أن البريطانيين قاموا بمسح اجتماعي موسوعي تحليلي عن المجتمعات في الخليج نتج عنه “موسوعة دليل الخليج”الذي أعده لويمر، وأن الهويات المذهبية بدأت كمسالة تصنيف تقوم بها أفراد وجهات داخلية وخارجية. وأضاف أن هناك تغييران حصلا في العلاقات بين المذاهب حيث جرى تحويل المذاهب من عقائد إلى هويات كمجموعة محددات في العلاقة مع الآخرين، ودخول الدولة المستندة على احتكار السلطة وقيامها بمنافسة شرسة معالفاعلين الاساسيين في المجتمع الاهلي ونتج عن ذلك توتر في العلاقة بين الاهالي والدولة. وأوضح أنه نتيجة لذلك كان متوقعا تضاؤل الجماعات في مقابل الدولة، ولكن نظرا لكون الدولة لم تنشأ بصورة تعاقدية وإنما بالغلبة فقد تولد عن ذلك حذر من بعض الفئات الاجتماعية من التعامل مع الدولة وقبول الوظيفة فيها.

وتساءل مدير الندوة حول قدرة الجماعات الدينية واستمرارها في استغلالالتراث وتوظيفه من اجل المنافسة في الصراعات القائمة، أوضح الدكتور توفيق السيف أن هناك حاجة لدى الكثير من الفئات الاجتماعية لإحياء هويات سابقة على قيام الدولة الحديثة بسبب سيطرة الدولة على المجال الديني الذي يجعل منه أداة للتمايز بين الكاسبين والخاسرين، وأن هناك ردات فعل طبيعية من قبل الخاسرين الذين شعروا بمزاحمة الدولة لدوائر مصالحهم. وأضاف أن القهر الموجه ضد جماعة دينية او المكاسب التي تحصل عليها جماعة دينية معينة، تدفع بالجماعات الى اعادة فهم نفسها كجماعة خاصة وليس جماعة وطنية، مستشهدا بما يحدث حاليا في العراق حيث أن اللجوء إلى الجماعة يأتي من اجل الحماية الذاتية وتتشكل دوائر مصالح أصغر على حساب الوطن، وأن ارتباط المذهبية بالمصالح سبب في تحولها الى ملجأ بديل. وأضاف أن التمايز والاختلاف بين أصحاب الهويات يكون بعض الممارسات وفي نمط الثقافة – كما يؤكده اندرسون -، موضحا أن استذكار التاريخ من خلال الانتقائية الإيجابية لبعض مقاطعه يساهم في بناء هوية مذهبية او قومية معينة.

وضمن حواره الثري عرج الأستاذ الشافعي على موضوع التنافس بين مؤسسة الدولة ومؤسسة الطائفة، فقال الدكتور نادر كاظم أننا نتعامل في كثير من الأحيان مع الهوية كأنه معطى ثابت بينما هي متغيرات متواصلة ومستمرة ومتحركة بظروف وزمان، وهناك تداخلات في الانتماءات المختلفة، ففي الداخل الشيعي مثلا كانت هناك تصنيفات حدية بين الإخباريين والأصوليين نتجت عنها صراعات عميقة وطويلة. وأوضح أن هناك تحول في العلاقة بين الجماعات قبل نشوء الدولة، حيث تتنافس الجماعات كصراع من اجل الحقيقة وهو حق تمثيل او احتكار الدين، أما بعد الدولة فقد أصبح الصراع بين الجماعات قائم على الفرص والامكانيات والخيرات وعلى حقوق المواطنة، مؤكدا أن أنماط الصراع بين الهويات ستتواصل في التغير والتبدل. وبين أن هناك إشكالات قائمة من بينها أننا عجزنا عن بناء دولة الأمة بحيث بقينا طوائف وجماعات متفرقة، وأن الدولة الحديثة فشلت في قيامها يدور جامع لكل المواطنين.

في جولة المداخلات، أكد الأستاذ محمد المسكين على وجود صراع اخباري-أصولي بين الشيعة أنفسهم امتد الى الستينات الميلادية، وقال الأستاذ وليد الهاشم ان الدولتين الصفوية والعثمانية هما من رعت الهويات المذهبية واسست لها. وتساءل الأستاذ أحمد الخميس عن مسببات التشظي المستمر في المنطقة بين الجماعات المختلفة هل هو عائد إلى تغول الدولة أو إلى ضعف المجتمعات، أو التدخلات الخارجية، وطالب الأستاذ صالح العمير بالبحث عن حلول لتنامي الصراع الطائفي في المنطقة. كما تساءل الأستاذ أحمد الخرمدي عن مدى اعتراف الأنظمة السياسية بالهويات المذهبية وقبولها بها، وطرح الأستاذ خليل الذيابي إشكالية العودة إلى الأمة الموحدة كالخلافة مثلا وأنها لن تكون بديلا جمعيا يحترم الحريات ويعززها.

في تعليقه على المداخلات السابقة، أوضح الدكتور نادر كاظم أن الهويات المذهبية هي صناعة وقتية قابلة للتجاوز مع الزمن مستشهدا بالصراع بين الاصولية والإخبارية التي كانت حادة جدا والآن أصبحت من التاريخ، وقد يكون في يوم ما الانقسام الشيعي السني تاريخيا. وأضاف أن من أسباب الانقسام الحاصل في المنطقة الثورة في إيران والحرب في أفغانستان حيث عمل هذان العاملان على الإيقاظ العنيف لانتماءات تقليدية كانت نائمة، والأمر الآخر هو أدلجة الانتماءات المذهبية ونمو حالة الأسلمة الواسعة. وعلق الدكتور توفيق السيف أن هناك تشدد من قبل الدولة الحديثة لادعائها بنها طرفا في الدين، بينما هي معنية بإدارة شئون دنيا الناس وحياتهم وليس دينهم، وهذا التداخل هو الذي يربك العلاقة بين المواطنين أنفسهم فتتحول الدولة إلى طرف مع فئة ضد فئة أخرى. وحول الانقسامات الاجتماعية، أوضح السيف أن هناك نوعين من الانقسامات: عمودي ويكون مفروضا وتلقائيا وثابتا كالانتماء للقبيلة والمنطقة والمذهب وأفقي وهو اختياري وتعاقدي ومتغير كالانتماء في النقابات والجمعيات والأحزاب.

وتساءل الأستاذ الشافعي أن تحييد الدولة في علاقتها بالمجتمع ومكوناته المختلفة قد يعني تمددا أوسع للجماعات الدينية وللهويات المذهبية وقد تتحول لبديل عن الدولة، فأجاب الدكتور نادر أن الجماعات الدينية لم تقدم الكثير لاتباعها واقتصرت خدماتها على تسيير قضايا الاحوال الشخصية،بينما الدولة أصبحت تقدم خدمات أعمق وأكبر. وأكد على أن وظيفة الدولة الأساسية هي تأمين الاستقرار والسلم الأهلي، ثم أضيف لها وظيفة توزيع الخيرات العامة، وهناك شعور دائم بالخطر من أن تأخذ الدولة دور المجتمع او المجتمع يأخذ دور الدولة.

وضمن جولة المداخلات الثانية، طرح الأستاذ حسن الجميعان قضية اختراق مؤسسات المجتمع طائفيا فيما لو أتيح لها المجال بالعمل بصورة حرة، أما الأستاذة نسيمة السادة فقالت إنانتخابات أمريكا الأخيرة ابرزت الانتماءات والهويات الأولية مع وجود دولة قوية ومتماسكة. وتساءل الأستاذ رائد البغلي عن مدى جدوائية المؤسسات الدينية ان كانت طائفية، وأشار الأستاذ علي البحراني إلى سبب نشوء الكانتونات المذهبية، متسائلا إذا ما كانت من صناعة الدولة أو الخارج. وطرح الأستاذ محمد الخباز مسألة أن الدولة الديمقراطية الحديثة أعطت أمثلة سيئة باتجاهها لإعطاء سلطة أقوى للدولة، وتساءل الأستاذ حسين العلق عن مدى تحمل هذه الوحدات المذهبية المسئولية في معالجة الوضع الطائفي، وطرحت الأستاذة رجاء البوعلي عدة تساؤلات حول أزمة العلاقة بين المثقف ومحيطه.

وضمن الفعاليات المصاحبة للندوة التي يقيمها المنتدى أسبوعيا، عرض المصور الفوتغرافي يوسف المسعود مجموعة من الصور التي عمل على جمعها حول الحج وعرضها في المنتدى، وتحدث حول تجربته في جمعها وتصويرها وعرضها في مطار الملك فهد الدولي وعن تطلعه لمواصلة مسيرته الفنية وتطوير تجربته بعد حصوله على العديد من الجوائز الدولية. كما تم تكريم الأستاذ ياسر السهوان بمناسبة حصوله على “جائزة التميز الإعلامي” وتحدث عن تجربة في الاعلام الرياضي طوال السنوات الماضية وقيامه بتنظيم دورات تدريبية عديدة في هذا المجال.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

التقرير على اليوتيوب:

المحاضرة الكاملة:

كلمة الفنان يوسف المسعود:

كلمة الأستاذ ياسر السهوان:

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد