منتدى الثلاثاء يتناول تجربة متطرف سابق

3٬727

في تجربة فريدة للتعرف على أسباب التطرف وأنماطه وآثاره وسبل مواجهته والاستماع لتجربة شخصية لمتطرف سابق، وضمن برنامجه للموسم الثقافي الخامس عشر، أقام منتدى الثلاثاء الثقافي ندوته الأسبوعية مساء الثلاثاء 29 ربيع الأول 1436هـ الموافق 20 يناير 2015م باستضافة الباحث والكاتب محمد بن ابراهيم العمر تحت عنوان “صفحات من تجربة متطرف سابق: قصة التحول من الإعتدال للتطرف”.

أدار الندوة رئيس اللجنة المنظمة للمنتدى الأستاذ عيسى العيد، حيث ذكر في مقدمته شرحا لمفاهيم ومعاني التطرف بصوره الفردية والجماعية والذي يستعمل في أغلب الأحيان لوصم المنهجيات العنيفة المستعملة في محاولة تغيير سياسية أو اجتماعية ووسائل غير مقبولة من المجتمع مثل التخريب أو العنف للترويج لأعمال معينة. وأكد بأن التطرف والغلو في الدين من أصعب التحديات التي تواجهها الأمة في عصرنا الحاضر، فالمتطرف الذي يستخدم الدين يكون أكثر عنفا من غيره، كما أن ضعف الثقافة الدينية في المجتمع يسبب المزيد من التطرف الديني.

وعرف العيد بالأستاذ محمد بن ابراهيم العمر على أنه من مواليد مدينة الدمام، درس بجامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية بمدينة الرياض، وهو كاتب وصحفي تلفزيوني وباحث في ملف التنظيمات المتطرفة والحركات الاسلامية. وعمل في قناة الإخبارية السعودية كمراسل ميداني لسنتين بين العامين 2008م و2010م وصحفي تلفزيوني في مجموعة mbc الاخبار والبرامج بين عامي 2010م و2014م، كذلك فقد عمل رئيساً لتحرير برنامج “اتجاهات” على روتانا خليجية سابقاً وكاتباً في صحيفة الجزيرة اونلاين وعكاظ واليوم، وهو كاتب في جريدة الرؤية الاماراتية كل جمعة.

أفتتح العمر المحاضرة بحديث عن تاريخ الحركات الدينية المحلية في المملكة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، امتدادا لبروز هذه التيارات ونموها بعد مرحلة الربيع العربي التي انطلقت عام 2011م. وأوضح أن هناك تداخلا بين السياسي والديني في اطروحات هذه الجماعات التي جعلت من توظيف الدين وسيلة للسياسة، وعملت على تنمية حالة التطرف والتشدد لدى الشباب في المنطقة العربية، مضبفا أن الحكومات العربية لم تكن بعيدة عن دعم أو تأييد هذه التوجهات في مراحل معينة.أشار الأستاذ محمد العمر إلى أنه كتب تجربته في رواية “الطائرة الخامسة” والتي صدرت عام 2012م كناية عن الطائرة التي فاتته في رحلته الجهادية إلى أفغانستان، حيث كان من المفترض أن يتحول إلى مشروع جهادي بعد أن ينال التدريب العسكري والقتالي هناك، كما شملت أيضا قصة تراجعه عن المشروع الجهادي والعودة لأحضان الاعتدال.

وتحدث عن النظرة التي يأخذها البعض حول المتراجعين عن هذا المسار فإنهم يوصمون بالعمالة للدولة من قبل زملائهم السابقين وكذلك بالتوبيخ من قبل الآخرين باعتبار أن الانتماء للحالة الجهادية مثلبة. بين المحاضر أن الأفكار الحركية المتشددة تكونت لديه في وقت مبكر، حيث عاش في طفولته بمدينة الزلفي في وسط المملكة وفي ببئة مغلقة محاطاً بخوف أبيه المبالغ عليه وخشيته من أي انحراف قد يأت من خارج المنزل. وأوضح بأنه بعد أحداث الخليج عام ١٩٩٠م بدأت رحلة انفتاحه على العالم الخارجي واختلاطه بالآخرين، حيث شجعه أبوه على التعرف على الشباب المتدينين لإبعاده عن الشباب الصعاليك –حسب تعبيره-.

تعرف خلال هذا المشوار من حياته على شخصيات حركيّة متطرفة كان بعضها يفسر ماحدث في الكويت على أنه غضب الهي جراء عدم الالتزام بتعاليم الدين – حسب اعتقادهم- وأن المملكة معرضة لمثل هذه الأزمات ولنفس الأسباب. وأشار العمر أنه خلال تلك الفترة كان يتعرض لاستماع محاضرات مسجلة لشخصيات دينية متشددة تشمل افكارا سياسية مغلفة بخطاب ديني، حيث أثرت فيه للدخول في مرحلة الأدلجة وتعزيز انتمائه إلى الحركات المتشددة.وأشار العمر إلى أن حالة التطرف تعود في أغلبها إلى سوء تفسير النصوص الدينية واستخدامها بصورة ملتوية عن مقاصدها، حيث أن هنك الكثير ممن يحملون راية الدين وينصبون أنفسهم قادة للمجتمع وحملة للشريعة وناقليها فيما هم يؤججون الصراعات بين عناصر المجتمع المتنوعة بناءا على مصالح وأهداف تنظيمية وطائفية من خلال اختزال وتحوير النصوص الدينية والشرعية.

وأوضح بأن هناك العديد من الأدوات التي توظف وتستغل من أجل أن تدفع الافراد للتحول من الإعتدال إلى التطرف ومن بينها العائلة التي تشكل المناخ الفكري للأبناء والبيئة الحاضنة المؤثرة في أي تحول فكري لديهم، كما أن المسجد ودور العبادة تغيب عادة فيها آلية السؤال والتفكير وتستغل العاطفة السلبية لنشر الكراهية من خلال الخطب الرنانة والمهيجة واستثارة العواطف حول مايجري لبقية المسلمين في أقطار الأرض وبث دعوات مبطنة بالعداء والكراهية.ومن الآليات الموظفة في تعزيز التطرف، ذكر المحاضر أيضا استخدام المراكز الدينية من قبل أشخاص يزرعون من خلالها بذور التطرف، كما أن التعليم أيضا يشكل أحد الوسائل للتأثير في الأفراد، بالإضافة إلى المناشط الاجتماعية الخالية من الرقابة والتي يقودها الحركيون الذين لا يعترفون بالإعتدال أو الوطنية.

وفي حديثه أشار إلى أن بعض المتشددين لا يتعاطون مع منتجات الحياة الحديثة كلَبْس الساعة او استخدام الكهرباء ووسائل النقل، كما يرفضون حمل النقود ويسكنون في مزارع بدلا من البيوت المبنية ويرفضون كل ما يتعلق بالحياة العامة. وذكر الأستاذ محمد العمر بأن رحلته الجهادية بدأت بدخول المراكز الصيفية التي تقوم بها المعاهد العلمية التي يشرف عليها حركيون، حيث يتم توزيع الأفراد على شعب وفرق في المراكز التي تقدم برامج شبه عسكرية. عندها انتقل العمر من الفكر الحركي المتشدد إلى التطرف حيث كفر والده وخرج من المنزل، كما أنه دعي للتدريب المسلح بناء على حجة حماية العرض والدين الذي قد ينتهك من قبل النظام والقوات الامريكية في حينها، أما تركه للدراسة فكانت تحت مبرر أنها غير جائزة شرعا. كما تحدث العمر عن التخطيط للسفر لأفغانستان بهدف الاستفادة من تجربة التدريب، عبر رحلة طويلة تشمل الامارات والبحرين والهند والباكستان وتنتهي به إلى التسلل لأفغانستان. وشاءت ألأقدار أن يلتقي بأحد مدرسيه السابقين في المحطة الأولى لرحلته في الامارات حيث عمل هذا المدرس على إثنائه عن مواصلة رحلته عبر جلسات حوار ونقاش مطولة، انتهت به إلى العودة للرياض. وأوضح أنه لم يتورط أية عمليات تخريب أو قتل ولهذا لم يتم اعتقاله.

بدأت مداخلات الحضور مع الأستاذ علي الحرز الذي تساءل عن ناقوس الخطر الذي كان سببا في تغيير مساره وعودته للإعتدال وجعله يعيد النظر في مواقفه، فيما أشار الأستاذ رياض بوخمسين إلى الخطورة الكامنة في رجوع أعداد من المتناصحين بصورة أكثر تشددا. وتناولت الأستاذة حوراء الصفار أسباب زراعة الفكرالمتطرف في المجتمع والمسؤولين عنه، واقترحت الأستاذة رائدة السبع إنشاء مؤسسة تهتم باحتواء الشباب المتطرف لكونها من الحواضن التربوية والاجتماعية التي تعيد تأهيل الأفراد، واشار الأستاذ باقر الشماسي إلى عدة نماذج من المشاكل الطائفية المعاشة.وتداخل الأستاذ وليد سليس بالإشارة إلى بعض الجوانب الإيجابية من التجربة والتي تنعكس على الفرد، وأنه لا توجد حالة وسط بين التطرف والخروج منه مبيناً الاسباب التي خلقت البيئة الحاضنة للتطرف، أما الشيخ محمد الصويلح فقد تحدث عن الحوار العقائدي وضرورة توفر شروطه من أجل أن يكون مثمرا وإيجابيا من حيث أهلية المشاركين ومناسبة الوقت واعتماد اخلاقيات الحوار.

وتناول كل من ألأستاذ علي البحراني والأستاذ حسين العلق دور الدولة في مواجهة حالات التطرف من خلال منهجية التعددية وفتح المجال أمام مختلف الاتجاهات الفكرية. وذكر عضو اللجنة المنظمة الأستاذ زكي البحارنة بأن الحاضن الاجتماعي يغذي التطرّف وكذلك الرؤية السياسية القاصرة تجاه الأحداث، وبين الأستاذ محمد الشيوخ معقباً على ماذكره المحاضر حول التاثير السلبي للربيع العربي بأن الربيع العربي قام لأسباب وظروف موضوعية مشيراً الى ما يمكن أن تشكله التيارات المتطرفة من خطورة على أمن المجتمع والوطن. وفي رده على مداخلات الحضور، أشار الأستاذ محمد العمر إلى تقييمه لبرنامج المناصحة متمنياً أن يستبدل ببرامج أخرى أكثر فاعلية وتأثيرا حيث أن بعض القائمين عليه حالياً يتسمون بالتشدد أيضاً، مؤكداً على ضرورة المتابعة مع الأفراد لمعرفة نتائج البرنامج. وبين أن الكثير من رجال الدين أصبحوا لاعبين رئيسيين في تأجيج الصراعات الطائفية وتغذية التطرف عبر التركيز على إقامة المناظرات الحادة بين الفرقاء والمذاهب المختلفة.

وأوضح أن هناك ثلاث مراحل للتطرف تبدأ بالإنتماء العاطفي، الإنتماء الفكري، يليهما الإنتماء الحركي والتنظيمي، وذكر أن من إيجابيات الإنتماء للجماعات الدينية استفادته من العلماء ومعرفة الأحكام الشرعية التي اعتبرها مفاتيح لفهم طريقة ومزاج المشايخ، مؤكداً على أن التيارات المتطرفة كلها خطيرة حيث تؤثر بشكل عام على التعايش والسلم الاجتماعي، مستشهدا ببعض النماذج التي تتسم بالتسامح كتجربة التعايش بالأحساء التي وصفها بأنها جديرة بالبحث، وأكد على ضرورة مراقبة المعلمين والجهات الدعوية وأوصى بتعديل المناهج.

جدير بالذكر أن المنتدى استضاف معرضا للفنانة التشكيلية ديانا عصام على هامش الندوة للاسبوع الثاني على التوالي، كما عرض قبل الندوة فلما حقوقيا قصيرا حول مفهوم “المجتمع المدني”.

 

لمشاهدة الصور اضغط هنا

 

التغطية الإعلامية

 

المحاضرة الكاملة:

 

 

 

قد يعجبك أيضاً

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. موافق أقرأ المزيد