العامل الإجتماعي – الإقتصادي كمدخل للإصلاح

3٬465

استضاف منتدى الثلاثاء الثقافي في ندوته الأسبوعية مساء الثلاثاء الماضي 29 شوال 1424هـ الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشورى الدكتور إحسان علي بو حليقة متحدثا في “المرحلة الصفرية في برنامج الإصلاح الاقتصادي”، وأدار اللقاء المصرفي المعروف الأستاذ زكي أبو السعود الذي قدم تعريفا عن المحاضر وموضوع المحاضرة أمام حشد غفير من المهتمين بالشأن الاقتصادي ورجال الأعمال والعديد من مثقفي وإعلاميي المنطقة الشرقية.

والدكتور بو حليقة حاصل على درجة دكتوراه الفلسفة في إدارة الأعمال من جامعة وسكنسون، عمل عضواً في هيئة التدريس في كلية الإدارة الصناعية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران، وفي منظمة الخليج للاستشارات الصناعية في الدوحة بدولة قطر، وهو حالياً عضو في مجلس الشورى السعودي، وساهم في برنامج التطوير الاقتصادي والخطة الإستراتيجية طويلة المدى لتطوير مدينة الرياض، وفي إعادة هيكلة قطاع الكهرباء، ونشر أكثر من 30 بحثا في دوريات بحثية متخصصة، وله مساهمات عديدة في الصحف والمجلات العربية المختلفة، وقد صدر له مؤخراً في الرياض كتاب عن إصلاح الاقتصاد السعودي.

وقد بدأ الدكتور بو حليقة باستعراض مراحل الإصلاح المتدرج، مشيرا إلى أن المدخل المنطقي للإصلاح هو المدخل الاجتماعي – الاقتصادي، انطلاقاً من أن للإصلاح خمس مراحل متدرجة تتراتب حيناً وتتزامن عناصرها أحياناً، وهي:

  1. المرحلة الصفرية: إصلاح علاقة المجتمع بأفراده.
  2. المرحلة المجتمعية: إصلاح علاقة الفرد بمجتمعه.
  3. المرحلة العولمية: إصلاح علاقة المجتمع المحلي بالعالم الخارجي.
  4. المرحلة المعلوماتية: إصلاح علاقة المجتمع مع المعرفة.
  5. المرحلة الإبداعية: إصلاح علاقة المجتمع بالإبداع.

وقد استعرض ضمن بحثه كحالة عملية إنجازات وإخفاقات الخطة الخمسية السادسة من برنامج التنمية في السعودية، والمكاسب التي حققتها والتحديات والصعوبات التي واجهها، مؤكدا على أهمية الانتقال من الحديث عن ضرورة الإصلاح إلى كيفيته ولاسيما في تنفيذ الخطط التنموية، باعتبارها ترتبط بتحسين أوضاع الفرد الاجتماعية – الاقتصادية.

وركز المحاضر حديثه حول المرحلة الأولى التي يعتبرها “المرحلة الصفرية أو المرحلة الأساس”، وهي التي تجعل من الاهتمام بالمواطن وصيانة حقوقه كافة غاية بما يمكنه – في حال إنجاز هذه المرحلة – من تجاوز الاهتمامات الغريزية الضرورية، ومؤكدا عبر الأمثلة على أهمية تركيز برنامج الإصلاح ابتدأً على القضايا التي تعنى بالحاجات الأساسية للمواطنين، وذاكرا على سبيل المثال مشكلة البطالة وآثارها الاجتماعية والاقتصادية المروعة على الفرد والمجتمع، والتي قد تتفاقم – إذا ما مكثت طويلاً- لتغذي الفقر والطبقية والإقصاء وسوء توزيع الدخل والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية.

واستعرض المحاضر سريعاً التحديات الصعبة التي مر بها الاقتصاد السعودي منذ قيام المملكة، مؤكدا على أهمية التنافس والتحفيز والتحدي عبر امتلاك أسباب القوة للفرد والمجتمع، وأشار إلى أهمية توظيف الوقت بصورة جدية، والعمل على إنجاز المتوقع، والإصرار عليه من خلال برامج إستراتيجية واضحة، ممثلا بالتطلع الإستراتيجي للدولة حتى عام 2020م، والخطة الخمسية السابعة قيد التنفيذ حاليا، ومشيرا إلى التداعيات العالمية المستجدة ودورها في التأكيد على أهمية الإسراع والإصرار في تنفيذ هذه الخطط كاملة.

وناقش المحاضر الخطة الخمسية السادسة، محللا البيانات الواردة فيها مبيناً أن إجمالي عجز الموازنات العامة فيها بلغ 147 مليار ريال، وتجاوز الإنفاق الفعلي بنحو 15% عما كان مقدرا، حيث تم توفير جميع الأموال اللازمة عبر الاقتراض، ولكن السؤال هو هل حققت الخطة أهدافها في تنمية الفرد بوتيرة مستقرة الصعود؟ ومجيبا بالنفي، ذكر بأن الخطة توقعت أن تتاح 319500 فرصة عمل للسعوديين، من إخلال إحلالها محل العمالة الوافدة، بينما نما عدد العمالة الوافدة في هذه الفترة بنحو 58400 وظيفة. كما توقعت الخطة أن يحقق الاقتصاد الوطني نموا في الناتج قدره 3.8 بالمائة في المتوسط سنويا، أما في الواقع، فقد كان النمو دون التوقعات بفارق كبير، حيث حقق معدل نمو سنوي متوسطه 1.1 بالمائة بالأسعار الثابتة لعام 1994م، واستخلص المحاضر أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (لعام 1970م) قد تراجع خلال سنوات الخطة بنحو 10% من قرابة 3433 ريالا إلى 3078 ريالا عند نهاية الخطة عام 1999م، مشيرا إلى أن تدني معدل نمو الاقتصاد السعودي غدا ظاهرة مزمنة إذ لم يتجاوز 1.6 بالمائة سنوياً خلال الفترة 1990-2000م، في حين بلغ متوسط المعدل السنوي لنمو السكان 2.7 بالمائة.

بعد ذلك، بدأ المحاضر في نقاش البرنامج الإصلاحي لدفع النمو الاقتصادي الذي يراه ضرورة ملحة مرتكزا على جملة مبررات منها: تحريك النمو وفق تكاملية منسجمة في الإستراتيجيات والسياسات، تنفيذ الخطط التنموية تنفيذا دقيقا، أهمية الشفافية والمحاسبة في تنفيذ الخطط، مشيرا إلى أهمية إشراك المواطنين في عرض ومناقشة المشروعات المتعلقة بهم قبل وبعد إدراجها في الميزانية، حيث سيجعلهم مسئولين ومتابعين لما أنجز.

وأشار الدكتور بو حليقة في ختام حديثه أن برنامج الإصلاح متعدد المراحل، وأن مدخل (المرحلة الصفرية) يجب أن يرتكز وينطلق من احتياجات المواطن وعلاقته بمجتمعه، بما يبرر أن يرتكز برنامج الإصلاح الشامل إلى المصفوفة الاجتماعية – الاقتصادية ابتداء، انطلاقا من أن سياسات وإستراتيجيات الإصلاح يجب أن تتمحور هو الاهتمام بالفرد ورضاه. ويمكن تلخيص سياسات المرحلة الأساس بالتالي:

  1. كبح انتشار الفقر ومحاربة البطالة.
  2. تأهيل الموارد البشرية.
  3. المساواة بين المواطنين كافة في الحقوق والواجبات والفرص.
  4. توسيع مشاركة المرأة.
  5. تعميق مشاركة القطاع الخاص.
  6. تقنين مسؤولية القطاع الخاص الاجتماعية.
  7. المراقبة الصارمة لتنفيذ برامج التنمية.
  8. وتعزيز الشفافية والمحاسبة.

ثم فتح المجال للنقاش والمداخلات التي تركزت حول أولوية برامج الإصلاح هل هي سياسية في الأساس أم اجتماعية – اقتصادية، حيث ذكر أحد المداخلين بأنه ما لم يرعى مشروع الإصلاح إرادة سياسية تحميه، فإنه لن يكون قادرا على تحقيق أهدافه، بينما كان رأي المحاضر هو ضرورة أن ينطلق برنامج الإصلاح من الاحتياجات الأساسية للفرد لإصلاح واقعه والرفع من مستوى معيشته، وأن يتدرج المشروع الإصلاحي الشامل عبر المراحل الخمس التي سبقت الإشارة لها، حتى يرتكز الإصلاح إلى أسس متينة نابعة من إصلاح الواقع وليس القفز من فوقه، كما طرحت العديد من الاستفسارات والأسئلة حول الوضع الاقتصادي في السعودية وضرورة وجود نماذج ونظم اقتصادية متطورة يمكن استخلاص الدروس منها وتطبيقها على الاقتصاد المحلي.

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد