ضمن اهتمامه بالتحولات القائمة في المجتمع، وسعيه لمواكبة التطورات في هذا المجال، نظّم منتدى الثلاثاء الثقافي ندوة خاصة حول قضايا الموهوبين التي تنال اهتماما بارزا في السنوات الأخيرة على الصعيد الوطني، حيث استضاف الدكتور نزيه العثماني نائب الأمين العام للتعاون المؤسسي وتطوير الأعمال بمؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والابداع (موهبة) وحضرها جمع من مسئولي التعليم بالمنطقة ومن الطلبة الموهوبين وأسرهم، وذلك مساء الثلاثاء 22 ربيع الأول 1441هـ الموافق 19 نوفمبر 2019م. وأدار الندوة الأستاذ وليد الهاشم التي غطت بالإضافة للتعريف ببرامج وأهداف مؤسسة موهبة، سمات الموهوبين وأدوات القياس والتصنيف، الجهود المبذولة لرعاية ودعم الموهوبين، ومخرجات برامج الموهوبين على الصعيد الوطني، كما حل مدير مكتب تعليم محافظة القطيف الاستاذ عبد الكريم العليط ضيف شرف في الأمسية.
وبدأ اللقاء بكلمة للفنانة التشكيلية رملاء الجضر التي تحدثت عن تجربتها الفنية وتطورها عارضة أعمالها الفنية في صالة معرض المنتدى، كما تحدث الدكتور وسيم الطلالوة عن تجربته في دراسة الطب والتحاقه بجامعات خارج المملكة حتى حصوله على عدة جوائز لأبحاثه الطبية المتميزة، داعيا إلى ضرورة الثقة بالنفس والمثابرة ومواجهة التحديات التي تقف أمام الانسان الطموح. واستعرض أحمد الشايب وهو أحد أعضاء فريق زيرو وان اكس ZerOneX للتقنيات عن تجربة أعضاء الفريق في انتاج روبوتات وأجهزة تقنية تساهم في خدمة المجتمع، كما تحدثت الكاتبة زهراء آل سلام عن كتابها “شعرية الفضاء في رواية طوق الحمام لرجاء عالم” ووقعته في نهاية الأمسية.
استعرض مدير الندوة أهمية الموهوبين عالميا وكيف أنهم أصبحوا قادرين على تغيير خريطة الاقتصاد العالمي من خلال ابتكاراتهم، لهذا سعت الدول المتقدمة لاستقطابهم والاعتناء بهم ضمن برامج مخصصة، وهو ما يتم العمل عليه حاليا في المملكة ضمن منهجية متجددة تسهم في دعم ورعاية الموهوبين. وعرّف بالمحاضر الدكتور نزيه العثماني بأنه حاصل على درجة الدكتوراة في الهندسة الكهربائية وهندسة الحاسبات من جامعة بتسبرغ بأمريكا، ويعمل كأستاذ مشارك بقسم الهندسة الكهربائية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، وتقلد عدة مناصب في منظمة الصحة العالمية والهيئة العامة للغذاء والدواء وعمل مستشارا في وزارة الصحة.
بدأ الضيف محاضرته بالحديث عن بداية تأسيس “موهبة” حيث صدر أمرا ملكيا عام 1435هـ، متضمناً تحديد مرجعية مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع، وقفاً تابعاً لمؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود العالمية للأعمال الإنسانية لغرض قيام المؤسسة بدورها الوطني في اكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين في المجالات العلمية ذات الأولوية التنموية، والتوسع بخدماتها وانتشارها في جميع مناطق المملكة. وأوضح أن أهداف المؤسسة تتوافق مع رؤية 2030 وخاصة في برنامج تنمية القدرات البشرية وبرنامج تعزيز الشخصية السعودية، موضحا أن رسالتها تتركز في إيجاد بيئة محفزة للموهبة والابداع وتعزيز الشغف بالعلوم والمعرفة لبناء قادة المستقبل. وأضاف أن منهجية موهبة تعمل على دعم الجهود الهادفة إلى تطوير ودعم منظومة الموهبة والإبداع وفق أفضل التجارب الدولية والممارسات الميدانية من خلال الاكتشاف والرعاية والاستثمار في الطاقات الشابة.
وأوضح الدكتور العثماني أن الموهوبين يعتبرون محورا أساسيا للتنمية وخاصة في التحول من اقتصادات النفط إلى اقتصادات المعرفة وأن صناعة الريادة والتميز تتطلب كوادر بشرية لديها قدرات عالية ومؤهلة. وانتقل للحديث عن رأس المال البشري معرفا إياه بأنه مجموع المعارف والمهارات التي يمتلكها الفرد وتعطي قيمة مضافة لبيئة الاقتصاد العالمي، وأن تقرير رأس المال البشري العالمي لعام 2017م يشير إلى أنه لا تزال هناك ما نسبته 38% من رأس المال البشري مهدرة في العالم وترتفع لتصل إلى 44% في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأن الهدر في مجال الموهبة يزيد عن ذلك كثيرا. وبيّن أن من أسباب هذا الهدر – حسب التقرير الدولي – ضعف الكفاءة الداخلية لنظام التعليم ووجود فجوة في مهارات الخريجين من الجامعات.
وحول مرتكزات منظومة رعاية الموهوبين، تحدّث العثماني حول كون الموهوبين ثروة وطنية تتميز بقدرات وخصائص وحاجات معرفية ونفسية واجتماعية خاصة، وهم بحاجة إلى منظومة متكاملة من الاكتشاف والرعاية خلال مراحل نموهم المختلفة، من أجل تعزيز تطورهم إلى أقصى حد تسمح به إمكاناتهم، وضمان مساهمتهم الفاعلة في التنمية والاقتصاد الوطني. وبيّن أن طرق التعرف والاكتشاف والرعاية للموهوبين تختلف بناء على طبيعة الفلسفة التي تتبناها الدولة في النظر إلى التعليم وعلاقته بالتنمية، مستعرضا نماذج لسبع دول متقدمة في مؤشرات مجال رعاية الموهوبين وهي استراليا وأمريكا والبرازيل وسنغافورة وكوريا وايرلندا وكندا.
وانطلق بعد ذلك للحديث عن أبعاد المشروع الوطني للتعرف على الموهوبين عبر مقياس موهبة للقدرات العقلية المتعددة، والذي نتج عنه قبول أكثر من 100 ألف موهوب من بين حوالي 500 ألف تقدموا للإختبار، موضحا أنه تم افتتاح فصول للموهوبين تضم 13000 طالب. كما أوضح أن هناك 14 مركزا في مختلف مناطق المملكة تقدم برنامج موهبة المتقدم للعلوم والرياضيات، إضافة إلى البرامج والوحدات الإثرائية والبرامج الصيفية المحلية والبرامج الدولية داخل المملكة وخارجها، كما تحدث عن الاولمبياد الوطني للإبداع العلمي “إبداع” الذي يهتم بتحفيز ودعم المشاريع الإبداعية للموهوبين مشيرا إلى أن الموهوبين السعوديين حققوا 74 جائزة دولية بين عامي 2007-2019م، وأن ترتيب المملكة في الاولومبياد العالمي كان الأول بين الدول العربية وفي الثلث الأول عالميا.
وفي نهاية الكلمة شارك مجموعة من الموهوبين في الحديث عن تجاربهم مع برامج موهبة منهم عبد الله القرزعي، وزينب اليوشع، وعبد الله السنان، ومصطفى العلق. وفي مداخلات الحضور، طرح الاستاذ ناصر أبو سرير أن دعم الموهوبين ليس متناسبا بين جميع المناطق فهو مكثف في بعضها وضعيف في مناطق أخرى مشيرا إلى عدم توفر برامج كافية للموهوبين في المنطقة الشرقية مع كثر عددهم، وذكر الأستاذ كمال المزعل مشكلة اقتصار برامج الموهوبين في الشراكات بين موهبة والمدارس الأهلية والذي يكون عادة على حساب المدارس الحكومية العامة التي لا تتوفر لحد الآن شراكات فعالة معها.
وطرح عضو مجلس الشورى الأستاذ نبيه البراهيم تصوره حول أهمية قيام موهبة برعاية واستيعاب الطلبة الموهوبين المتخرجين من برامجها، حيث ينبغي أن لا يقتصر الاهتمام بهم أثناء دراستهم فقط، وأكد الأستاذ غسان الشيوخ على ضرورة الشراكات مع المدراس الحكومية على غرار المدارس الأهلية من أجل إتاحة الفرصة لقطاعات أكبر من الطلبة المتفوقين. وطرحت الاعلامية سحر أبو شاهين اشكالية عدم تأهيل وتدريب الطاقم الذي يرعى الموهوبين الذين ينبغي أن يحصلوا على تأهيل جيد ومناسب، وشرح الأستاذ زكي الحسين عن دوره كمدرس متخصص في القيام برعاية الموهوبين وعن المشاكل التي تواجهه في هذا المضمار، كما طالبت الدكتورة هبة آل محسن بتكثيف الاهتمام بالطلبة الموهوبين في محافظة القطيف والاهتمام بهم.
وفي نهاية الندوة تحدث ضيف الشرف الأستاذ عبد الكريم العليط عن دور المنتدى في استحضار القضايا التي تفيد المجتمع وتساهم في رفع مستواه، من خلال الندوات المهمة والفعاليات المتنوعة التي تصاحبها، مؤكدا على أهمية دور مؤسسة التعليم في الكشف عن الموهوبين ودعمهم بالشراكة مع مؤسسة موهبة وتذليل مختلف العقبات والمصاعب التي تعترض ذلك.