تزامناً مع اليوم العالمي للتسامح الذي يوافق السادس عشر من نوفمبر، ناقش المشاركون في منتدى الثلاثاء الثقافي هذا الموضوع من خلال ندوة أقيمت تحت عنوان “التسامح وخطاب الكراهية والواقع الاجتماعي” والتي شهدت حضوراً متنوعاً من المثقفين والمهتمين وتحدث فيها كل من الأستاذ جبير المليحان مؤسس شبكة القصة العربية والدكتور سعد الناجم أستاذ الاعلام والادارة بجامعة الفيصل وذلك مساء الثلاثاء 4 صفر 1437هـ الموافق 17 نوفمبر 2015م.
وسبقت الندوة فعاليات مصاحبة لها، كان أولها مشاركة للطالبة حوراء موسى آل درويش (10سنوات) الموهوبة في الفن التشكيلي والتي عرضت رسوماتها في لوحات جميلة بقاعة المنتدى للأسبوع الثاني على التوالي ونالت إعجاب الحضور، وتحدثت عن الدورات التي التحقت بها وصقلت موهِبتها، مستعرضةً مُشاركاتها في عدة معَارض مدرسية ومعرض الوزارة لليوم الوطني، مما أهلها لتُشارك في تدريب زميلاتها في المدرسة على برنامج الرسم التشكيلي. وكانت الفعالية الثانية بالأمسية مشاركة الأستاذ حسن عبد الله آل غزوي بتوقيع كتابه “ونطق الجمال” المتضمن نمط جديد في كتابة القصص القصيرة جدا، حيث سبق للغزوي أن نشر مجموعات قصصية أربع هي “معشوقتي خرساء”، “المحطة الأخيرة”، “ذات الابتسامة الخجولة”، و “صهوة جنون”، وتحدث خلال اللقاء عن تجربته الأدبية التي مر بها وعن مجال اهتماماته.
بدأت الندوة بكلمة لمديرها الأستاذ عيسى العيد رئيس اللجنة المنظمة بالمنتدى، الذي أشار فيها إلى اهتمام منتدى الثلاثاء بإحياء هذه المناسبة سنوياً من منطلق أهمية إبراز ثقافة التسامح في المجتمع ضمن فعاليات متعددة، وخصوصا في هذا الوقت الذي هيمنت فيه لغة العنف والتشدد والتطرف وخطاب الكراهية. وتناول في مقدمته دور التسامح في الاستقرار المجتمعي واحترام الآخر وتعزيز التواصل معه. وعرف بضيفي المنتدى وهما الأستاذ جبير المليحان وهو من مواليد حائل ومؤسس شبكة القصة القصيرة، انتخب رئيسا لنادي المنطقة الشرقية الأدبي، وصدرت له أربع مجموعات قصصية منها كتاب “الهدية” للأطفال و “الوجه الذي من ماء”. والضيف الآخر هو الدكتور سعد الناجم أستاذ الإدارة والاعلام بكلية التربية بجامعة الملك فيصل بالأحساء، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة ولاية كنساس الأمريكية، وعمل مستشار ومشرف تحرير بجريدة اليوم بالأحساء، وهو عضو في لجنة التعليم المطور بالأحساء، والجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية، والجمعية السعودية لعلوم الاتصال .
تحدث الأستاذ المليحان حول مفهوم للتسامح بانه قوة غير عدوانية تتعارض مع إلغاء الآخر ونفيه، وهو ينبع من العقل لإحترام الآراء وحفظ الحقوق، عندها يكون التسامح سلاحاً في مقاومة التعصب في القول والفعل والرأي، والقبول العادل بالآخر، موضحا أنه قد ينظر إلى قناعات الآخر المختلف ورؤاه بشكل سلبي، لكن من الواجب الإقرار له بامتلاكها. وتناول المليحان دور التسامح في استقرار المجتمع مؤكداً على أهمية تعزيز حرية الفرد وسلطة القانون، حيث أن القانون مهمته إقامة العدل وضمان حرية الحقوق بين فئات المجتمع المختلفة الأمر الذي يعزز الحوار الإيجابي مع المختلف دون اللجوء إلى العنف أو الاقصاء.
وفي جانب مهم من حديثه، أكد المليحان على أن التربية على التسامح تنبع أولاً من نقد الذات والتخلص من السلبية بُغية الوصول للمشتركات، وتمهيد الطريق للتعاون في شؤون المجتمع لتحقيق نمو مجتمع مدني فاعل. وتطرق المحاضر إلى عدة عوامل مساعدة لتعميق وتجذيرالتسامح في ظل التنوع المذهبي منها الإصغاء للآخر وفهم رأيه، وتوفير جو التسامح في الأسرة والعمل، واستيعاب ثقافة التعدد، معلقا أن مجتمعنا مقصر في التعرف والانفتاح على تلك التجارب والثقافات. ومن العوامل المساعدة أيضا نبذ التسلط في الرأي وفرضه حيث أن الشعوب الناجحة هي التي أخذت بمبدأ التشاور وآلية التصويت على القرارات مؤكداً بأنها آلية فعالة لتقليص ثقافة فرض الرأي، وأن التسامح يتعارض مطلقا مع الموقف الإقصائي. وأوضح أن التسامح لا يعني تقبل الظلم الاجتماعي أو التخلي عن المعتقدات، بل أن يبقى المرء هو والآخر حراً في التمسك بمعتقداته وتقبل العيش بسلام، مشيداً في هذا الصدد بواقع المجتمع الهندي الذي يعيش حالة من التنوع والتعدد ومع ذلك فهو متقدم سياسياً وتكنولوجياً وسر ذلك يكمن في احترام ذلك التنوع، والعمل على معالجة حالات الاشتباك التي تبرز بين فينة وأخرى.
وحول الآثار المترتبة على غياب التسامح في المجتمع، تحدث الأستاذ جبير المليحان عن أن ذلك يؤدي إلى العجزالحقيقي عن فهم الحاضر والماضي، وعدم القدرة على مراجعة التاريخ مراجعة نقدية موضوعية، مشيرا إلى أن حالة التعصب لا تمكن الانسان من القيام بهذا الدور في مراجعة التاريخ. ومن الآثار أيضا انتشار التعصب والتطرف، وسيادة مشاعر الحقد والكراهية تجاه الآخر، وكذلك خلق شخصيات مغلقة ومهووسة وقابلة للانفجار، تمارس الظلم وهدر الحقوق وتصادر الحريات، موضحا أن الذين يفجرون الأبرياء في المساجد هم افراز طبيعي وشاهد حي لغياب التسامح، داعيا إلى التصدي لتصاعد موجات العنف، ومحاولات انعدام الأمن في المجتمع التي تؤدي إلى تفتيت الوطن. واختتم المليحان حديثه حول التصرف الحكيم والمناسب في البيئة الغير متسامحة طارحاً خمسة مبادئ في هذا الصدد هي التوازن بين العاطفة والعقل، ثم بناء التفاهم المشترك بمعنى خلق أرضية تنطوي على قبول الاختلاف واحترامه، وكذلك وجود الاتصال الفعال، وبناء الثقة بين الأطراف المختلفة، ثم تعلم القبول المشترك.
وطرح الدكتور سعد الناجم في مقدمة ورقته مجموعة تساؤلات للتعرف من خلالها على مدلولات أساسية في مفهوم التسامح، عما إذا كان ذاتيا أم غيريا، وهل هو وقتي أو استراتيجي. ولتحديد مفهوم المصطلح ذكر الناجم بأن تعريف “البعلبكي” للتسامح بانه “القدرة على الاحتمال”، مما يدل على أن التسامح مسألة ذاتية في نفس الانسان. وأضاف أنه بما ان التكوين الفطري للنفس البشرية يتغير بموروث مكتسب يتعمق من خلال تجارب معاشة او منقولة، ويتأثر بالتفسير الخاطئ للنصوص، فإنه قد يكون غير متسامح مع نفسه، وينعكس ذلك في تعامله مع أهله ومجتمعه. وأشار إلى أن مما يزيد الحالة سوءًا، أن التعليم الموجود ليس انتاج معرفة بل أصبح تعليماً استهلاكياً للمعارف بالنقول، واصبح الانسان مسيراً بطريقة لا شعورية، مدللاً على ذلك بصورة التعامل مع الوافدين برفع الصوت ووصفه بالإهانة نسبة الى بلده أو دينه ومذهبه.
وأشار الناجم لوصف علماء النفس بأن التسامح عبارة عن استراتيجية تحمل تسمح للشخص بإطلاق مشاعره السلبية الناتجة عن غضبه من الاخرين بطريقة ودية، تنعكس ايجابياً تكسب الفرد قوة الشخصية ومحبة الآخرين، قائلاً أن التسامح يحتوي على عنصرين هما “الحق” بمعنى حق الفرد أو الجماعة في الاختلاف، وعنصر “الواجب” والذي يعني واجب الجماعة في احترام ذلك الحق للفرد أو الجماعة الأخرى. ثم تحدث الدكتور سعد الناجم حول أصناف التسامح فهي إما شكلي يتمثل في مجاراة الآخر أو عكس ذلك في إقصائه، والصنف الاخر يكون موضوعي عادل يتمثل في الاعتراف بحق الاخر في ممارسة ما يميزه عن غيره دون أن يتعدى على حريات الآخرين ويحترمها. وذكر المحاضر أن التسامح من حيث الاستراتيجية قد يكون سلوكاً دائماً أو مؤقتاً وهذه هي حالة سلبية ينتج عنها تداعيات خطيرة على مستوى النفس والوطن والاخرين من خارج الذات والوطن.
في جانب آخر قسم الدكتور الناجم التسامح من حيث الموضوع إلى مجالات عدة منها التسامح الديني المرتبط بحرية المعتقد والتعبد، والتسامح الفكري بما يعني احترام الأفكار والآراء المخالفة دون تعصب، والتسامح الاجتماعي وهو قبول والتقاليد والتوجهات المختلفة، والتسامح القيمي ويقصد به استعداد تقبل وجهات النظر والقيم المختلفة، وأخيرا التسامح السياسي والمرتبط بالعدالة وافساح المجال للمواطن لممارسة حريته، الأمر الذي يحقق السلم الأهلي بكل أنواعه. وشدد الناجم على ضرورة قيام ميثاق وطني واضح للتسامح كعقد اجتماعي يحمي جميع المواطنين وحقوقهم المشروعة.
وحول الآثار المترتبة على غياب التسامح، قال الدكتور الناجم أن فلسفة التسامح تمنع المنكر من التعدي على الآخرين، بيد أن غياب التسامح ينتج عنه آثارا اجتماعية وخيمة من حيث تفكك المجتمع وتحوله إلى ألعوبة لممارسات المتطرفين، ويسهل بذلك اختراقه من الخارج. كما أن من الآثار المترتبة على غياب التسامح ضياع طاقات أفراد المجتمع المتعددة، واستبدالها بالإحتراب اللفظي أو البدني وممارسة الإقصاء, في إطار العلاج لتعزيز التسامح ومواجهة خطاب الكراهية، قدم الناجم عدة مسارات فركز أولاً على دائرة الأبناء بإخراجهم من الدوائر المغلقة وتشجيعهم على الاختلاط مع فئات المجتمع، وفي مسار ثان أكد على أهمية قراءة الآخر المختلف من كتبه وليس مما كتبه الآخرون عنه، وكذلك أشار إلى أهمية التعقل والحكمة والنهج الأخلاقي النبوي، ورفض اشكالية نقل المشكلات الذاتية خارج الذات الشخصية والاجتماعية واتهام الاخر كسبب لها، داعياً لدراسة الواقع بحيادية واعادة النظر فيما نتبنى من أفكار ومواقف دون تبرئة الآخرين أو اتهامهم.
بعد ذلك طرحت مداخلات الحضور، فطالب الأستاذ خالد النزر بالدعوة إلى دراسة الواقع الاجتماعي دراسة موضوعية وعدم الاغراق في التفاؤل لأن وضع المجتمع أصبح مقلقاً جداً. وأشار الأستاذ زكي أبو السعود إلى أن من يثير الكراهية في الأوساط اليوم تجاوز دور الأفراد الى الجماعات المنظمة وبعضها مرتبط بدول ومخابرات وبالتالي فإن الممارسة الصحيحة للتسامح لا تعني عدم محاسبة القائمين على تنفيذ هذا الدور الخطير الذي يهدد حياة الناس. وتطرق الأستاذ جعفر الشايب إلى أن مفهوم التسامح التقليدي الذي يعني العفو والتجاوز قد تغير إلى صيغ قانونية أشمل فأصبح التسامح اليوم يعني اعطاء الآخر الحق في ممارسة كامل حقوقه، كما أن أكثر القضايا إلحاحا هو ما يرتبط بالتسامح الديني لكونها تحمل قدسية حيث يمارس الإقصاء بمبررات دينية، إذ أن 80% من الحروب في العالم قائمة على أسباب دينية، وبعدم صدور قانون لتجريم الكراهية وتعزيز التسامح سيبقى الكلام نظريا وخارج الواقع.
وانتقد الأستاذ علي الحرز مجلس الشورى لرفضه الموافقة على قانون حماية الوحدة الوطنية، وعبر الأستاذ عدنان السادة عن أسفه لتفشي ظاهرة عدم التسامح اجتماعياً حتى بين المتوافقين مذهبيا في مجتمعنا السعودي. وتطرق الكاتب حسن آل غزوي إلى أهمية المبادرة لتشكيل جمعية وطنية أهلية تعنى بنشر ثقافة التسامح. الأستاذة نسيمة السادة تحدثت عن خطورة المشهد المحلي إذ أصبح خطاب التسامح وقتيا يتم في حال وقوع حادث ارهابي ثم يتبخر ويعود خطاب الاقصاء والكراهية، والأشد خطورة هو التركيز على الضحية ومطالبته بتمثل حالة التسامح تجاه المجرم بحقه.
المحاضرة الكاملة: